الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان : من يخشي التدخل الخارجي ...الحميد ؟

عبد العزيز حسين الصاوي

2007 / 10 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الان وقد هدأ غبار السجال بين الحكومة ومنتقديها حول قرار مجلس الامن رقم 1769 يمكن الالتفات الي ابعاد اخري للموضوع. المؤتمر الوطني صور القرار بأعتباره انتصارا لأنه يؤكد علي الصيغة الافريقية للعمليه/ القوات الهجين ويحصر الاشارة الي الفصل السابع في نطاق لايمس صلاحيات الدوله بينما قالت المعارضة بعكس ذلك مؤكدة ان التطبيق العملي سيؤدي الي هذا المس ويثبت ان الامم المتحده والقوي الكبري هي صاحبة القرار النهائي وليس الاتحاد الافريقي. يدعي هذا المقال بأن المؤتمر الوطني حقق انتصارا فعلا ولكن لافضل كبيرا له فيه وفي مجال اخر غير هذا الذي مارس قدرا كبيرا من اللجاج للتغطية علي تراجعاته البينة فيه، وذلك عندما انحصر النقاش مع منتقديه في حدود تفسير القرار وهذا ينطوي علي اقرار ضمني بصحة مفهوم خاطئ لمشروعية السلطة القائمه وللتدخل الخارجي.
من حيث الاعتبارات العملية الواجب مراعاتها في العمل السياسي المعارض الرشيد المثمر لاشك في ان السلطة القائمة حاليا تحوز علي شرعية الامر الواقع لاسيما بعد توطدها بمشاركة الحركة الشعبيه وحركات دار فور والشرق دون تخفيف فعلي لقبضة المؤتمر الوطني الدكتاتوريه عليها. بيد ان المعيار الصحيح للمشروعية وهو الاختيار الشعبي الحر لم يجد مكانا في السجال الذي دار حول الموضوع بينما التشخيص السليم لماهية المصلحة الوطنيه ومن ثم علاقتها بالتدخل الاجنبي من حيث طبيعته وحدوده، غير ممكن في ظل سلطة تفتقر الي اهم اركان المشروعيه. هذا مابدا ان السيد الصادق المهدي بقدراته الفكرية واللغوية المتميزه سينبه المعارضة اليه عندما بادر بأطلاق مصطلحي التدخل الحميد والخبيث عند احتدام النقاش قبل عام مع صدور القرار 1706 للتمييز بين مايخدم المصلحة الوطنية منه ومايتنافي معها وينبغي مقاومته بكل الوسائل بما فيها التخلي عن قيادة الدوله لقيادة المقاومه ضد الغزو الاجنبي كما افادنا المشير البشير. وبينما ذهب الحزب الاتحادي الديموقراطي في نفس اتجاه الحكومه منذ البدايه وتردد الحزب الشيوعي، فأن الجميع انتهوا عند صدور القرار 1697 فيما بعد الي قصر اختلافهم معها في حدود تفسيره وتحميلها مسئولية التدخل الخارجي بعيدا عن النقطة الاهم التي المح اليها موقف حزب الامه في بادئ الامر.
في حالة دار فور وشبيهاتها العربيات والافريقيات فأن انقاذ حياة البشر اذا ثبت عجز الدولة عن ذلك مبرر كاف لاطلاق صفة الحميد علي التدخل الاجنبي بل والسعي لاستجلابه. والفرق هنا بين سلطة يتوفر فيها شرط المشروعية الديموقراطية واخري مجردة منها ان الاولي تملك الحق القانوني والاخلاقي لاتخاذ مثل هذا القرار لانها مفوضة شعبيا والاقدرعلي اتخاذه من حيث الدواعي والتوقيت بينما الثانيه ساقطة في مثل هذا الامتحان علي مستوياته الثلاث والنتيجة انها لاتقبل التدخل الخارجي الحميد الا تحت الضغط والتهديد وتظل تعرقله بعد ذلك كما فعلت وستفعل حكومتنا مع نايفاشا واخواتها. والشاهد ان هذه النوعية من الانظمه لاتستطيع التصرف الا علي هذا النحو لانها تبقي مسكونة دوما بهاجس لامشروعيتها مما يرغمها علي اعطاء الاولوية لحماية نفسها وليس لانقاذ البشر الذين تدعي انها هدمت الديموقراطية من اجلهم. وهذا هو المغزي الحقيقي لتركيز الحكومه علي تسبيب رفضها للقرار السابق رقم 1706 بحجة صيانة السيادة الوطنيه من تدخل الامم المتحدة في الشئون الداخليه بالاشارات الواردة فيه الي اصلاح النظام القضائي والشرطه ومحاسبة مرتكبي الجرائم بينما الامر في حقيقته تمسك ببعض من أهم ركائز الشموليه وهي انهاء استقلالية القضاء وتحويل الشرطة الي اداة ضاربة لاي نأمة معارضه تتجاوز الكلام شبرا او اثنين مع توفير الحصانة لقياداتها السياسيه والتنفيذيه. الامر هنا امر قاعدة عامه تقوم علي الصلة الحتمية بين دكتاتورية النظام الحاكم ومأساة دارفور، بين الاستبداد الداخلي في اي زمان ومكان وماتؤدي اليه طبيعته من ضعضعة لكيان البلاد وتمريغ للسيادة الوطنية في تراب فقر اغلبية الشعب والعزلة الدوليه بينما يتبجح النظام بقوته في وجه الاعداء الخارجيين وصيانة كرامة الشعب والوطن. هذا هو لب المسأله والمنطقة التي سعي المؤتمر الوطني للتعمية عليها بتصويرها كقضية سيادة وطنيه مهددة من استكبار واستعمار غربي طامع في ثروات دارفور النفطية وغير النفطيه، مع ملاحظة ان المتيسر فعليا يتبدد في استثمار غير منتج كما كشف وزير الدفاع قبل اسبوع. بلد المجاعات والحروب الاهليه يصنع طائرات وصواريخ.
بالنسبة لدوائر المعارضة الاكثر تطورا من غيرها مثل الامه والشيوعي لايعود الوقوع في هذه المصيده بأنحصار النقاش في تأويلات القرار وليس السياق العام الذي انتجه الي الغفله وانما الي ميل حاسم في ميزان النفوذ الشعبي منذ مده لمصلحة الاسلام السياسي التقليدي الذي يعتبر حكامنا الحاليون من سدنته، شريان الحياه لحركات وانظمة الاستبداد الشمولي التي انتجها تخلفنا التاريخي. ومن خصائص هذا التخلف المتراكم الطبقات والعائد جوهريا الي بقاء الدين اسير التراث الفقهي المعادي للتفسيرات العقلانية، تصاعد قابلية النخب والاوساط الشعبية للتجاوب مع الخطاب الديني والوطني المزيف في ظروف التأزم الاقتصادي والسياسي او، في افضل الاحوال، انعدام القدرة علي القطع الحاسم معه ومعارضته ايجابيا. هذا مايفسر تدني فاعلية الوزن الكمي والنوعي الكبير تاريخيا لاحزاب المعارضه ( والنشاط النقابي ايضا) منذ مده مشكلا احد الاسباب الرئيسية لتجاهل التجمع وحزب الامه في مفاوضات نايفاشا وماتبعها كما يفسر وجود مناخ ضاغط من الابتزاز والارهاب بأسم الدين والوطنيه بما يجعل القبول بالتدخل الخارجي صعبا مهما كانت الضوابط التي تبطل اثاره السلبيه ومهما كانت ضرورته لانقاذ البلاد والعباد، اي مهما كان حميدا. كما ان المصدر الغربي لهذا التدخل بحكم توفر الامكانيات والاستعداد النابع من رؤية معينة لخدمة المصالح القوميه لامريكا واوروبا، يجعل من الممكن للانظمة والحركات الشموليه تمويه دوافعها الحقيقية لرفضه بأسباب مقبوله مثل الدعم الغربي المستمر لاسرائيل. كلمة حق يراد بها باطل.
من العوامل المساعدة علي فهم هذا الموضوع ماتكشف عنه متابعة تاريخ التدخلات الاجنبية الحديثة من اختلاف الموقف تجاهها في تجارب البلقان وافريقيا. ففي كوسوفو مثلا كان التدخل الامريكي- الاوروبي العسكري عام 1999 بالتعاون مع حركة التحرير الالبانيه مطلبا وطنيا مع انه حدث دون قرار من الام المتحده، بينما تقدم افريقيا نماذج مشابهة في ليبيريا وساحل العاج وسيراليون. العناوين الرئيسية للنموذج الاخير تطابق عناوين النموذج السوداني ( حرب اهليه وقوات افريقيه ثم قوات من الامم المتحده وابوجا) ولكن النتيجة مختلفه بسبب توفر عنصر الاجماع الوطني وخلو المناخ العام من موانع النقاش الحر للمسأله مع ان التدخل الاجنبي حتي العسكري شمل بريطانيا الدولة المستعمرة السابقه. فترة الانتقال انتهت في اغسطس الماضي بأنتخابات حرة وهادئة لرئاسة الجمهوريه وتحقق البلاد نموا اقتصاديا بمعدل 7% سنويا بدعم من المانحين والامم المتحده شاقة طريق الخروج النهائي من المأزق بصعوبه ولكن بثبات عبر تأسيس الديموقراطيه. في الوقت نفسه يقف اكبر مجرمي الحرب الاهليه وهو شارلس تايلور رئيس الجارة ليبريا سابقا ومؤججها مع زميله السيراليوني سانكوح الذي توفي في الاعتقال، امام المحكمة الدولية الخاصة لسيراليون ومقرها في هولندا. هذا النموذج بالذات يجدر ان يكون موضع اهتمام من المعارضه والنخب السودانية المستنيره لذلك قد يكون مفيدا العودة اليه بشئ من التفصيل









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد