الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتنبي وفاتحة والطبيبة أسماء

عدنان الظاهر

2007 / 10 / 25
الادب والفن


رومانس المتنبي

[ قصة أسماء ]

(( 14 ))


( يا ويلي من حبّو يا ويلي ... ) هاأأأأأأأأأ ... الآن حلوّت المناسبة ، علّق المتنبي وقد حضر لتوه ِ . بماذا حلت المناسبة يا شاعر ؟علّق سترتك في المكان المناسب ثم إجلس لأسمع منك وتستمع بدورك مني . تجاوب فوراً مع مقترحي وكان منشرحا ً وجها ً ومزاجا ً . وضعك غير إعتيادي هذا اليوم يا متنبي عصرك وموضع غضب كل العصور . قال محتجا ً برفق : لا كنتُ موضع غضب أحدٍ من البشر ولا كنت ُ متنبي عصري ، كنت ُ شاعر عصري وبقيت ُ شاعر كل العصور . وكنت كما قلت ُ يوما ً :

أنا الذي بيّن َ الإله به ال
أقدار َ والمرءُ حيثما جعَله ْ

أنا ابن ُ مَن بعضه ُ يفوق ُ أبا ال
باحث ِ والنجل ُ بعض ُ مَن نَجَله ْ

ثم َّ ، أضاف ، ما الذي جعلك تحسب أن وضعي هذا اليوم غير إعتيادي ؟ تراجعت ُ فقلت ُ أعني أنَّ مزاجك هذا اليوم رائق ٌ صاف ٍ ومعنوياتك عالية ، أعلى من علم تحية الصباح أيام الخميس في مدارسنا أيام َ زمان . قال لا تضيّع َ وقتي ، أمامي أشغال ومهام علي َّ إنجازها جميعا ً هذا اليوم . وماذا تقترح ؟ نتنناول الشاي ثم ننصرف معا ً ، أريد منك بعض المساعدات . حاضر يا متنبي يا شاعر ويا حاضر ويا دائم الحضور . قال لست ُ دائم الحضور ... فأنا كما تعلم أغيب متى ما أشاء ويا ما غبت ُ عنك ومن دارك . من هذا ترى إني دائم الحضور ودائم الغياب . مثل وجهي قطعة نقد ذهبية . لا ينفصل الحضور عن الغياب ولا الغياب عن الحضور . هذه فلسفة صوفية لا أفهمها يا متنبي . فلسفة صوفية ... نعم ، لكنها ليست فلسفة عصية إلاّ على أمثالك . مَن هم أمثالي يا متنبي إبن متنبي ؟ مدّعو العلم والكيمياء وما شابه َ ذلك . ضحكتُ كما لم أضحك ْ من قبل ُ .يستهين المتنبي بي وبأمثالي ويسخر منّا ولا نعجبه . لله في خلقه شؤون . شكراً على أية حال يا ضيفي ويا متنبي . أردت أن ْ أستفزه من باب أخذ الثأر فقلت له : ألا تخشى أن تسمع مني أحد أبيات شعرك الذي شتمت َ به بعض معارفك أو أصدقائك أو جلسائك ؟ أي بيت تقصد ؟ إقرأه ُ ... قال .
أقصد :

وربما أُشهد ُ الطعام َ معي
مَن لا يُساوي الخبز َ الذي أكَلَه ْ

قال غلبتني يا لعين .. غلبتني بشعري كما جار علي َّ وقتلني بيتي الشهير (( الخيلُ والليل ُ والبيداء ُ تعرفني ... ) . غنيت في سرّي وقد إنتصرت ُ على صاحبي بالضربة القاضية مقطعا ً من أغنية عراقية قديمة لا أعرف مغنيها ولا مؤلف كلماتها :

يا حافر البير لا تغمّق ْ مساحيها
خوفي الفلَك ْ يندار ْ وانت َ التقع بيها

هلم َّ هلم َّ لا وقت َ أمامنا نمضيه بالقيل والقال .
قضينا مشاغله مع بعض الدوائر الحكومية ودفع ما عليه من مستحقات قديمة وإبتاع بعض الملابس الجيدة وكان يحب قمصان ( تي شيرت )
T - shirt
التي تحمل إسم ( بوص )
و Boss

Joop
وأسماء أخرى لقمصان صيفية غالية الثمن عالية النوعية . ثم أضاف لقائمة مشترواته علبة سجاير ( كنت ) أمريكية فإن َّ دخانها معقول غير حاد كما يدّعي والله أعلم ... لأني لست من المدخنين .
في البيت سألت صاحبي ما موضوع نقاش اليوم بعدما حلّت كارثة أمس بالشارع الذي يحمل إسمك في بغداد ؟ قال لا تذكّرني بهذه الكارثة رجاء ً رجاء ً . حاول ْ أنت أن ْ تنساها . كارثة كارثة وفق َ كافة المقاييس .
حسنا ً ، ماذا تقترح ؟ أُدخّن سجارة كنت أولا ً ثم أقوم لأجرّب ما إبتعت ُ من قمصان جديدة . معيدي معيدي ... ألم أقل ْ لك إنك معيدي أصلي . لماذا ؟ هكذا إعتدت ُ في حياتي ، أُجرّب ما أشتري من ملابس بعد شرائها على الفور . ربما أكتشف فيها عيبا ً أو نقصا ً في عدد الأزرار أو إنها أكبر أو أصغر من قياساتي . ينبغي أن يكون َ الإنسان ُ حذرا ً في هذه الأيام يا أخي . الفلوس عزيزة وينبغي أن نحسب َ لها ألف حساب . صدقت َ يا متنبي ، ألم أقل ْ لك إنك حقا ً متنبي وحقيقة ً . قال تسخر مني يا خبيث . ضحكتُ فإبتسم إبتسامة مغبون . هل نتمشى في الغابات المجاورة ؟ مد َّ بصره خلال النافذة ثم قال : أخذ الجو بالتبدّل . تجمعت غيوم سود وسيمطر الجو بعد قليل . بالفعل ... أمطرت السماء كما تنبأ صاحبي المتنبي . هل تأكل شيئا ً ؟ قال لا . معدتي مغلقة منذ حادث أمس .
طيّب يا أبا الطيّب ، ماذا تقترح ؟ قال سيمارس كلانا تصفيف وهندسة الأكاذيب والتهاويل ويخدع كلٌ منا صاحبه ... أموافق ؟ موافق كل الموافقة يا مهوال وزعيم المبالغين يا متنبي ولكن ، ما موضوع هذه الأكاذيب والأراجيف والدعاوى الفارغة ؟ ألدينا موضوع مفضل غير الرومانس ورسائله وحسراته ولوعته ودموعه ؟ إبدأ أنت يا متنبي إذا ً . قال بل أفضّل أن ْ تبدأ أنت لإني متعب قليلاً . يلزمني بعض الراحة لحين أستجمع قواي وألتقط أنفاسي . حاضر وعلى عيني وراسي يا متنبي .
لم أجد ْ في ذاكرتي ولا في أوراقي ما يمكنني قراءته فتحايلت على صاحبي وقلت سأدفعه في نفق مغلق يجعله ينسى مسائل رومانس جلسة هذا اليوم . قلت : يا متنبي ... هل أتاك حديث الطبيبة أسماء ؟ بهت الرجل ، لم يكن يتوقع مثل هذا السؤال . كان مشوقاً أن يسمع أخبار حب وغرام وتولّه . تماسك فسألني عمّن تكون هذه الأسماء الطبيبة ؟ ما خطبها ؟ ما علاقتها بشؤوننا الخاصة ؟ معك حق يا متنبي ، أنت لا تعرف هذه الطبيبة المريضة التي عالجت أحد مرضاها فوقعت في حبه . شدّت هذه الكلمات إنتباه صاحبي وأثارت فيه الكثير من الفضول . تساءل مستنكراً : طبيبة تقع في حب مريضها ؟ أجل يا أبا الطيّب . وقعت فعلاً في حب المريض الذي أوشك على الموت إنتحاراً يأسا ً من الحياة لإصابته بمرض السوداء ( المالنخوليا ) . إذاً ، قال ، كانت أسماء طبيبة مختصة بالطب النفساني ؟ صح . كانت كذلك . طيب ، وما كانت علّتها وهي الطبيبة ؟ سرطان الثدي يا صاحبي . وهل أُستأُصل هذا الورم الخبيث ؟ بل تم إستئصال الثدي ، رمز الأنوثة كما تسميه . بعد عملية إستئصال الثدي المصاب وافقت على إجراء عملية تجميل الصدر . وضّح ، قال ، ما معنى عملية تجميل الصدر ؟ وضع لها الطبيب الجراح في باريس نهداً في مكان النهد الذي أُزيل ... نهداً من مادة السيليكون فإستوى لها نهدان في صدرها وإستعادت عافيتها النفسية والجسدية . بعد نجاح عملية زرع الثدي السيليكوني قال لها الجراح (( ستكونين فخورة بنهديك )) . ثم قد أدمنت القول (( لا بدَّ أن نحبَّ أنفسنا لكي يحبنا الآخرون )) . وأقوال أخرى من قبيل (( كيف لا أصبر على زرع الجمال وقد صبرتُ على إستئصاله ؟ )) . ظل المتنبي ذاهلاً وهو يصغي لهذه الأحاديث التي لم يسمع بها قبلاً . تساءل صبوراً محتاراً : عرفت محنتها بعلّتها الخطيرة ولكن لم أفهم بعدُ كيف ولماذا وقعت في حب أحد مرضاها وهل يحب الأطباء ُ مرضاهم ؟ هي تجيبك عن هذا السؤال يا متنبي . قال كيف ؟ قالت (( أهو المرض يقرّبنا من بعضنا أم أن تواجدي بنفس المدينة التي يسكنها قد جعله حاضراً أكثر ؟ )) . ظلَّ ضيفي مشتت الفكر زائغ البصر لا يصدق ما يسمع . دخّن وإنصرف إلى بعض شؤونه وغمغم بنغم مجهول ، إستدار نحوي ثم قال : لا أصدق أن طبيبة ً عاقلة ً تقع أو توقع نفسها في حب رجل مجنون أو معتوه أو موسوس أو سوداوي الطبيعة مهما كان ثرياً أو موهوباً أبداً . هذا ما حصل يا متنبي ، هذا ما حصل مع أسماء الطبيبة . ماذا وجدتْ فيه ؟ هي ستجيبك عن هذا السؤال . إسمع ما قالت (( ... وها هو مريض تائه حاول الإنتحار إستطاع أن يمنحني الأمان للإبحار بعيداً في محطات الذاكرة . أعادني للقراءة ، صالحني مع القلم ومع جسدي )) . قال هذه فيلسوفة ومنطقها منطق فلاسفة وليس منطق أطباء . إنها تجمع الإثنين يا صاحبي ، طبيبة وفيلسوفة ومثقفة كبيرة . ثم إنَّها تعتبر (( الفلسفة أمُّ العلوم ) . ظل المتنبي يردد بصوت خفيض [[ صالحني مع القلم ومع جسدي ]] . هل أعجبتك الفكرة ؟ قال أعجبتني وحيّرتني . قد أفهم المصالحة مع القلم ، الأقلام تتكلم وقد سبق وأن قلت :

حتى رجعتُ وأقلامي قوائل ُ لي
المجد ُ للسيف ِ ليس المجدُ للقلمِ

أُكتب ْ بنا أبدا ً بعد الكتابِ بهِ
فإنما نحن ُ للأسياف ِ كالخَدَمِ

قلتُ هذا الكلام قبل الطبيبة السيدة أسماء بعشرات القرون . لكنَّ المشكلة العويصة ظلّت كما كانت حول المصالحة مع الجسد . كيف يصالح ُ رجلٌ مكتئب ٌ غيرُ سوي طبيبةً ً مع جسدها ؟ لا تقلق يا عزيزي ، الطبيبة وضّحت القصد . قالت (( جعلني أُحب نفسي من جديد هو الذي كره َ نفسه حد َّ العدم )) . قال لم تصب ْ الطبيبة . تكلمت هناك عن الجسد بينما تكلمت هنا عن النفس . ألا يفرّق الأطباء بين النفس والجسد ؟ هل حب النفس مصالحة مع الجسد ؟ لا تتشاءم ولا تبالغ في شكوكك يا متنبي . صحة الجسد من صحة النفس . يمرض الجسد إذا مرضت نفس الإنسان . أفلم تقل ْ أنت نفسك :

يقولُ ليَ الطبيبُ أكلتَ شيئاً
وداؤكَ في شرابكَ والطعامِ

وما في طبّه ِ أني جوادٌ
أضرَّ بجسمهِ طولُ الجَمامِ

الراحة الإضطرارية والإقامة الجبرية في بيتك هي التي أسقمتك وأمرضتك ، لا شرابك ولا طعامك . أنت ميّزتَ هنا بين نفسك وجسدك .
إعتلّت منك النفس المقهورة بالعزل المفروض عليك ( أو عليها ) فإعتل َّ فيك الجسد .

ثم قولك :

وإذا كانت النفوس ُ كِبارا ً
تعبت ْ في مُرادِها الأجسامُ ؟

لقد ربطت بإحكام بين النفس والجسد . تضخّم النفوس يتعب الأجساد . تعب أو مرض الأجساد متعلق بإنحراف النفس البشرية بداء جنون العَظَمة. قال أقنعتني بأشعاري يا رجل . سأجعلك أحد رواة شعري كإبن جنّي . قلت له شكراً ، شكراً جزيلاً ... لا أصلح لهذه الشغلة .
بعد فترة إستراحة قصيرة سأل المتنبي : وهل تزوجت أسماء الطبيبة من مريضها بعد أن تماثل على يديها للشفاء ؟ وهل كانت متزوجة من قبل أن تتعرف عليه مريضاً ؟ نعم ، كانت متزوجة من رجل لم يعرْها ما تستحق من إهتمام إنسانة ً وإمرأة فإنفصلت عنه بالطلاق . قالت عنه حرفيا ً (( لم يكن لديه وقت للوقوف عند عتبات جسدي ... ليتأملني أو يعرّيني بعينيه . حتى خلال ممارستنا للجنس كان يتعمّد إطفاء النور قبل أن يقوم َ بحركات دقيقة شبه آلية ، يستلقي بعدها مباشرة ً ليقرأ مقالاً في جراحة القلب .... بينما أتكوّر أنا تحت اللحاف كرضيع يبحث عن رائحة أمّه )) . جريئة والله ِ جريئة هذه المرأة الطبيبة . ليتها تتزوجني . أنا أعرف كيف أُداري نسائي .... قال المتنبي معلِّقاً . وهل تزوجت ثانية ً بعد طلاقها من زوجها الأول ؟ نعم ، تزوجت من مريضها السابق الشاعر والأستاذ الجامعي
( وحيد الكامل ) بعد إنفصاله عن ( سوزان ) ... زوجه الفرنسية . زواجها الثاني هذا أفضل لا ريب َ من الأول . لأنها تزوجت شخصاً تعشقه لا غير . عشقها (( قلبها )) هو مَن تزوج . إلتحم في زواجها الثاني هذا كل ٌّ من قلبها (( هواها ، رومانسها ، أحلامها وأخيلتها )) وجسدها
(( الجنس الجسدي )) . تخالط وإمتزج َ فإلتحم َ في هذا الزواج تراب ألأرض ولازوّرد السماء ... إبليس والله (( الجسد والقلب )) . فضلا ً عن إنسجام الأفكار والثقافة والميول والهوايات . كلاهما أديب وشاعر ومثقف وكلاهما يهوى الموسيقى والفن ولغة كليهما الثانية [ وربما ألأولى ] هي الفرنسية . قالت أسماء نفسها إنها لا تتزوج شخصاً من غير أن تعشقه (( أُريد أن ْ أكون َ عاشقة )) . ثم َّ إنها نوعية خاصة من النساء ... غالباً ما تستشهد بقول رجل إنفصل عن زوجه فقال حين سُئل لماذا إنفصل َ
(( لأنني لم أعد ْ أحتمل الوحدة )) . تبسّم المتنبي إعجاباً بهذا القول وبصاحبه ثم بطبيبتنا عالية الرأس الفخورة بنفسها غاية الفخر . قال قد شوّقتني لقراءة كتاب أسماء ، أين أجده ؟ تستطيع إستعارته مني بعد أن أنتهي من قراءته كاملاً ومن تسجيل ملاحظاتي وتعليقاتي الخاصة بالكتاب كما هي عادتي . سأل : وهل سألت أو علّقت ؟ أسئلة كثيرة ... ضحكنا بأصوات عالية ثم طالبني ضيفي بالكثير من الطعام . كان شديد الجوع وقد أضنته قصة الرجل المزدوج الذي كان يعاني من الكآبة وربما من إنفصام الشخصية ( شيزوفرينيا // إستنتجت ُ هذا من طبيعة أجوبته على أسئلة الطبيبة أسماء وغرابة إستجاباته لبعض أسئلتها ) ثم إلتحم نصفاه وتتاما وتكاملا فغدا وحيداً ثم كاملاً .
ماذا ستقص عليَّ غداً يا متنبي ؟ قال سأفكّر طويلاً في الأمر . لدي خطوط قصة واقعية ليست خيالية كقصة أسماء حكيمة الروح والروحانيات .

إلى غد ٍ إذاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_