الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية و التعديل الدستوري بالمغرب

أحمد عصيد

2007 / 10 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يطرح كل نقاش حول التعديل الدستوري بالمغرب إشكالية الكيان الدولتي و جوهره، حيث لا يتعلق الأمر بمجرد ترميم الوثيقة الدستورية بإضافة بعض تقنيات العمل المؤسساتي الديمقراطي الحديث، بل يهم على وجه التحديد إعادة النظر في الأسس التاريخية و السياسية و الثقافية لوجود الدولة المغربية و خياراتها الكبرى و توجهاتها الرئيسية، حيث يطرح بجانب آليات ممارسة السلطة و دور الفاعلين الرئيسيين في الحياة السياسية،موضوع هوية الدولة و المجتمع المغربيين، و العمق الثقافي و التاريخي للكيان المغربي و للبناء الديمقراطي الوطني. من هذا المنطلق استطاعت الحركة الأمازيغية أن تنفرد على مدى عقد و نصف بمطلب التعديل الدستوري في الجانب الهوياتي، الثقافي و اللغوي، غير أن خطاب الحركة في هذه الحقبة شهد تحت تأثير أحداث متعاقبة و شروط عديدة تطورا كبيرا، أملته من جهة ديناميةهذا الخطاب و تفاعله مع غيره من الخطابات السياسية و الثقافية المجاورة له في ساحة العمل المدني و السياسي التي تتصف بالتردد، و كذا سياسة الدولة في مجالات الإقتصاد و التنمية و علاقة المركز بالهوامش.

الدستور و ازدواجية الدولة:
تصب معظم مطالب القوى الديمقراطية في الإصلاح الدستوري و السياسي باعتباره العامل الأكثر قوة الذي من شأنه أن يعطي الدفعة المطلوبة لتحقيق الإنتقال المأمول نحو الديمقراطية، و يرجع ذلك إلى تيقن هذه القوى من أن معضلة السياسة بالمغرب إنما تكمن في ازدواجية الدولة، أي في كونها قائمة على أسس متناقضة بعضها حديث و عصري، و بعضها تقليدي و عتيق. و الحقيقة أن هذه الإزدواجية ذات الصلة بالإرث الكولونيالي الذي وطد دعائم الدولة العصرية و أرسى أسسها بجانب مؤسسات "المخزن" التقليدي، قد أثرت سلبا على تطور الدولة و المجتمع المغربيين، ذلك أن النظام المخزني سرعان ما "لبس" هذه المؤسسات العصرية بعد الإستقلال، و قام بتكييفها في إطار أسلوبه القديم و لأهدافه الخاصة، و ذلك بأن فصلها عن أسسها الفلسفية و القانونية، و حولها إلى آليات تقنية خارجية تعمل وفق فكر و روح المخزن التقليدي، مما شكل عرقلة دائمة في طريق المشروع الحداثي الديمقراطي المغربي على مدى نصف قرن، و كرس استمرار نفس السلوكات القديمة بأساليب ووسائل و تقنيات حديثة. وقد عبر عن هذا الإشكال بوضوح استمرار الملك في القيام بدورين متناقضين، ينسخ أحدهما الآخر و يلغيه، دور الملك و رئيس الدولة العصرية، و دور أمير المؤمنين و حامي الملة و الدين الذي يتجاوز كل الضوابط و القواعد العصرية لممارسة السلطة باسم " تقاليدنا العريقة"، و قد عبرت السلطة منذ 1962 عن هذه الإزدواجية باستعمال شعار" الأصالة و المعاصرة" الذي كان يرد بكثرة في خطابات الملك الحسن الثاني، و الذي كان يعني في الواقع عدم الحسم في الإختيار بين التحديث و التقليد، و عدم تبني أي مشروع واضح يجعل المغرب ينتمي إلى العالم المعاصر،أو يعود إلى نمط الحكم القديم، مما جعل المغرب اليوم يعيش "مرحلة انتقالية" لا تنتهي.
يفسرهذا كيف ظلت الأمازيغية خارج المؤسسات، و خارج الحياة السياسية، فقد كانت قبل الحماية رمزا لبلاد "السيبة" المتمردة باستمرار على الحكم المركزي، و تحولت مع الحماية سنة 1930 إلى مؤامرة استعمارية، و أصبحت بعد الإستقلال تمثل العنصر النشاز الذي لا ينسجم مع خطة الوطنيين و المخزن في تحالفهما التاريخي من أجل تثبيت أسس الدولة الوطنية المركزية، بناء على مرجعيتين أجنبيتين: النموذج اليعقوبي الفرنسي القائم على أحادية الهوية و اللغة و الثقافة، و القومية العربية كإيديولوجيا سياسية تهدف إلى تكريس هيمنة الثقافة العربية الإسلامية على ما سواها من عناصر الشخصية الوطنية في بلدان الشرق الأوسط و شمال إفريقيا.
و لقد ظلت الأمازيغية، الهوية الأصلية للمغاربة، طوال عقود الإستقلال تمثل عنصر تهديد للمونتاج السياسي الذي تم بعد الإستقلال، و الذي يقرن قوة الدولة بانسجام أسسها في إطار العنصر الواحد في الفكر و المذهب الديني و اللغة و الهوية، هذا العنصر الذي عليه تذويب كل العناصر الأخرى في بوتقة ما هو رسمي و إضفاء التجانس المطلق عليها، و جعل المجتمع المغربي في النهاية صورة مطابقة لمخططات السلطة، في خدمة حاجاتها و اختياراتها المبدئية، وقد تمت المراهنة بوضوح على الهجرة الكثيفة نحو المدن لتذويب العناصر الإثنية المختلفة داخل التجمعات الحضرية، كما اعتبر التعليم و الإعلام مؤسستين لتحويل الهوية و صنع هوية بديلة هي هوية الدولة.
يفسر هذا من جهة أخرى التغييب الكلي للأمازيغية من الوثيقة الدستوريةالمغربية، و عدم استحضارها في أي تعديل من التعديلات السابقة، طالما أن موضوع الإصلاح الدستوري ظل مجال تفاوض و توافق محتكر من قبل الثنائي: القصرـ أحزاب الحركة الوطنية.
و بهذا تم استبعاد أية إمكانية لمساهمة الأمازيغية من داخل المؤسسات و في المجتمع، في مشروع التحديث، و ذلك بسبب ما تحمله من قيم التعدد و الإختلاف و الحرية و التسيير الديمقراطي الجماعي الذي قامت على أساسه التنظيمات القبلية الأمازيغية، في مقابل العروبة و الإسلام، الإيديولوجيا التي تمنح السلطة عكس ذلك إمكانية بناء شرعيتها على أساس التقليد الإستبدادي الذي ترسخ عبر قرون من التاريخ الإسلامي الرسمي للمغرب و المشرق.

المطالب الأمازيغية في الدستور:
انطلاقا من الإعتبارات السابقة تبين للفاعلين الأمازيغيين بأن الأمازيغية لا يمكن أن تحظى بمكان داخل المؤسسات الرسمية بدون اعتراف سياسي مجسد في الوثيقة الدستورية، و إذا كان هذا المطلب قد تم التعبير عنه بشكل خجول في ميثاق أكادير1991، فإنه قد اكتسى فيما بعد صيغا أكثر وضوحا و قوة في وثائق الحركة الأمازيغية التي صدرت ما بين 1996 و 2004، و كذا في الرسالة التي بعث بها المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى الملك محمد السادس في شهر أبريل 2006. فمن مذكرة الجمعيات الأمازيغية إلى القصر الملكي، إلى البيان الأمازيغي مارس 2000، مرورا بميثاق المطالب الأمازيغية في الدستور، و انتهاء برسالة المعهد الملكي، تطورت مطالب الأمازيغيين المقترحة للإصلاح الدستوري لتتحدد في أهم عناصرها فيما يلي:
ـ ضرورة التنصيص في ذيباجة الدستورعلى البعد الأمازيغي للهوية المغربية، و على الإنتماء الشمال إفريقي للمغرب، واعتماد تسمية المغرب الكبير بدل "المغرب العربي" الإختزالية.
ـ إعطاء اللغة الأمازيغية وضعية اللغة الرسمية.
ـ توسيع نطاق الحريات و اعتبار العهود و المواثيق الدولية أسمى من القوانين الوطنية.
ـ إضفاء الإنسجام على الوثيقة الدستورية بإعادة النظر في الفصل 19 (الفصل الذي يعطي الملك سلطات دينية مطلقة تعلو فوق القوانين المدنية المسطرة في الفصول الأخرى من الدستور)، و إعطاء الصلاحيات الكاملة للمؤسسات الدستورية، ووضع الأسس القانونية للفصل بين الدين و الدولة.
ـ توسيع صلاحيات الجهات بانتهاج سياسة جهوية تعطي الحق لكل جهة في الإستفادة من خيراتها الطبيعية و من طاقاتها البشرية. و يتخذ هذا المطلب لدى بعض التيارات داخل الحركة طابع المطالبة بالدولة الفدرالية.
غير أن هذه المطالب المعلنة من طرف الحركة الأمازيغية تقتضي تحركا تعبويا يبتدئ بوضع أرضية وطنية موحدة، و إشاعتها عبر التجمعات الخطابية و المناشير و اللقاءات التحسيسية ووسائل الإعلام، و كذا الإتصال بالقوى السياسية الحليفة للتنسيق معها، خاصة بعد تنظيم انتخابات السابع من شتنبر الأخير بدون أي تعديل دستوري، مما شكّل نكسة للحياة السياسية المغربية، و أشاع مناخا من الخيبة و ساهم بشكل كبير في عزوف المواطنين عن صناديق الإقتراع التي لا تغير أي شيء في أوضاع البلاد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟


.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د




.. مطالبات بايدن بالتراجع ليست الأولى.. 3 رؤساء سابقين اختاروا


.. أوربان يثير قلق الغرب.. الاتحاد الأوروبي في -عُهدة صديق روسي




.. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. فرنسا لسيناريو غير مسب