الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي

عن الطائفية وأسرار يغآل ألون!

هشام نفاع

2007 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية

هذه الدولة لم تبتعد أبدًا عن النهج الاستعماري المتمثّل بـ فرّق تسُد – طائفيًا
عـن الطائفـيـة وأسـرار يغـآل ألــون!

لم يبدأ الحلم المرضيّ الاسرائيلي بتغيير "وجه الشرق الآوسط"، في عدوان 2006 الفاشل على لبنان. ولا تعود بداياته فقط الى عدوان اسرائيل على لبنان وعلى المقاومة الفلسطينية عام 1982. كالمذكور، يومها أيضًا ظنّ مهاويس الحكم الاسرائيلي، وفي مقدمتهم الجنرال المنفلت أريئيل شارون، أن بمقدورهم إعادة صياغة خارطة المنطقة بالدبابات والقذائف.
اللافت في جميع المحاولات أنها أرادت دومًا الاعتماد على، واعتماد نفس التكتيك الاستعماري القديم: تفتيت المشرق العربي طائفيًا، "لتغييره".. هكذا جرى عام 1982، حين أرادوا تصفية القضية الفلسطينية عبر تأجيج التقاطب الطائفي في لبنان وربط بعض "زعماء طوائف" بنظامهم كمقاولي حرب ثانويين، لا بل تعيين حاكم للبنان. والأمر نفسه حين حاولوا قبل عام واحد ركوب موجة التقسيم الجديدة القائمة على اختلاق "بعبع شيعي" لترجيح الكفّة لصالح نواياهم.
ومن خلال وثائق يُكشف عنها للمرة الأولى يتبيّن مجددًا ما بات معروفًا: إن هذه الدولة لم تبتعد أبدًا عن النهج الاستعماري المتمثّل بـ "فرّق تسُد" – طائفيًا، في حالتنا. ففي أواخر السبعينيات بُعيد انتهاء حياته السياسية أدلى العسكري والسياسي يغآل ألون بسلسلة مقابلات لمؤرّخ إسرائيلي شاب، ظلّت قيد السريّة ولم تسمح الرقابة العسكرية بالكشف عنها (جزئيًا) سوى مؤخرًا. وهي تصل الى حوالي ألف صفحة ولا يزال بعضها ممنوعًا عن الجمهور، وقد نشرت "يديعوت أحرونوت" استعراضًا واسعًا لها قبل نحو شهر.
كان ألون إحدى الشخصيات المركزية في الحركة الصهيونية وفي مكمّلتها، المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة لاحقًا. تولى قيادة عصابة "هبلماح" (كتائب السّحق) وقاد باعترافه جرائم تهجير واسعة، كان مرشحًا لتولي وزارة "الآمن"، وترأس عددًا من الوزارات أبرزها وزارة الخارجية. في هذه المقابلات يتحدث عن كثير من القضايا، التي ربما يتم تناولها لاحقًا. ولكن فيما يلي سيتم التركيز على "نظريته" لتغيير الشرق الأوسط.
مما قاله ألون: "هناك اربع أقليات أشغلت أفكاري طيلة الوقت، حتى قبل ان أصبح وزيرًا للخارجية: الأكراد في العراق، الدروز في سوريا، المسيحيون في لبنان" وأيضًا، الرجاء الانتباه: "القبائل الأفريقية في جنوب السودان". ويتبيّن مما صرّح به أنه كانت لديه خطة ضخمة "لمساعدة الدروز على إقامة دولة مستقلة تفصل بين سوريا وبين دولة اسرائيل". وهو يصف حالته الاستحواذية بشأن هذه المؤامرة بكلماته التالية: "لقد كان هذا بمثابة جنوني الخاص". ولم يختلف الأمر بالنسبة لتفكيره التآمري بشأن لبنان، حيث أراد إقامة دولة طائفية مسيحية. وقد قال: "كانت نصيحتي (للحكومة) بأن نلقي على الموساد هذه المهمة مباشرة". واقترح "إرسال بعثة دائمة من المستشاريين للشؤون التكتيكية، المدفعية والاتصالات والتفجيرات لمساعدتهم على اقامة هيئة عمليات وتدريبهم".
إن خطط ألون ليست نموذجًا بحد ذاتها بقدر ما تشكل مثالا صارخًا على فكر استعماري نموذجي حملته الحركة الصهيونية والمؤسسة الحاكمة في اسرائيل. فتبرير وجود اسرائيل"اليهودية" كان بحاجة دائمًا الى اختلاق نماذج دينية/طائفية مشابهة، ومن هنا نفهم لماذا تدلّت ألسُن حكام اسرائيل وتقطّر اللعاب منها مع اطلاق خطة التفتيت الامريكية الجديدة للشرق الآوسط تحت عنوان "سنة ضد شيعة" هذه المرة. وأقترحْ هنا أيضًا التفكير والدراسة والبحث مجددًا لفهم ما يُحاك ويجري في دارفور السودان. فلن يكون منافيًا للعقل البحث وفق فرضية وجود أصابع أجنبية تعبث هناك وتؤجج وتشعل الأحقاد. خصوصًا مع تزايد التقارير عن مخزون جديّ من الثروات الطبيعية هناك، احدها النفط.
لتوضيح السياق الاستعماري الأوسع، من المفيد استعادة عدد "الدول" (الدويلات) التي اقامها الاستعمار الفرنسي في الشام، كما أورد ذلك المؤرخ والقائد الشيوعي الراحل اميل توما تحت عنوان " "الطائفية أداة الامبريالية والرجعية"، في كتابه "الحركات الاجتماعية في الاسلام".
فقد تولى ما يسمى بـ المفوض السامي الفرنسي تأسيس الدويلة تلو الآخرى، أو لنقلها بوقاحة: الدويلة في طيز الأخرى.. وهكذا أعلن عن إقامة "دولة حلب"، ثم "دولة العلويين"، ثم "دولة جبل الدروز"، وكل هذا وفقًا لسياسة التفتيت نفسها. وبالطبع، فلم يُفشل هذه المحاولات/المؤامرات سوى الحس والوعي الوطنيين والممارسة المقاوِمة بموجب بوصلتهما، كما جاء، على سبيل المثال، في البيان الأول لقائد الثورة السورية سلطان الآطرش، في 23 أب 1925:
"ايها العرب.. تذكروا اجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي.. لقد نهب المستعمرون أموالنا واستأثروا بمنافع بلادنا وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد وقسمونا الى طوائف ودويلات وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير وحرية السفر حتى في بلادنا وأقاليمنا".
يبدو أن الدرس التاريخي من هذه الكلمات الواضحة عصيّ على عقول "المعتدلين" العرب اليوم. وأريد أن أخصّ بالذكر، لبنانيًا، هنا، كلاً من: وليد بيك جنبلاط وسعد بيك حريري وسمير بيك جعجع! خصوصًا أن هناك أنباء صحفية ترشح بخصوص محاولات لا تزال في الكتمان لإحياء مخطط الدويلات في لبنان.
ربما ان التلخيص الأفضل لهذه الهموم هو ما جاء في كتاب المفكر الشيوعي اللبناني كريم مروة بعنوان "المقاومة". فقد كتب عن العلاقة بين الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 وبين مؤامرات تمرير مخططات التفتيت الطائفي، ما يلي:
"إن الاجتياح الاسرائيلي، في الآساس، وكل أشكال العدوان السابقة على الاجتياح التي مارستها اسرائيل ضد لبنان، كانت جميعها جزءًا من الصراع الداخلي بين اتجاهين: إتجاه وطني عربي ديمقراطي وإتجاه فاشي طائفي إنعزالي. ولكن الاجتياح شكّل، في اختيار توقيته، وفي حجمه، وفي الأهداف التي وضعها أمامه، وفي الأدوات التي استند اليها في الداخل، تطويرًا عاصفًا للصراع الدائر في الحرب الأهلية بين هذين الاتجاهين من أجل فرض الغلبة للاتجاه الفاشي الانعزالي وإنهاء الحرب الآهلية على أساس وضع اليد على لبنان والتحكم بشكل نهائي بمصيره وتطوره. فالاجتياح إذًا دخل الحرب الاهلية كجزء لا يتجزأ منها. وكان لا بد أن يكون القتال ضد هذا الاجتياح، وأن تكون المقاومة ضد الاحتلال الذي نتج عنه، جزءًا لا يتجزأ ايضًا من هذه الحرب".
من المثير، والمهم، والمُثري، التفكير بهذه الكلمات وعبرتها التاريخية ومغزاها السياسي، حين تتجه الأفكار بنا الى العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 بتوقيته وظروفه ونواياه، وبشكل مركّب ما، الى العدوان الأمريكي المتواصل على العراق، لا بل على مجمل الاجتياح الهمجي الامبريالي الأمريكي للمشرق العربي بالاعتماد على شتى العكاكيز، الاسرائيلية منها والعربية الرسمية الخانعة. وليتذكر الجميع دومًا كيف أن قادة الصهيونية، وما يمثلونه من مصالح استعمارية، كانوا ولا يزالون يفكرون "بجنون"، كما قال يغآل ألون، في اليوم الذي سينجحون فيه بتفتيت هذه المنطقة الى كيانات طائفية. فليتذكر الجميع ذلك، سواء حيال الطائفيات المدوّلة المخططة ببراعة لخدمة مشاريع هيمنة سياسية كبرى، أو حيال طائفيات محلية ضيّقة مخططة لخدمة مشاريع أصغر، لكنها لا تقل عن الآولى خطورة وحقارة. بالضبط مثلما لا تختلف جميع الطائفيات عن بعضها، في الخطورة وفي الحقارة أيضًا..
تُبًا لحالنا، أما آن الأوان كي نعتبر، بينما كلّ التاريخ مشرّع أمامنا؟! وليفتح الجميع ضميره لهذا السؤال القاسي!

التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي

اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا

.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟

.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن

.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة

.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله

الحوار المتمدن - موبايل الموقع الرئيسي (adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({}); عن الطائفية وأسرار يغآل ألون!

هشام نفاع

الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي

عن الطائفية وأسرار يغآل ألون!