الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعل يستطيب القرابين الجديدة

ابراهيم حجازين

2007 / 10 / 29
الادب والفن


في الصباح يستوي بعل على عرشه في الأعالي هناك على قمة جبله .وذات صباح نظر بعل إلى عبيده ورعاياه وصنائعه التي جعلها على صورته ..فتذكر بعل عبده وصنيعته الذي أحبه كثيرا "أماكيدو" وقال في نفسه : لعل عبدي "أماكيدو" يقدر ما فعلته له .
في ذلك الصباح خرج "أماكيدو" وأسرته إلى حقله . وكان يتقدمهم وإلى يمينه في الخلف ولده "قارحو" ذو الثلاثة عشر عاما ، ومن خلفهم الأم "مناة" ومن ثم "ملجات" ابنتها البكر وبقية أخواتها ، وفي ذيل الجماعة وخلفهم جميعا كانت "سمس" ابنة "ملجات" تركض متعثرة في خطواتها .كان "أماكيدو" يلتفت بين الفينة والأخرى إلى الوراء ليحدث "قارحو" بشأن العمل في الحقل ، والذي بدوره يكرر ما يسمع من التعليمات إلى أمه وأخواته دون أن يلتفت إليهم .
اتجه "أماكيدو" مباشرة لتفقد نبتات البندورة في حقله .كان الإنتاج وفيرا . نظر إلى حقله فإذا أحد بيوت البندورة يشتعل بنار غريبة دون أن يحترق ، اقترب "أماكيدو" من النبتة ليتحقق من الأمر ، فسمع صوتا عميقا يقول : "لا تنظر إلي لأن من يراني موتا يموت" ، فوقع "أماكيدو" أرضا وكاد أن يغشى عليه ، واستطرد الصوت قائلا : "انظر إلى جبلي هناك في الأعالي فكأنك تراني ..أنا بعل الذي صنعك على صورته ورزقك كل ما تملك الآن فقد أعطيتك هذه الحقول والمراعي التي تسرح فيها خرافك . وأعطيتك زوجا قانعا مطيعا لا يخالف رأيا لك ، ورزقتك سبع بنات "ملجات" وأخواتها اللائي يجمعن ثمار حقلك ويرعين قطعانك ويحلبن أنعامك ويصنعن من حليبهن الجبن واللبن ويعصرن الزيتون ويقطفن العسل ويصنعن من كروم العنب خمرتك ، كما وهبتك ابنك الوحيد "قارحو" ، أنا أسمع صلاتك في الصباح لأنك تصلي وتدعو بصوتك العالي حيث تباركني وتشكرني على نعمي". تمهل بعل قليلا ثم أردف بصوت عميق وعال كالرعد :" فهل أنت تمجد وتقدر ما فعلته لك فعلا "؟ أجاب "أماكيدو" بسرعة وهو يرتجف : "نعم أيها البعل" .
فقال البعل: "إذا غدوت باكرا أصعد بابنك "قارحو" إلى جبلي ذاك الذي تنظر إليه ، هناك ستجد مذبحا ومحرقا ، قدم لي "قارحو" قربان تقربا وتعبدا وشكرا . واحرص أن تمزج دمه بخمرة معتقة من خمرتك تلك التي صنعتها ابنتك "ملجات" .وبعد أن قال البعل هذا اختفت النار من بيت البندورة دون أن يحترق ذلك البيت . وبقي "أماكيدو" وحده مغتما وخائفا ومغرقا في التفكير .
انطلق "أماكيدو" باحثا عن زوجه ، وحينما وجدها أخذها إلى مكان ليس مرتفعا ولا توجد فيه نباتات حرصا على ألاّ يسمعه البعل ، واخبرها بما حدث وقال :"إنه لن يضحي بوحيده "قارحو" مهما كانت النتائج" ، أطرقت الأم قليلا ، ثم سألته : "ألن يغضب البعل ويأخذ كل ما أعطانا إياه" ؟ فقال "أماكيدو" : "سأجهد أن لا يغضب وسأقدم له قربان لن يرفضه" . فقالت الأم عندئذ : "افعل كما تشاء يا بعلي.فأنت أدرى بما يجب أن يفعل" .
في الصباح الباكر أصعد "أماكيدو" ابنه "قارحو" و"ملجات" وبقية أخواتها إلى جبل البعل، وتبعتهم "مناة" من بعيد مرتجفة ومترددة وبقيت تنتظرهم أسفل الجبل أما الصغيرة "سمس" فكانت تركض لاهثة وراءها .
توقف "أماكيدو" أمام مذبح البعل وهيأ الحطب على المذبح ووضع آنية الخمر أسفل المذبح لمزجه مع دماء الضحية كما طلب منه بعل أن يفعل، ونادى "قارحو" الذي اقترب من والده بثقة واقتربن بقية الأخوات من الوالد ،كانت "ملجات" تقف وتنظر مشدوهة بما يفعله والدها . حمل "أماكيدو" "قارحو" وأوثقه على المذبح وهيأ سكينه وجهز الحطب لإشعال النار بعد نحر الضحية . نظر "أماكيدو" يمنة ويسرة عله يرى كبشا قد أرسله البعل للتضحية به بدلا من ولده "قارحو" إلا أنه لم ير شيئا ، وكان هذا آخر أمل له قبل القيام بخطوته اللاحقة .
في غفلة من الجميع فك "أماكيدو" وثاق "قارحو" وبسرعة رفع ابنته "ملجات" ووضعها مكان "قارحو" على المذبح . في البداية نظرت "ملجات" إلى أبيها بارتباك قبل أن تفهم ماذا يحصل ثم سيطر عليها الهلع ممزوجا بالارتجاف وفكرت بطفلتها الصغيرة "سمس" . وسمعت والدها وهو يقول : لا يسعني أن أضحي بولدي الوحيد . وتساءل أيضا بصوت خافت كأنه يكلم نفسه : من سيرثني ؟ ومن سيحمل اسمي من بعدي ؟ سمعت "ملجات" كل ذلك ولم تستطع الإجابة ، كانت نظرات "أماكيدو" تلجمها عن الكلام والصراخ والاحتجاج وكانت كافية لتدفعها إلى الاستسلام والهدوء كما عودها والدها عندما يهم بفعل أمر ما . إلا أن ألما شديدا انفجر في صدرها وصل حتى قمة رأسها ودمعة حارة سالت على وجنتها ولم يكن هناك من معز لها سوى خوفها ، كانت أخواتها واقفات ينظرن دون تعابير على وجوههن ...كن فقط واقفات هناك يراقبن والدهن كأنه القدر يفعل فعله.
استل "أماكيدو" سكينه ونحر "ملجات" ابنته وانتظر إلى أن سالت دماؤها وامتزجت بالخمرة اسفل المذبح ثم أشعل النار ..... تصاعدت رائحة الشواء إلى الأعالي ، وما هي إلا لحظات حتى هبت ريح أتت على القربان وآنية الدماء الممزوجة بالخمر .
سمع الجميع صوت البعل عميقا يقول : "غافلتني أيها الفلاح وقدمت لي قربان لم أطلبه لكني استطيبته أكثر من كل القرابين التي تذوقتها حتى الآن ، أنا أعفو عنك وأعلم الجميع بأن كل القرابين التي ستقدم لي من الآن فصاعدا يجب أن تكون مثل ذبيحة عبدي "أماكيدو" الذي احب .
شعر "أماكيدو" بالارتياح بعد سماع قول بعل ، رغم أنه كان يتوقع قبول بعل بالقربان والفرح به . فنزل هو و"قارحو" والبقية من أعلى الجبل، "أماكيدو" في الأمام ومن خلفه "قارحو" ثم اقتفتهما بقية الأخوات ولكن دون "ملجات" .. أما الأم مناة التي كانت تنتظر في أسفل الجبل فقد أحست بالفرح لدى رؤيتها وحيدها "قارحو" حيا ، اقترب منها "أماكيدو" وقال بصوت سمعه الجميع : "من الآن فصاعدا فلتحضر ابنة "ملجات" للعمل... لا يصح أن يأكل أحد دون أن يعمل ، ثم استطرد بصوت خافت سمعته الأم جيدا : يجب ألأّ تنقصنا الأيدي العاملة ، وستحل الطفلة مكان امها.
وكان "قارحو" يرى ويسمع ويحفظ كل هذا في قلبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم