الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى (86) لوعد بلفور الصهيونية صنيعه الانحطاط الأخلاقي للإمبريالية

نايف حواتمة

2003 / 11 / 4
القضية الفلسطينية


الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

دأبت الحركة الصهيونية على تقديم نفسها في ادبياتها " كحركة تحرر للشعب اليهودي" تزويراً للحقائق التاريخية الثابتة، ولم يكن لهذه الحركة العنصرية أن تحقق أهدافها وتنقلها من المجرد النظري إلى واقع التطبيق العملي دون دعم واسع من القوى الإمبريالية، وكانت تقف على رأسها آنذاك بريطانيا العظمى التي وفرت دعما بدون حدود للحركة الصهيونية من على أرضية التوافق معها في أغراضهما الاستعمارية، ورغم مرور مائة عام على تأسيس الحركة الصهيونية الأوروبية الغربية بمدينة بال السويسرية في العام 1897 لم تستطع أيديولوجيتها أن تمتلك المشروعية ولن تستطيع، لأنها بحديثها عن وجود أمة يهودية أزلية وعضوية قافزة عن حقائق التاريخ والجغرافيا أسست لوهم أيديولوجي تنطلق مقولاته من الميثولوجيا التوراتية، وهذا ما أنتج وعيا دوغمائيا زائفا  قادهم وبالضرورة في سياق تبريرهم ودفاعهم عن منظومتهم الفكرية هذه إلى تزوير تاريخي مس جوهر حقائق قطعية الثبوت، وهذا يؤكده ما قاله حاييم وايزمن في محاضرة ألقاها في العام 1914 بباريس : ( في هذه المراحل الأولية صاغ الرواد الصهيونية كحركة متوقفة على العوامل الآتية: هناك بلاد اتضح أن اسمها فلسطين، بلاد بلا شعب، ومن ناحية أخرى هناك الشعب اليهودي الذي لا بلاد له)، ولعله في هذا السياق يبدو مفهوما أن يتجاهل الكتاب اليوبيلي الذي نشرته وزارة التربية ( الإسرائيلية) في 14/5/1998 بمناسبة الذكرى الخمسين لقيام دولة (إسرائيل) أي إشارة إلى وجود الشعب الفلسطيني، أو قرار التقسيم 1947 الذي نص على قيام دولتين يهودية وعربية،  كل هذا التزوير في سياق الإدعاء " بحق توراتي" لهم في فلسطين، لم يكن باستطاعتهم الخروج من حقائق التاريخ والجغرافيا فكان أن أخرجوها من رؤوسهم.وهو ما عبر عنه كارل ماركس في رده على بوير: ( بعد أن تحول التاريخ فترة طويلة من الزمن إلى خرافة نحن نحول الخرافة إلى تاريخ) كتاب المسألة اليهودية .
 مع وعد بلفور 2 تشرين الثاني 1917أخذت المشاريع الصهيونية طريقها نحو التنفيذ العملي، وهذا ما فتح المجال أمام تكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين لتبدأ معها محنة شعبنا التي ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا دون حل يمتلك أدنى مقومات التوازن والمعقولية، ومثل هذا الوعد الاستعماري مِنْ مَنْ لا يملك لمَنْ لا يستحق منتهى الانحطاط الأخلاقي للاستعمار الرأسمالي الأوروبي ـ الأمريكي، الذي لا يقيم وزناً للمسؤولية الأخلاقية في معياره القيمي الأخلاقي المشوه، وهو ما جلب الويلات على كل شعوب العالم، ولم تسلم منه أوروبا نفسها إذ أزهقت فيها الحروب بين دولها الاستعمارية آنذاك أرواح عشرات الملاين من البشر.
لقد رأت الدول الاستعمارية في احتلال فلسطين وتهويدها المدخل الأنسب لتقويض أسس احتمال قيام  نهضة عربية تلغي امتيازاتها وتهدد مصالحها الاستعمارية في نهب ثروات وخيرات شعوب المنطقة، ولقد بدأت هذه المخططات تتصاعد في العام 1831 إذ رأوا في الانتصارات التي حققتها جيوش شعب مصر بزعامة محمد علي الكبير في بلاد الشام والجزيرة العربية خطرا داهما قد يؤدي إلى قيام دولة مشرقية قوية تقلب المعادلات في المنطقة بشكل جذري  وتعطل خططهم في وراثة الدولة العثمانية المريضة، التي شكل استعمارها الإقطاعي المتخلف تحت شعار "الخلافة وتسييس الدين"  لمنطقتنا العربية سداً استبدادياً آخر منذ "هزيمة العقل وغلبة النقل تحت عباءة الخلافة العباسية الإقطاعية"، منع التطور الاجتماعي الإنساني، لشعوبنا، وحقها في دخول عالم التقدم والدمقرطة والتقنية والحداثة، وخرجت شعوبنا من مظالم الاحتلال الإقطاعي العثماني لتدخل في أسر الاحتلال الاستعماري الأوروبي.  لقد زورت حكومة التاج البريطاني الاستعمارية إرادة المجتمع الدولي الذي أوكل لها بقرار من عصبة الأمم الانتداب على فلسطين في نيسان/ أبريل 1922، وأخذت تشجع الهجرة اليهودية حتى أصبحت المستعمرات الاستيطانية الإحلالية العسكرية اليهودية تشكل دولة داخل الدولة، ولقد ارتفع عدد اليهود منذ العام 1922 حتى العام 1946 من (84000) فقط إلى (608000 )، أي تضاعف تسع مرات.
لقد وقف الشعب الفلسطيني في مواجهة الهجمة التوسعية الصهيونية فكانت ثوراته المتعاقبة 1920- 1921 ثورة يافا، 1929ثورة البراق، 1936- 1939 الثورة الفلسطينية الكبرى والإضراب الكبير, لكن الاختلال النوعي في موازين القوى مع الحركة الصهيونية المسلحة المدعومة من الاحتلال البريطاني، وتخلف القيادة الإقطاعية الفلسطينية مرفقا بتواطؤ القيادات الإقطاعية والقبلية العربية الحاكمة منع هذه الثورات رغم تضحياتها الكبيرة من تحقيق أهدافها،  وأفشلت حكومة الانتداب أية حلول تحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه في أرضه والسيادة عليها، وهو ما دفع نحو ذلك الحل الظالم الذي شرعته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 181 الذي قررت بموجبه إنشاء دولتين يهودية وفلسطينية على أرض فلسطين الانتدابية وكان ذلك في 29 تشرين الثاني 1947، ورغم إجحاف هذا القرار بحق الشعب الفلسطيني فلم يأخذ مكانه إلى حيز التنفيذ كاملاً . فلقد نفذ من هذا القرار الشق المتعلق  بـ " إسرائيل "، وعطلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بدعم واسع من القوى الاستعمارية الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية قيام دولة فلسطينية مستقلة، ووقفت الدول الاستعمارية الإمبريالية على الدوام ضد حقوق الشعب الفلسطيني في العودة كما يقرها القرار الدولي 194 وحق تقرير المصير والاستقلال الوطني.
ومنذ مؤتمر مدريد (أكتوبر 1991) رأت الولايات المتحدة الأمريكية في انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أعطاها موقع القوة الأعظم بلا منازع فرصة لفرض مفهومها الخاص لحل النزاع الفلسطيني" الإسرائيلي" ، والعربي "الإسرائيلي"، بعيدا عن أسس الحل الشامل والمتوازن (كتاب حواتمه: "أوسلو والسلام الشامل المتوازن" ، وكتاب "أبعد من أوسلو … فلسطين إلى أين ؟"، وهو ما مكن "إسرائيل" من تعطيل عملية التسوية التي انطلقت في أوسلو ودفعها نحو الانهيار في كامب ديفيد وطابا العام2000، لأنها قامت على مرجعية اتفاق فريقي أوسلو بدلاً من مرجعية قرارات وإشراف الأمم المتحدة، وبقيت في سياق سلسة غير متناهية من المفاوضات التفصيلية والجزئية الانتقالية ترزح تحت السعي" الإسرائيلي" لانتزاع  المزيد من التنازلات الفلسطينية والمقاربة مع الرؤية "الإسرائيلية" للحل المدعومة أمريكيا.
إنها المفارقة التاريخية المتناقضة، "إسرائيل" تقوم على أساس قرار الأمم المتحدة بالتقسيم 1947، و"إسرائيل" بدعم من الإدارات الأمريكية ترفض وتدمر الشطر الآخر من قرار الأمم المتحدة بالتقسيم وإقامة دولة فلسطين منذ قيامها عام 1948 حتى حكومة شارون في يوم الناس هذا عام 2003.
إن المقاومة المشهود بها لشعبنا الفلسطيني في مواجهة الصهيونية و" إسرائيل"  بدأت تُصَدع التماسك الظاهري للأفكار الصهيونية ودعاتها الذين باتوا غير قادرين في الدفاع عنها، وقاعدتها التحتية على الأرض، فأبراهام بورغ  رئيس الكنيست السابق نعى الصهيونية في مقاله الشهير( إسرائيل على أبواب نهاية الحلم الصهيوني)، ولا يقل مرارة عن ذلك ما أعلنه بنفنستي في صرخة مدوية ( الثورة الصهيونية انتهت أنسوها)، مع إدراكنا بأن هذا لا يمكن التأسيس عليه حتى الآن لأنهم لا يصلون إلى الخلاصة المطلوبة بضرورة التسليم بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، شرط أي تسوية سياسية للصراع قابلة للحياة. إن تسوية دائمة للصراع يحققها فقط سلام شامل ومتوازن يقوم على أساس الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وقيام دولة فلسطينية غير منقوصة السيادة وعاصمتها القدس العربية المحتلة، وحل مشكلة شعبنا اللاجئ حسب القرار الدولي 194. بدون هذا سيبقى الصراع مفتوحا ، وستبقى المنطقة تدور في مسلسل العنف الذي يتوالد حلقات أكثر عنفا ومأساوية.
زوال طابع الاحتلال الاستعماري التوسعي عن دولة " إسرائيل " هو شرط لازم لخلق واقع جديد يبعث الأمل لشعوب المنطقة، ويخلص الإسرائيليين من عنصريتهم التي هي أحد تجليات الفكر الصهيوني بعد أن أصبحوا من ضحاياها، ويعيد لهم إنسانيتهم التي ألقوا بها خلف ظهورهم منذ أن قرروا احتلال فلسطين وتشريد أهلها الشرعيين. 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في فرنسا : هل يمكن الحديث عن هزيمة للتج


.. فرنسا : من سيحكم وكيف ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. سائل غامض أخضر اللون ينتشر على أرضية مطار بأمريكا.. ما هو وم


.. فشل نظام الإنذار العسكري.. فضيحة تهز أركان الأمن الإسرائيلي




.. مقتل وإصابة العشرات من جراء قصف روسي على عدة مدن أوكرانية عل