الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخطط تفتيت الأمة

عبد المجيد راشد

2007 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


" ماذا بعد قرار الكونجرس الأمريكى بتقسيم العراق "

قسمت " سايكس بيكو " الأمة و جزأتها . و الأن الأمة أمام مشروع الشرق الأوسط الكبير / الواسع / الجديد ، أمام خارطة جديدة تقسم المقسم و تجزىء المجزأ .
فى يونيو من العام الفائت نشرت المجلة العسكرية الأمريكية المتخصصة "أرمد فورسز جورنال" خارطة جديدة للشرق الأوسط، وضعها الجنرال المتقاعد رالف بيترز، وقسّم فيها المنطقة إلى دول سنية وشيعية وكردية، إضافة إلى دولة اسلامية تضم الأماكن المقدسة مستقلة عن دولة السعودية، ومملكة الأردن الكبرى ودويلات أخرى. وعلى حد زعم الجنرال الأمريكي فإن تقسيم المنطقة على أساس الطوائف والاثنيات بحيث تعيش كل طائفة أو قومية منفصلة عن الطوائف والقوميات الأخرى في دولة سياسية مستقلة، من شأنه أن ينهي العنف في هذه المنطقة.
وقال الجنرال بيترز، في تقريره الذي نشره مع الخارطة في عدد المجلة العسكرية الشهرية " أرمد فورسز جورنال" (armed forces journal ) فى شهر يونيو 2006، والذي عنونه بـ"حدود الدم"، إن الولايات المتحدة المتحدة الأمريكية "أضاعت فرصة ثمينة لأنها لم تقدم على تقسيم العراق إلى دول بعد سقوط النظام السابق حيث كان من الممكن مثلا إعلان قيام الدولة الكردية وجميع الأكراد يطالبون بذلك وتجميع الأكراد من إيران وسوريا وتركيا في هذه الدولة". الان، وبعد ان تبنى الكونغرس الامريكي مشروع قرار، قدمه السناتور الديمقراطي الصهيوني رسميا جوزيف بادن Joseph Biden، المرشح لانتخابات الرئاسة لعام 2008، باغلبية كبيرة جدا، اصبح مؤكدا، وبلا ادنى شك، ان خطوات تقسيم العراق العملية الاخيرة قد ابتدأت. ورغم ان الدستور الامريكي لا يجعل هذا القرار ملزما للادارة الامريكية الا ان تقاليد العمل في القضايا الخطيرة تفرض إعدادها على نار هادئة لتمهيد الطريق لتنفيذ القرار. ولعل اهم مؤشر خطير قدمه تبني القرار هو التبرير الذي الذي ساقه الكونغرس لتسويق فكرة تقسيم العراق الى ثلاثة دول (كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب) وهو القول بان التقسيم هو الحل الوحيد لوضع حد لأعمال العنف التي تضرب البلاد.

وحث مقدم المشروع السناتور بادن، عند محاولته اقناع الكونغرس به، على اعتبار ان التقسيم هو المفتاح السياسي لانسحاب القوات الأمريكية قبل الوصول إلى الفوضى. وأعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، المؤيدين لاستراتيجية إرسال تعزيزات إلى العراق ولكن ينددون بالمأزق السياسي بين الزعماء العراقيين على الأرض، عن اهتمامهم بهذه الخطة.

وقال السناتور الجمهوري سام براونباك، المرشح أيضًا للانتخابات الرئاسية المقبلة وأحد الموقعين الـ 11 على مشروع القانون هذا : "نحن ندعم استراتيجية سياسية فاشلة في بغداد" وفق وكالة فرانس برس. وقالت الجمهورية كاي بايلاي هوتشينسون إن هذا القرار مستوحى من اتفاقات دايتون حول البوسنة التي أقرت التقسيم بين المتخاصمين الصرب والكروات والبوسنيين. وكان السفير الأمريكي في بغداد ريان كروكر قال في شهادته أمام الكونجرس هذا الشهر إنه يؤيد حكمًا ذاتيًا للمناطق العراقية، ولكنه اعترض على أي فكرة للتقسيم.

وتمت صياغة خطة التقسيم إلى ثلاث دول بمساعدة خبير سابق في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر هو " ليسلي غيلب " الذي كان مديرًا لمجلس العلاقات الخارجية. ولكن الخطة الجديدة هذه ليست سوى تنفيذ حرفي تقريبا لخطط اسرائيلية قديمة معروفة تطورت على نحو دقيق وادخلت غرفة التنفيذ في الثمانينيات حينما عرض عوديد ينون الكاتب الاسرائيلي خطة عنوانها (ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات)، نقلها من العبرية الى الانكليزية البروفسور اسرائيل شاهاك، 1982، واكدت بما لا يقبل الشك بان اسرائيل تعد تقسيم العراق هو المهمة الاساسية لان عراق صدام حسين (يشكل الخطر الاعظم على امن ومستقبل اسرائيل). ولاجل تنفيذ تقسيم العراق دعا ينون الى دعم جهود نظام خميني، الذي كان يشن حربا على العراق تحت الشعار الصهيوني المضلل (نشر الثورة الاسلامية)، لتقسيم العراق وتشجيع من اسماهم شيعة واكراد العراق على دعم التقسيم.

وثمة ملاحظة مهمة جدا في هذا السياق كما يرصدها المفكر العربى صلاح المختار، وهي صلة قرار الكونغرس بما اطلقت عليه كونداليزا رايس تسمية مهمة جدا وهي (الشرق الاوسط الجديد). وهنا يجب الانتباه لمسألة ربما تغيب عن بال البعض، رغم اهميتها القصوى، وهي الفرق بين مفهوم (الشرق الاوسط الجديد) ومفهوم (النظام الشرق اوسطي الجديد)، ان الخلط بين هذين الامرين يعرقل الفهم الدقيق لما يجري. ان مفهوم الشرق الاوسط الجديد يقوم على تحقيق هدف تفكيك الاقطار العربية الى كيانات مجهرية قزمة على اسس عرقية او طائفية او مصلحية اقليمية او محلية او طبقا لخطوط توزع الثروة، والغاء الكيانات الوطنية القطرية العربية الحالية، ثم البدء باعادة تركيب المنطقة على اسس لاصلة لها بالانتماء القومي للعرب بل قاعدتها المصالح الفئوية الضيقة، فتكون النتيجة هي كيانات متعددة ومتناقضة وهشة لا رابط بينها سوى المايسترو (أي الموجه) الامريكي، الذي يوحد بينها وفقا لمصالحه هو وليس مصالح الكيانات القزمة، لاجل تحويل المنطقة كلها الى مقر انطلاق الامبراطورية الامريكية.

ان عملية التفكيك، او التقسيم المنظم للاقطار العربية، هي المقدمة الضرورية لبروز وبناء شرق اوسط جديد مختلف كليا عما عهدناه وعشنا فيه، تكون فيه اسرائيل اكبر سكانيا من اغلب الكيانات العربية (ولا نقول الاقطار لانها ستكون قد قسمت)، وتنعدم فيه المصلحة المشتركة بين كياناته التي تنتمي لاصول عربية، في حين ان الكيانات غير العربية كاسرائيل وايران وتركيا ستكون موحدة وقوية وكبيرة! وهذا المطلب مهم جدا بالنسبة لامريكا لعدة اسباب منها :

1 – ان مصادر الطاقة الاهم والاكبر ستكون بيد امريكا بلا أي مشاكل، بعد تحويل اقليم النفط العربي من حالة الدول الى حالة الشركة الاستثمارية الكبرى وترحيل انظمة الحكم في الخليج والجزيرة العربية، بعد تقسيم السعودية الى عدة دول، الى الخارج، وابقاء مكاتب رمزية للدول وملوكها وامرائها. ان هذا التحويل الستراتيجي لطبيعة المنطقة من منطقة دول الى منطقة استثمار متخصصة، تفرضه صراعات اقامة نظام عالمي جديد بزعامة امريكا المنفردة للعالم.

2 – ان تغييب الامة العربية وتذويب هويتها القومية هو القاعدة الارتكازية لنجاح امريكا في المنطقة كلها، مادام النفط عربيا بالدرجة الاولى ومادامت اسرائيل هي توأم النفط في المصالح الغربية الاستعمارية، والتي يقوم مشروعها الصهيوني على الارض العربية وليس على الارض الايرانية.

3 – ان وجود عرب، متناثرين في دول قزمة وشكلية، في منطقة توجد فيها ثلاثة دول كبرى وهي اسرائيل وايران وتركيا سيسمح بضمان تغييب العرب لعقود، ولربما لقرون من الزمن، ويساعد على قيام اسرائيل بتثبيت وجودها وزعامتها الاقليمية بالتعاون مع تركيا وايران، وهذا الوضع هو الوضع الانموذجي، بالنسبة للاستعمار الامريكي.

بعد تفكيك الاقطار العربية، واكمال ترتيب اوضاعها كنثار مجهري هامشي الدور سياسيا، يأتي دور التركيب، والتركيب في هذه الحالة ليس في اطار عربي بل في اطار اقليمي اجنبي الملامح والهوية، هو ما يسمى (النظام الشرق اوسطي الجديد)، والذي يجب ان يضم كيانات النثار العربي المهمش وتركيا واسرائيل وايران. لذلك فان الشرق الاوسط الجديد يقصد به تحويل الاقطار العربية الى كيانات هامشية بعد تقسيم الاقطار العربية واعاد رسم حدود الدول وتحديد جديد لدور الدول القزمة العربية الانتماء، اما النظام الشرق اوسطي الجديد فهو الاطار المنظم لتلك الكيانات والدول بعد اعادة تركيبها.

في ضوء هذه المقدمة التوضيحية فان تقسيم العراق يقع في قلب عملية التفكيك المنظم للاقطار العربية، بصفته القوة العربية المركزية الاقوى، ومن ثم فان التخلص منها هو المهمة الاساسية الممهدة لقيام شرق اوسط جديد. ان قرار الكونغرس الامريكي اتخذ في سياق الاعداد الجدي للشرق الاوسط الجديد وما سيعقبه من انشاء نظام شرق اوسطي جديد يحل محل الدول الحالية ومحل التنظيمات الاقليمية الحالية كالجامعة العربية .
http://rashd-karama.maktoobblog.com/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش