الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القارة الصفراء والعالم الجديد..

رحيم العراقي

2007 / 10 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يعمل جان بيير بوليه، مؤلف هذا الكتاب، أستاذا في جامعة نيس جنوب فرنسا. سبق له ونشر حول مسائل التنمية والجغرافيا البشرية والقارة الآسيوية من بينها «التنمية المستدامة» و«الجغرافيا المدنية» و«التجليات الذهنية للجغرافيا». يعيش في آسيا اليوم حوالي 60 بالمئة من مجموع سكان العالم، ويبلغ عدد سكان ما يُعرف ب«الشرق الأقصى» أكثر من ملياري نسمة من بينهم أكثر من مليار وثلاثمئة نسمة في الصين وحدها.
كما يدرس الأسباب العميقة الكامنة وراء ما يسمّى ب«المعجزة» الآسيوية والتي لا تزال تثير دهشة المراقبين بينما لا يزال بعضهم «ينتظر انفجار الفقاعة المالية» بينما يعلن البعض الآخر عن قلقهم حيال إمكانية اشكال الخلل الاجتماعي بل وإمكانية نشوب نزاعات داخلية أو إقليمية حادة في ظل وجود أوضاع «متنافرة» أحيانا إلى درجة كبيرة من حيث المستوى التنموي كما بين اليابان وكوريا الشمالية مثلا هذا بالإضافة إلى التنوع الكبير في الأنظمة السياسية القائمة.
تتوزع مواد هذا الكتاب بين ثلاثة أقسام رئيسية يحمل الأول عنوان «آسيا المدهشة» ويركز المؤلف فيه على وجود قطبين أساسيين للنفوذ في جنوب شرق آسيا هما اليابان والصين، كما يتساءل حول مستقبل المنطقة بصيغة سؤال يختاره كعنوان لأحد الفصول وهو: «هل ساقا آسيا من الفخار؟»... وهذا يقوده إلى دراسة البعدين الحضاري «الماضي» والتنموي «الحاضر».
ويدرس المؤلف في القسم الثاني الواقع السكاني والمدني في آسيا، أما القسم الثالث والأخير فإنه مكرّس تحديدا لمنطقة جنوب شرق آسيا باعتبارها مكانا للقاء بين تجارب وأنظمة متنوعة، ليبرالية وشيوعية، كبيرة وصغيرة. هذا مع تكريس اهتمام خاص لدراسة الحالة التايوانية في علاقتها مع الصين، وأيضا للعلاقة بين الكوريتين: الشمالية والجنوبية.
ومنذ البداية يؤكد المؤلف على غموض تعبير آسيا، ولكن أيضا غناه بالخيال والرموز. ورغم محاولة الجغرافيين تعريفه بشكل محدد منذ قرون فإن وحدته ليست في الواقع سوى ظاهرية فهو غني قبل كل شيء بما يحمله من تنوع. ثم إن بلدان شروق الشمس، أو الشرق الأقصى قد عرفت في تاريخها تعاقب حضارات عديدة، كما عرفت أشكالا من الاستعمار الغربي ومن الأنظمة الشيوعية، كما أنها عرفت نموا اقتصاديا مشهودا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكن بكل الحالات لم تستبطن هذه المنطقة من العالم أنها تنتمي إلى مجال جغرافي وبشري واحد إلا في فترة متأخرة. بل إن مفهوم الشرق الأقصى هو نفسه ذو أصل استعماري إذ انه ظهر في القرن التاسع عشر وقام على فكرة الابتعاد عن أوروبا إلى الحد الأقصى، حدود العالم آنذاك.
لم يدخل مؤلف هذا الكتاب في أي نقاشات خاصة ب«محيط» آسيا. لكنه لم يضع في إطار دراسته الهند ومنطقة الشرق الأوسط وإنما اقتصر على ما يمكن اعتباره آسيا الشرقية التي تضم ثلاث مجاميع هي شمال شرق آسيا وشبه جزيرة الهند الصينية وجنوب شرق آسيا. آسيا هذه التي يقصدها المؤلف كانت تعاني عشبة اندلاع الحرب العالمية الثانية ،منطقة فقيرة جدا (باستثناء اليابان) وكانت رمزا ل«الجمود» و«التخلف».
وينقل المؤلف عن المؤرخ الفرنسي الكبير فرناند بروديل كتابته عام 1963 عن حضارات الشرق الأقصى أنها تجد «صعوبة كبيرة في أن تتطور لوحدها، بل ان تجد إرادة وقدرة التطور، وكأنها كانت عصية من ذاتها على التغير والتقدم».لكن البلدان المعنية حققت «قفزة كبيرة» إلى الأمام انطلاقا من سنوات السبعينات. وهنا يقدم المؤلف على سبيل المقارنة عدة إحصائيات.
فمثلا قامت منظمة الأمم المتحدة عام 1954 بتصنيف تايلاند على نفس مستوى غانا أو أفغانستان، أي حيث كان دخل الفرد السنوي ما بين 50 إلى 100 دولار، وصنّفت بلدا مثل فورموزة (تايوان مستقبلا) مع هاييتي، أي مع دخل سنوي للفرد يتراوح بين 100 و150 دولارا.
أما اليوم فقد تبدّلت الصورة تماما، لكن النهوض كان تدريجيا ومتفاوتا بين بلد وآخر، هكذا حققت اليابان تبدلا مشهودا منذ نهاية عقد الستينات الماضي ثم تبعتها «التنينات» الشهيرة و«النمور» التي زاد معدل نموها الاقتصادي السنوي على 10 بالمئة وعلى مدى سنوات عديدة. ووصل معدّل النمو الاقتصادي السنوي لبلد مثل ماليزيا 7 بالمئة في الفترة الواقعة بين 1975 و1984.
ما يلفت المؤلف الانتباه إليه هو أن تطور البلدان المعنية لم يكن متوقعا، لكن التاريخ هو مقبرة التوقعات، كما ينقل المؤلف عن المفكر الفرنسي تييري دو مونبريال ويشير إلى أن الاختصاصيين الاقتصاديين كانوا قد نصحوا كوريا في سنوات الخمسينات بالتخصص في إنتاج الأرز لرفع مستوى معيشة سكانها. وتبقى الصين هي آخر وأهم المعجزات الآسيوية الأخيرة. وهي تلعب الآن الدور الأساسي وذات النفوذ الأكبر في آسيا.
لكن ماذا في منظور المستقبل؟
إن أهم التحولات التي يقول بها المؤلف تتمثل في زيادة مليار نسمة في سكان المدن من الآن وحتى عام 2030، أي ما يمكن أن يكون منعطفا حقيقيا في آسيا ذات التقاليد الزراعية التي تعود لآلاف السنين وحيث ان زيادة نسبة السكان في الأرياف تمثل حد سمات بلدان العالم الثالث.
ولا شك أن التنمية الاقتصادية قد أدّت إلى تطور عمراني كبير كما جذبت المدن النشاطات الصناعية وقطاع الخدمات. هكذا نجد مثلا أن مدينة مثل شنغهاي في الصين التي يمثل عدد سكانها 2,1 بالمئة من مجموع عدد سكان الصين تقدم حوالي 13 بالمئة من إجمالي الإنتاج الداخلي الصيني.
ونشير في هذا السياق إلى أن زيادة نسبة عدد سكان المدن ستبلغ حوالي 27 بالمئة في أفق عام 2025 على المستوى العالمي، حسب الدراسات المختصة، فإن هذه الزيادة ستصل في آسيا إلى 26 بالمئة ولكنها ستكون كبيرة جدا بسبب ضخامة عدد السكان.
لكن تجدر الإشارة هنا أيضا إلى تفاوت نسبة الزيادة، إذ ان بلدا مثل اليابان يعيش 80 بالمئة من سكانها تقريبا في المدن لن تشهد زيادة في أفق 2025 بينما ستعرف منغوليا زيادة بنسبة 40 بالمئة في عدد سكان المدن.
بالتوازي مع التبدلات الحاصلة في آسيا ستزداد التفاوتات الإقليمية بين الدول، بل وداخل الدول نفسها. ففي بلد مثل الصين المعروفة ببلاد الوسط والتي تسيطر عليها تقليديا مجموعات صناعية في شمال شرقها مثل مجموعتي شان تسي ويانغ تسو سيؤدي بروز مناطق جديدة على المسرح الاقتصادي إلى ايجاد تناقضات في موازين القوى الداخلية. وهذا ما يدل عليه المؤلف عبر قوله ان الصين ستكون عرضة لتأثيرات متنوعة تتعارض مع دائرة متمركزة حول البحر الأصفر ـ لياوننغ ـ وكوريا الجنوبية وبحر اليابان.
وكانت الحضارة الصينية قد وُلدت في الشمال حول شعب ال«هان» ويقول المؤلف اعتمادا على تحليلات عدد من المؤرخين ان الصين الداخلية ـ التي تضم الوسط والشرق ـ تتعارض مع الصين الخارجية ـ التي تشمل مناطق غرب الصين التي جرى ضمّها لاحقا. وبكين هي عاصمة الصين منذ القرن الثالث عشر وقد حافظت على دورها الحكومي المركزي في ظل قيادة ماوتسي تونغ.
لكن القادة الصينيين أرادوا منذ مطلع عقد الثمانينات الماضي تبني خطط تنمية تقوم على فكرة بسيطة مؤداها أن المناطق الشاطئية المفتوحة ستكون بمثابة قاطرة النمو وستجر خلفها المناطق الداخلية في البلاد. هكذا انتقل مركز الثقل، أو هو بصدد الانتقال، إلى مدن جديدة مثل شنغهاي.
ويدرس المؤلف في أحد فصول هذا الكتاب العلاقات المعقّدة والصعبة بل والتنازعية بين بلدان آسيوية ثلاثة متقاربة جغرافيا وإنما شهدت عدة قطيعات تاريخيا، وهي اليابان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. ولم تكن الحرب العالمية الثانية وحدها في أصل الاضطرابات العميقة التي عرفتها المنطقة وإنما كانت أيضا في قلب النزاع بين الغرب والشرق أثناء فترة الاستقطاب الثنائي الدولي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا