الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسد: هوية مقلوبة للجولان المقلوب

هوشنك بروكا

2007 / 10 / 30
حقوق الانسان


الثلاثاء الماضي(ثلاثاء البعث والهوية، وليس ثلاثاء الموت، حسبما وافانا الكبير، الشاعر والروائي الكردي سليم بركات، ذات سيرةٍ، بأخباره الطوال، في ثلاثيته الروائية الفلكيون في ثلاثاء الموت)، قرأت في بعضٍ من وسائل الإعلام العربية و"العالمية"، خبراً مفاده، أن سيادة الرئيس الدكتور "المناضل إلى الأبد"، بشار الأسد، قد اعطى توجيهاته، العاجلة، "التاريخية، الحكيمة، المناضلة، والرشيدة"، لمنح الهوية السورية لمواطنيه المقطوعين، والمنسلخين، في الجولان المسكين، المحتل إسرائيلياً منذ 1967، والواقف على أبواب الفرج البعيد البعيد، الذي لن يعبر إليه، بالطبع، من بوابة سوريا البعثية الأسدية الراهنة(على ما يظهر)، نظراً لصبر رئيسها "الحكيم"، والطويل، والكبير، الذي لا ينفذ، حتى لو نفذ "صبر أيوب".

وعلى "ذمة" وكالة الانباء السورية سانا، ان "الرئيس الاسد اعطى توجيهاته بمنح المواطنين السوريين، في الجولان السوري المحتل، الهوية السورية تعبيرا على تأكيد انتمائهم لوطنهم الام سوريا ورفضهم للهوية الاسرائيلية".

ويأتي هذا القرار، "الأكثر من تاريخي"، و"الأكثر من وطني"، و"الأكثر من شجاع"، و"الغير مسبوق"، كتعبيرٍ "وطنيٍّ، شجاعٍ، وأكيدٍ"، عن "حرص الرئيس الاسد "الأكيد"، على تخفيف معاناة اهلنا نتيجة ما يتعرضون له من مضايقات يومية على يد سلطات الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكات اسرائيل للقانون الدولي الانساني وللحقوق الاساسية التي ضمنتها صكوك حقوق الانسان الدولية" حسبما افادته الوكالة، المتوكلة على مكتب "دولة" الرئيس، وآله وصحبه من الرؤساء والرئيسات، والمرؤوسين والمرؤوسات، "المؤمنين والمؤمنات"، ....ألهم آآآمين.

و"نِعم" الهوية، من "نِعم" الرئيس، والقائد العام ل"نِعم" الجيش وقواته المسلحة، والأمين العام
الأكبر، ل"نعم" البعث القائد، و"المناضل المُبجّل" من أجل "نِعم العروبة الماجدة" ذات "الرسالة التفخيخية الخالدة"، أو "الرسالة العربية الكاسدة"، على حد تعبير الزميل د. أحمد أبو مطر.

غريبٌ أمر رئيسنا(إن شئنا أم أبينا...هكذا يقول الدستور المفصل على مقاس إسمه الأبدي الكبير) الأكثر من عجيب، "حفظه الله ورعاه"، من تداعيات عجائب الدنيا السبع، واللعنات السبع، والقراءات السبع، والتأويلات والتفاسير السبع.

رئيسنا الشهم، العربي، "الحاتمي الطائي"، والأكثر من كريم، ب"دون أدنى شك"، عربي أو خارج عربي، يمنح الجولانيين المحتلين، "الممرمطين"، "المشرشحين"، الغلابة، الهوية السورية، بشحطة قلم، وشحطة قرار، وشحطة مرسوم رئاسي، صادر عن مكتبه "التنكيتي" و"الكريم"، ب"قصر الشعب" الممنوع منعاً باتاً، على كل الشعب، فيما عشرات الآلاف من مواطنيه الأكراد السوريين، أباً عن جد، يقفون منذ أكثر من خمسةٍ وأربعين عاماً مضت، أرتالاً وطوابير، و"حلقات ذكر" مدنية، مكتومة القيد، على أبواب سجلات القيد السوري "المدني"، للحصول على "شقفة هوية"، و"شقفة مواطنة"، "شقفة وطن شريف"، و"شقفة سوريا"، و"شقفة إنتماء"،ولكن للأسف، دون أي جدوى.

حسب وكالة الأنباء المسجلة، بالمقدم والمؤخر، على ذمة الرئيس "الأكثر من وطني"، و"المستعصي" أيما استعصاءٍ، في "جبهة"(أسميها هنا، بالجبهة لضرورة الشعر والتسمية، لأنها خارجة عن تصنيفات كل الجبهات في العالم القديم والجديد) جولان الباردة أكثر من سيبيريا، والمتروكة بشحمها ولحمها، لإسرائيل "العدوة"، منذ حوالي أربعين سنةٍ خلت(منذ حرب الأيام الستة في يونيو/حزيران 1967)، يطلع علينا الرئيس، كعادته "العجولة"، ليمنح مواطنيه، المقطوعين والمقتلعين من سوريا، رغماً عن أنفنا وأنف الرئيس، "هويتهم" السورية، نكايةً ب"الهوية الإسرائيلية"، الممنوحة طوعاً، هناك، و"المرفوضة"، هنا(في زمان ومكان الأسد السوري)، و"الملعونة"، و"الآيلة إلى السقوط"، والتي أُريدَ لها، بعثياً عفلقياً، وعروبياً، بإمتياز،"رميها" وشبيهاتها إلى البحر وأخواتها، يوماً، من أيام العروبويين النشامة.

والسؤال الذي يقذف بنفسه في وجه الرئيس الهاوي في شؤون "الهويات البعيدة"، ههنا، هو، لماذا هذه "العنترية" الممتدة من دمشق إلى تل أبيب، ب"منح" الجولانيين الغلابة المدشّرين ل"هوى" قلب "العدو، هويةً "مستحيلةً" أصلاً، لا يستطيعون إليها سبيلاً، في الراهن المعاش من سوريا الأسد الراهن إلى إسرائيل الراهنة، في أقله؟

لماذا هذه اللفتة الرئاسية "الكريمة"، إلى الجولان البعيد البعيد، ولهويته البعيدة(كأمر واقع، راهناً على الأقل)، فيما محافظة الحسكة المزروعة بين مفارز أمن دولة الرئيس، وسياسة الرئيس، وعسكرية الرئيس، بأكرادها "المكتومين" و"الأجانب"، البالغ تعدادهم حوالي ثلاثمئة ألفاً(حسب المصادر الكردية)، مطرودةٌ طرداً مبيناً، وفقاً للمرسوم الجمهوري رقم 93(23.08.1962)، من ذات الهوية وذات "الوطنية السورية"، منذ أكثر من أربعة عقودٍ ونيف؟

رئيسنا "المانح الكبير"، يستعطف ب"أبنائه" في الجولان، مستعيداً هذا "الجزء العزيز"، البعيد المنال، من الوطن، إلى هويته المفقودة، كرّد "قويٍّ وصاعقٍ ومفحمٍ"، على "انتهاكات اسرائيل للقانون الدولي الانساني وللحقوق الاساسية التي ضمنتها صكوك حقوق الانسان الدولية".

لا شك، أن لإسرائيل إنتهاكاتها الخاصة وتجاوزاتها الخاصة، الخارجة على كل المواثيق والمعاهدات الدولية، سواءً بحق فلسطين، أو لبنان أو الجولان.
ولكن كيف للرئيس "العرّاف" بكل هذه "الدنيا الإنسانية"، "الرؤوفة"، و"العطوفة"، وبمواثيقها، وعهودها، وحقوقها، وصكوكها الإنسانية، "المنتهكة" إسرائيلياً، ودولته بمعية بعثه وأمنه "العدواني"، الثلاثي(أمن الدولة +الأمن السياسي +الأمن العسكري)، يدوس على كل سوريا(مواطنين وأشباه أو أنصاف مواطنين)، ولا تُترَك فيها "ذرة" إنسانٍ، ولا "ذرة كرامة وطنية"، إلا وتُداس، بالجملة والمفرق، ب"القانون الجَزمة"، و"القانون الخاكي"، و"القانون السوط"، و"القانون الجدار"، بالطول وبالعرض، سراً وعلانيةً، حفاظاً على الأمن "الوطني"، والكرامة "الوطنية"، بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي "الوطني جداً جداً"؟؟؟!

في الوقت الذي ينتقد فيه رئيسنا الشاطر، إسرائيل وأخواتها وخالاتها وعماتها وأمهاتها، لأنها "تنتهك" و"تخترق" حقوق الإنسان، المنصوص عليها في الصكوك والمواثيق الأممية، يُخال لمن لايعرف بضاعة نظامه الأكثر من ديكتاتوري، أن سورياه هي أخت "شقيقة"، لسويسرا أو هولندا أو السويد وسواها من الأخوات الديمقراطيات، بإحترامها لمبادئ حقوق الإنسان والأقليات، المنصوصة عليها، في العهود والبروتوكولات الدولية.

هل نسى رئيسنا الساهر على الإختراقات المنظمة لحقوق الإنسان في سوريا المنتهكة حتى النخاع، أن ما يمارسونه جلادوه في سجون نظامه الطارئ، والخصوصي جداً(حسب شهادات منظمات حقوق الإنسان العالمية)، تعتبر من أشنع، وأفظع، وأوحش أساليب التعذيب النفسي و الجسدي (الكرسي الألماني، الدولاب، الضرب بالكابلات، الحرق، بساط الريح، الجلد، الإغراق بالماء، الشبح، الضرب بالبلطة، الإطعام الكريه) وحشيةً، في العالم على الإطلاق.

هل نسى رئيسنا الساهر على "جولانه"، بطريقته الخاصة، ووفقاً لصبره الأبعد من أيوب، الذي لا ينفذ، وزمانه ومكانه الخاصين، أن ما ارتكبه نظامه وبعثه، بحق "أكراده" في الجزيرة السورية، يضاهي ما اقترفته إسرائيل في الجولان أضعاف المرات:
1. مستوطنات عربية إجبارية(أكثر من أربعين مستوطنة حقيقية) مزروعة في المناطق ذات الغالبية الكردية، على امتداد ما سمي ب"الخطالعاشر" أو "الخط المطري".
2. سلخ وسلب أراضي السكان الكرد الأصليين وتوزيعها، ك"هبة" بعثية، على العوائل العربية الوافدة من مدن الداخل والشمال السوريين.
المصطلح البعثي المعروف لهؤلاء الوافدين المستوطنين، هو "المغمورين"، أي الذين غمرت أراضيهم تحت مياه سد الفرات. هذا المشروع الإستيطاني، يُعرف في دوائر الدولة "السرية"، ب"مشروع الحزام العربي" لمهندسه الأول الملازم الأول محمد طلب هلال، الذي طُرح ضمن دراسةٍ مخابراتيةٍ، أمنيةٍ، نُشرت بعد الإحصاء/الإقصاء الإستثنائي(1962) بأقل من سنةٍ، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963.
إنّ مشروع الفصل العنصري، بإمتياز، هذا، كان يقوم على خطة شوفينية(لاتزال مستمرة لليوم)، تقضي بزرع العنصر العربي الوافد من جهاتٍ بعيدة، في الجغرافيا ذات الغالبية الكردية، بهدف إرباك الوجود الديموغرافي والقومي الكردي وإضعافه، ومن ثم تصفيته كلياً.
الوجبة الأخيرة من هذا "الزرع العنصري" في الخاصرة الكردية السورية، تم إعداد العديد والعدة لها قبل عدة أشهر.
3. حرمان، لا بل تحريم الشعب الكردي، من كافة حقوقه القومية، والوطنية، ومما بينهما، حرماناً تاماً: لغة ممنوعة، ثقافة ممنوعة، سياسة ممنوعة، علوم ممنوعة، اقتصاد ممنوع، انتشار ممنوع، وسوى ذلك من الممنوعات والحرمانات، المصنّعة، خصيصاً، للسوريين الممنوعين، في سوريا الطارئة، الإستثنائية، الخصوصية.

هذا الخبر "العاجل جداً"، الذي أفادنا بإعادة بشار الأسد الرئيس "المستكين" للجولان المسكين، إلى هويته المفقودة، ذكّرني بنكتةٍ ظريفة و"خفيفة الظل والدم"، من أيام زمان، عايشها المطرب والكوميدي الشعبي وعازف الزرناية، الأكثر شهرةً وسط أكراده في الجزيرة السورية، لطو شيخو نادو، الذي ولد(كالكثيرين من أبناء جلدته) وعاش، ومات، أجنبياً، مكتوماً من القيد، في عموم سجلات الرئيس "المدني" قاطبةً.

نكتة نادو المعاشة، حسب لسان حاله، تقول: مرةً من المرات المسلّيات، قبيل صعود أمير الزرناية لطو نادو الباص العمومي المتوجه من تربسبي/القحطانية صوب القامشلي، نوى(وهو الأمّي الأكيد) أن يشتري جريدةً. في الباص قرر لطو، محو تاريخ كاملٍ من أميته، بتصفح وتعقب رسومات الجريدة، التي لم يكن يعرف فوقها من تحتها. تمتم الأمي الواثق من أميته، متظاهراً بقراءةٍ كبيرةٍ، وكأنه سيفتح بها العالم. ولكن لسوء حظه "الأمي" وتعاسته، لفتت طقوس قراءته "الأمية"، "المقلوبة والمعكوسة"، نظر جاره المتعلم.
حاول هذا الأخير، ، كبادرة حسن نية، تصحيح مسار قراءة لطو، الخارجة عن سكّتها ووِجهتها، فقال: ياعم، انت تقرأ الجريدة بالمقلوب. فردّ لطو العم الأمي الأكيد، عليه:
أعلم يا روح عمك وأمك...أنا أقرأ "قراءة الكبار" أقصد القراءة الصعبة، التي لا يتمكن منها إلا الحكماء، يا ابن أمك الفهيمة... كلّنا يتمكن من قراءة الجرائد، هكذا عادياً مشرمحاً، بلا وجع رأس، دون قلب، من فوقها إلى تحتها. ولكن الشاطر والحكيم، هو من يقرأها مقلوبةً معكوسةً، من التحت إلى الفوق، مثلما يفعل عمك الفهيم أنا وأمك الفهيمة!!!

فالظاهر هو أن رئيسنا "المناضل الأكيد"، يفعل مثلما فعل لطو، ممارساً فعل "القراءة المقلوبة".
وكأن الرئيس يريد أن يقنعنا، مثلما أقنع لطو الأمي الأكيد جاره المتعلم، بأنه من السهل جداً، على أي رئيس في أية جهةٍ من جهات العالم، أن يمنح "الهويات القريبة" لمواطنيه "القريبين"(كالأكراد مثلاً). ولكن الرئيس الشاطر والحكيم والكبير، هو أن تتمكن يده المعطاءة، بحكمته وحنكته المعطاءتين، من منح "الهويات البعيدة"، إلى مواطنيه "البعيدين"، تماماً مثلما فعلته يد الدكتور الرئيس، "الحكيمة"، وما صنعته من "هوية مقلوبة" للجولان المغلوب، "المقلوب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم


.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من




.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز


.. مأساة إنسانية في غزة.. أكثر من 37 ألف قتيل ونصف مليون تُحاصر




.. مسؤول إسرائيلي لـ-أكسيوس-: حماس رفضت مقترح بايدن لتبادل الأس