الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تصدقون؟

أوري أفنيري

2003 / 11 / 4
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


      "من تصدقون؟" هذا ما سأله اللواء يعقوب عاميدرور في التلفزيون بغضب محتقن، "هل تصدقون الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي أو تصدقون حماس؟".

     اللواء (احتياط) عاميدرور هو الضابط العنصري- المتدين الأكثر تطرفا في الجيش الإسرائيلي. فقد أثار في الماضي ضجة جماهيرية بسبب أقواله المغرضة بغير المتدينين في إسرائيل. إنه ذا عقل متقد، أكثر بكثير مما هو معهود في قيادة الجيش الإسرائيلي، ويخدم هذا العقل المتقد أكثر ما يخدم تطرفه- تطرف عنصري وتطرف ديني على حد سواء.

     كان من شأن الإجابة على سؤاله أن تكون إجابة مفروغ منها- بينما يقف على إحدى كفتي الميزان الجيش الإسرائيلي، وهو "الجيش الأكثر أخلاقية والأكثر إنسانية في العالم"، وفق تعريفه هو، وفي الكفة الثانية تقف مجموعة من القتلة الوحشيين، فما هو السؤال إذن؟

     ولكن، وبمقتضى شهادة عاميدرور نفسه، ما يحدث هو العكس. يصدق العالم حماس ولا يصدق الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي. ويبدو أن الجمهور أيضا يصدق حماس. والأنكى من ذلك، أن الوزراء وأعضاء الكنيست هم أيضا يصدقون حماس، ولا يصدقون الناطق بلسان الجيش.

     إن أزمة الثقة هذه قد بدت واضحة بسبب سلسلة الأحداث التي حدثت في الأسبوع الماضي في قطاع غزة. فالفلسطينيون يدعون بأن الجيش الإسرائيلي قد هاجم بالصواريخ من الجو سيارة كان يستقلها اثنان من أفراد حماس. وبينما تجمهر سكان المنطقة بجانب السيارة المحطمة لتقديم المساعدة للمصابين، هوجموا بصاروخ آخر، أودى بحياة عدد من المواطنين، ومن بينهم طبيب هرع إلى المكان لتقديم الإسعاف الأولي، كما وجرح عشرات المواطنين ومن بينهم نساء وأطفال.

     "كذب وبهتان!" كان رد الفعل الغاضب الذي أدلى به الناطق بلسان الجيش. جيش الدفاع لم يطلق أي صاروخ آخر! لم يصب المواطنين! لا أساس من الصحة لذلك! إنه كذب فلسطيني سافر!

     وهكذا نشأت روايتان، لا يمكن التقريب بينهما. فإما أن يكون كذا أو أن يكون كذا. أحد الطرفين يكذب بوقاحة. ولكن من ذا الذي يكذب؟

     تستند الرواية الفلسطينية إلى صور القتلى ومراسم التشييع، وإلى الجرحى المتوجهين إلى المستشفيات، وإلى شهادات الأطباء والصحفيين والمحليين والأجانب أيضا. تستند رواية الجيش الإسرائيلي إلى آلية خدام الجيش الضخمة في وسائل الإعلام. كل المراسلين للشؤون العربية تقريبا، يفصحون عن الادعاء الرسمي كرجال آليين، وكأن هذا الادعاء هو نتيجة لتحقيقات أجروها بأنفسهم.

     وقد شجب الأمر في هذه المرة ابرز هؤلاء وعلى رأسهم المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" زئيف شيف وقائد سلاح الجو اللواء دان حالوتس، الغارق من رأسه حتى أخمص قدميه في فضيحة الطيارين المتمردين، وقد اتخذ إجراء لا سابق له ونشر في كافة معسكرات سلاح الجو أمر يقضي بإنكار الادعاء الفلسطيني.

     لتدعيم ذلك، نشر سلاح الجو، متأخرا بيوم واحد، فيلما تم تصويره في الوقت الحقيقي (أو ليس في الوقت الحقيقي) من قبل طائرة صغيرة بدون طيار. يبدو فيه الصاروخان اللذان أطلقا على السيارة المشبوهة، في حين لم يكن هناك أي مواطن على مقربة منها. وقد قاس المراسلون العسكريون الأمناء الوقت بساعات توقيت ووجدوا بأنه قد مرت كذا وكذا ثواني بين إطلاق الصاروخ الأول وإطلاق الصاروخ الثاني.

     إنه لغز مبهم حقا. فيلم وثائقي أمام أعين الصحفيين. ماذا كان سيقول شارلوك هولمز عن ذلك؟

     إذن، ربما قام أحد المروجين الفلسطينيين النبهاء "بفبركة" الموضوع كله. فالمواطنون قد انتحروا أو أطلق أحدهم النار على الآخر، والعشرات الآخرين جرحوا أنفسهم، وكل ذلك لاتهام أكثر الجيوش إنسانية بقصة بشعة. (وفق نفس المنطق، فقد قتل والد محمد الدره ابنه - في بداية الانتفاضة الحالية -  للتشكيك بجنودنا الشجعان والأتقياء).

   هناك إمكانية أخرى وهي أنه لم يتم إطلاق صاروخين فقط بل ثلاثة – الاثنان اللذان ظهرا في الفيلم وثالث تم إطلاقه بعد ذلك. لذلك هناك حاجة لمشاهدة الفيلم بأكمله وليس فقط مقطعا منه. وربما يكون هناك حادثين مختلفين.

     لو كانت في إسرائيل وسائل إعلام مستقلة، وليست ذراعا لأجهزة الأمن، لكانت دزينة من الصحفيين الإسرائيليين ستقصد في ذلك اليوم غزة، وتقابل عشرات الجرحى في المستشفيات، ويقارنون بين الشهادات، ويزورون بيوت القتلى ويأخذون شهادات من شهود عيان، ومن ثم مقارنة الشهادات بادعاءات الجيش الإسرائيلي. إلا أنه فيما عدا عميرا هيس، ومراسل فلسطيني في القناة الثانية، لم يحدث ذلك. هذا النوع من التحقيق المستقل قد اختفى منذ فترة طويلة في وسائل الإعلام لدينا، وربما لم يكن قائما أبدا، فيما عدا صفحات "هعولام هزيه".

     يظل سؤال اللواء عميدرور المفروغ منه قائما، من نصدق؟

     الوزير أبراهام بوراز (شينوي) وعضو الكنيست زهافا غالئون (ميرتس) فضلا، على ما يبدو، الرواية الفلسطينية وقد تصرفا بموجب ذلك. كذلك الأمر بالنسبة لمجموعة من الأشخاص الآخرين، الذين أثاروا غضب الجيش الإسرائيلي.

     حتى ولو صدقنا الرواية الرسمية بحذافيرها، كان علينا طرح سؤال آخر، يتصدر كافة الأسئلة الأخرى: لماذا يصدق الكثير من الناس، في العالم وفي البلاد، الفلسطينيين بالذات؟ بكلمات أخرى، لماذا يصدق القليل من الناس، في العالم وفي البلاد، الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي؟

    في أوقات مضت، كان الجميع يؤمن لما يقوله الناطق بلسان الجيش دون تفكير ولا اعتراض. في الخمسينيات كان يتوجه إلي صحفيون أجانب ويسألونني فيما يتعلق بإعلانات الجيش. هل نصدقهم؟ كانت إجابتي دائما: نعم. الجيش الإسرائيلي لا يكذب.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قلق في إسرائيل بشأن إمكانية تحقيق أهداف الحرب المحتملة في ال


.. بايدن يقدم دعما طويل الأمد لأوكرانيا | #أميركا_اليوم




.. غارة إسرائيلية عنيفة على بلدة جناتا في قضاء صور جنوبي لبنان


.. إسرائيل تستهدف بلدة جناتا قضاء صور جنوب لبنان




.. الغرب يهدد روسيا بورقة -الأصول المجمدة-.. وبوتين يتوعد