الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية مارادونا وشافيز واليسار الجديد- القديم

عبد العزيز حسين الصاوي

2007 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كراهية لاعب كرة القدم الارجنتيني الشهير مارادونا هي الامر الوحيد الذي يتفق عليه الانجليز عمالا ومحافظين رأسماليين واشتراكيين نساء ورجالا كبارا وصغارا . هذا الشعب الذي اخترع كرة القدم قبل 150 عاما ولايزال مفتونا بها خسر فرصته في التأهل لنصف نهائي كأس العالم عام 86، كما نعلم، عندما استخدم مارادونا يده خلسة في احراز الهدف الذي اخرج الفريق الانجليزي من المنافسه، ثم مضي ليرش الملح علي الجرح الانجليزي بالفوز بالكأس. في دردشة تلفزيونيه مع الرئيس الفنزويلي شافيز يوم 20 اغسطس الماضي اعاد مارادونا رواية التفاصيل مضيفا انه اكمل عملية خداع الحكم بقيادة فريقه في هوجة احتفالية مبالغ فيها بعد أحراز الهدف. خلال هذا البرنامج ( هلو سيادة الرئيس) الذي يقدمه شافيز ويدوم معظم نهار الاحد وصف ( بفتح الواو ) مارادونا بأنه فتي الارجنتين الذهبي وحليفه في الكفاح ضد الامبرياليه بينما دوت القاعة بالتصفيق عندما رد الاخير التحية بأحسن منها قائلا : " انا أكره كل شئ امريكي انا شافيزي. كل مايفعله كاسترو وشافيز هو الافضل بالنسبة لي ".
تجمع بين الشخصيتين كاريزما هي خليط من الخصائص الشخصيه والاسلوب الملون بالطرافة والاثارة الذي يعبران به عن الموقف المشترك ضد امريكا وهذا من حسن حظ الذين يشاركونهما الاهتمام بمجالي تخصصهما واسلوبهما معا لانه يوسع نطاق الجاذبيه. ودون الاستخفاف بأهمية كرة القدم لابد من القول بأن تخصص شافيز اكثر اهمية بكثير لانه يتصل بالحياة العامه ومصير الملايين في العالم الثالث الباحثين عن مكان عادل وامن في عالم الكبار بعد فشل تجارب اليسار القديم الشيوعي وغير الشيوعي في تحقيق هذا الهدف. فهو يطبق برنامجا يسميه " اشتراكية القرن الواحد والعشرون " يستهدف اعادة تشكيل المجتمع والاقتصاد الفنزويلي لمصلحة الطبقات الشعبيه ويخوض برسالته هذه معركة ضد الولايات المتحدة في امريكا اللاتينية بأكملها نجح فيها حتي الان بكسب حلفاء مهمين وصلوا السلطة علي موجة الديموقراطية التي غمرت العالم كله بعد نهاية الحرب البارده، بالاضافة للاشتراكي العتيق كاسترو. وفي نطاق مايسمي حركة العولمة المضاده اصبح شافيز علما في رأسه نار تتطلع اليه انظار وافئدة اقسام هامة من النخب والشعوب.
ولكن هناك اخبار اخري عن شافيز غير ساره لهؤلاء، او ينبغي ان تكون كذلك. فقبل تلك الدردشة بيومين او ثلاثه كان قد قدم طلبا للبرلمان لاجراء تعديل دستوري يسمح له بالبقاء رئيسا الى ما لا نهاية، عبر إلغاء المادة التي تحدد الولايات الرئاسية باثنتين فقط، وتمديد فترة الرئاسة الى سبع سنوات بدلاً من ست حاليا، ووضع احتياطي العملات الاجنبية تحت اشرافه المباشر بدلاً من المصرف المركزي ومنحه صلاحية كاملة في مصادرة الاراضي والممتلكات. ويتناول مشروع التعديلات 33 مادة من أصل 330 مادة في الدستور الذي سبق له ان عدّله في 1999. وبما ان المعارضة كانت قد قاطعت الانتخابات فأن هذه التعديلات ستمر بسهولة في البرلمان. برر شافيز هذا الطلب بضرورته لتصفية الرأسمالية نهائيا واستكمال بناء فنزويلا جديده مؤكدا انه لايسعي للبقاء الابدي في السلطه، ولكن كل من له ادني اهتمام بالتاريخ السياسي للعالم الثالث يعلم ان هذا النوع من التوجهات هو العلامة المميزة للانظمة والحركات ( الحديثة ) التي طرحت نفسها بديلا للانماط التقليدية منذ منتصف القرن الماضي واكتسبت شعبية واسعة بلغتها وافكارها الجديدة. نوع من ديمقراطية التفويض المفتوح لزعماء ملهمين يخوضون بموجبه معارك تغيير داخلي حقيقيه وفي مواجهة الاستعمارالجديد يعلم الذين يتجاوز اهتماهم المتابعة والدراسة الي الانتماء لتلك الحركات و/ او الانظمة اليساريه ولقضية تجديدها، ان مقتل تجاربهم السابقة كان في هذا التفويض المفتوح بالذات، وانه برغم كل ماحققته الايدولوجيات والحركات والانظمه الاشتراكيه، ومن بينها ماأدي الي تعديلات في النظام الرأسمالي نفسه مثل التخطيط الاقتصادي، فأنه لابديل للديموقراطية كما عرفتها الخبرة البشرية حتي الان : التفويض المقيد بفترة زمنيه محدده وخاضع لمنافسة غير مقيدة مع زعماء وافكار اخري.
ان الايجابيات التي انطوت عليها تجربة اليسار السابقة نظريا وتطبيقا ستبقي مطمورة تحت ركام سلبياته وانهياراته المفجعه وبعيدة تاليا عن الاسهام في بحث الانسانية النبيل والمضني عن نموذج ثالث يتفادي عيوب النموذجين الرأسمالي والاشتراكي، اذا لم يبادر الي قفل الطريق علي نماذج شافيز واشباهه التي تعيد احياء التجربة بخصائصها القديمة نفسها تحت غطاء داخلي براق هو الانحياز لمصالح الطبقات الشعبيه واخر خارجي هو العداء لامريكا. وفي الحالتين الحصيلة عكسيه. التجربة العملية اثبتت ان الانحياز الذي يقوم علي مصادرة الارادة الشعبية لمصلحة مستبد عادل وصفة مؤكدة لاستيلاء بيروقراطية الحزب الواحد والدوله علي معظم الثروة القوميه لان غياب الرقابة البرلمانية والقضائيه يقود الي تبرجز الاوساط الحاكمه وتفشي الفساد. في الان نفسه يؤدى هذا الغياب الي تدني معدل انتاج الثروة القوميه لان شعور العاملين بالغربه تجاه نظام سياسي يستثمر جهودهم لمصلحة اقليه محرومون ايضا من ابداء رأيهم فيها، يؤدي لتدني معدل انتاج الفرد والي انحسار حوافز الابداع الادبي والعلمي بما يقود الي التخلف التكنولوجي كما حدث في المباراة مع المعسكر الاشتراكي. كما اثبتت التجربة ان امضي الاسلحة للتغلب علي مايضرنا من السياسات الامريكية والغربية عموما هو استخدام الالية الديموقراطية لكونها الأسلوب الوحيد لتحصين الجبهة الداخلية ببناء مجتمعات قوية بقوة مؤسسات المجتمع المدني الحزبي وغير الحزبي فيها، ولكسب اقوي المؤثرات الداخلية علي السياسات الحكومية الغربية لمصلحة قضايانا، وهو الرأي العام في بلدانها ممثلا في الاعلام والاحزاب والتيارات المعارضه والجمعيات الاهليه. بغير ذلك تبقي مقاومة الهيمنة الامريكيه علي الطريقة الشافيزيه جهدا مهدرا وفش غبينه لانه لايحدث سوي اثار جانبيه لاينتج عنها تغيير جوهري في ميزان القوي الاقتصادي والسياسي والعسكري. تماما كما هو الحال مع فتاه الذهبي مارادونا الذي يقدم اسوأ قدوة ممكنة للشباب بأدمانه للكحول والمخدرات اللذان عولج منهما اكثرمن مره، يقدم شافيز اسوأ قدوة ممكنة في كيفية اعادة الحياه الي اليسار تحت تأثير سكرة السلطة المطلقة والثروة البترولية الوافره بين يديه (الاحتياطيات المؤكده 77 بليون برميل ).
يلاحظ، علي صعيد اخر، ان هذا الاسلوب الشافيزي اليساري شبيه الي درجة كبيرة بأسلوب زعامة يمينية يمثلها الرئيس الايراني احمدي نجاد شكلا وموضوعا : بساطة المظهر والسلوك الشخصي، تبني قضايا الطبقات الشعبيه ثم العداء لامريكا بطريقة زاعقة ومتطرفه في اطار توجهات دكتاتوريه، وهو ماتشاركهم فيه تيارات وانظمة الاسلامويين والقومويين العرب، والشبه في الحصيلة النهائية السلبية مؤكد بشهادة التجارب السابقه. ماالذي يضعف امريكا حقيقة : هل هو اخراجها من العراق بدعم قوي العنف الطائفي والاصولي فيه كما تفعل اجهزة المخابرات الايرانيه ام بدعم القوي المؤهلة لبناء نظام بديل لنظام دكتاتورية صدام؟ هل هو تسخير الثروة البترولية الايرانية ( ثالث احتياطي مؤكد في العالم ) للحصول علي سلاح نووي ام بناء اقتصاد قوي علي ارضية نظام سياسي مفتوح يؤمن تنمية مستدامه ؟ بلغة كرة القدم طريقة شافيز ورهطه من العرب وغير العرب لاتحرز الا اهداف تعزيه في المرمي الامريكي بينما يفوز الفريق الامريكي بالمباراه بكومة اهداف ويتمكن، فوق ذلك، من استعادة لياقته بسرعه بالنظر لما تفرضه الديموقراطية علي المدرب وجهازه ( الرئيس والحكومه ) من رقابة ونقد وتغييرات ضروريه في تكوين الفريق وخطط اللعب بينما يؤدي غيابها لدي الفريق الاخر الي تكرار نفس الاخطاء مكبرة فيعجز حتي عن احراز اهداف التعزيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية