الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأنه عبور

نبال شمس

2007 / 11 / 1
الادب والفن


لا تبكوني أرجوكم, رغم إدراكي أن أحدا لن يبكيني واحدا لن يأتي إلى عزائي لأني حالة غريبة في زمن غريب.
هل تعون ما تسمعون؟
"من قال أننا سنبكيكَ أو سنبكي رحيلكَ عنا؟ ارحل إلى الجحيم وليأخذكَ عزرائيل الموت من رحم كالي الشيطانية إلى رحم الشمس الحارقة, لتصهرك وتعيد تكوينك".

عيشي مالح يحمل أملاح البحر الميت كوى بصري وخلايا أشلائي, جعلني لا أبصر الأرض ولا أبصر السماء فكل ما أراه الآن هو حجارة سوداء تحيطني, حطت على أنحاء جسمي تنهش غربتي الصماء , فلا انتماء لي, لا عيش ولا موت, فالحياة حالة تلازمني بإلحاح شديد والموت حالة تأتيني باضطرار.
حياة........ .....موت
موت..................حياة
حالات غريبة. البندول متعرج الأقطاب, أقطابه طويلة,,...طويلة, لا تنتهي
لن تنتهي
أتأرجح بينها لاهيا وناسيا نفسي بين الحياة والموت
تلك هي سكرات الحياة
فهل للحياة سكرات؟
منها يولد الموت, ومن سكراتها ولدت غريبا.
أدرك انه لا أمل ,لا حضارة,,ولا بيكار يحدد نقطة وجودي على هذه الفانية.

في داخلي صوت يكاد يقتلني, يؤلمني,يذبحني وينهش قوتي يصرخ فيقول:
"غربة كفنتك
من أعلاك إلى أخمص قصيدتك
غربتك أنت, وألانت لن تصّلي من أجلك
فهي في السماء تعانق السحب العابرة
وترسم حنين الفرح
هي غربتك, هي نفسك الدائمة البحث والفضول"
نهضت فوجدتها بين الدود والعفن. يا الهي, أكاد لا أتنفس من تلك الرائحة والغازات الناتجة من تحلل بقايا المواد الفاسدة, عدا عن ذلك لا متنفس لي ولا باب للخروج والهرب, فأنا أدرك وأعرف أني بعد قليل سوف اختنق وسيبدأ الدود بنهش عظامي.
ربما يكون المكان مقبرة أو ربما يكون خضراء الدمن, والمكانين هما فناء.
"خضراء الدمن" احد أجمل المصطلحات التي سمعتها وأنا طالب في أوائل الابتدائية. أحببت هذا المصطلح كثيرا فقد التصق في ذاكرتي وذهني. عندما قرأته للمرة الأولى لم أبذل أي جهد لفهمه لأنه أخذني إلى عالمي البعيد, فرأيت الأخضر حدائق جميلة وأشجار عالية وفتيات صغيرات في مثل سني يرقصن على العشب الأخضر بسيقانهم البيضاء التي تلمع تحت أشعة الشمس الغاربة, أما الدمن أخذتني إلى العرائس والدمى التي كانت تلعب بها أختي في صغرها, تلك العرائس التي كنت ممنوعا عنها وعن لمسها وعن لمس مفاتنها, وخاصة تلك التي تجسد فتاة ناضجة مكتملة فكلما لمستها قصدا أو سهوا كانت امي تغض شفتها السفلى وتقول لي: "عيب وممنوع", حتى نشأت على الممنوع والعيب فكيف لولد مثلي الذي سيصبح رجلا في المستقبل أن يلمس دمى على شكل بنت, فنشأت أفكر في الممنوع والعيب والمسموح وغير المسموح.


اختناق. ماضي لا يعود.
لا روح تعانق السحاب ولا نور يطل على العظام في القبور.
فلأي مكان سوف أعود؟
لا عودة ولا رجوع, فمَن قفز بِ غاءها فهو الغريق, ومن لمس راءها ضاع برجسها, ومن طرق باءها فهو أبهق امتص نورها ومات في عتمتها, فلا عبور عبر تاءها, فتاءها أتون يصهر العابرين عبره.
لست أدري لماذا وقعت في هذا المكان الغريب, فلا من قطة ولا من كلب يفتح لي الباب لأخرج للهواء الطلق ولو لدقيقة واحدة أعيد بها أنفاسي التي أصبحت ملوثة ومخنوقة إلى حد الموت.
نفسي يا نفسي...لا أريد الإصغاء لك.
لم اعد أدرك الوقت والزمن ولا حتى المكان, بالنسبة لي بداية الموت أو ربما بداية لحياة أخرى. انتظرت الرحمة, لكن دون جدوى.
بدأت اشعر بالدود يخترق جلدي وعظامي فلم اتالم . وخز لا غير كأن الدود يهلل لي كي أنام. عيوني مغمضة, جسدي أسلمته إلى السبات, ثمة بداية لموت - لحياة.

"أنت لا ترى شيئا ولن ترى شيئا. أنت ستبقى أنت, تبحث عن شيء لن تجده. بحثك عبث, فأنت مطوق في دائرة لا تنتهي, دائرة زمان غريب في مكان غريب ".

انا الغريب حدثتها: أنا المعتقل منذ عقود, فلا نهاية لرحلتي الدائرية.
هي الغريبة قالت: الجسد هو الوطن-هو المعتقل-هو السجان, فكيف لجسد أن يتسع لروح تشتهي السحب العابرة؟
كيف لروح أن تعانق الشرق وتثور في عمق الأرض؟ فطوبى لحزن ثائر لا يهدأ ولروح تحملت سوط الجلاد وقسوة السجان.


لا جسد
لا روح
لا كمال يعلك حنين غربتي.

مئات من طوابير الأرواح تتزاحم يريدون العبور لأرض لم يتركوها. كالدود الذي يتزاحم لاختراق خلاياي. وأنا أقف كالمتفرج الجميل أشاهد معارك الازدحام على أشياء ليست بملك احد منهم.
يصيح الصوت ثانية, يجلدني ويميتني, يعلو ويصرخ:
"أضحكتني أيها المتلبس الجميل. أضحكني تشتت أفكارك, فطوبى للدود الذي سيسكن جسدك وبين خلايا عظامك. فمن قال انك لست ملكا للدود والعفن من قال انك لن تكون فانيا؟
فناء..فناء
حبرك هرطقة وأفكار مشتته, ومن هذا الشتات ولدت غربتك ,قاسية متقشفة العبودية مفرطة الحلم. غربتك مالحة سفحت مياهك ومياه المحيط".

يتقاذفني الدود وأتقاذفه. استفيق ثانية فأجد نفسي الغريبة - لا أجد نفسي الغريبة.
غارق في غاءها.
ساكن في راءها.
عالق في باءها.
ولا عبور عبر تاءها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل