الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتاب الأسود للجامعات المصرية

عادل جندي

2007 / 11 / 1
حقوق الانسان


ليس سرا أن أحوال الجامعات المصرية تثير الحسرة عند مقارنتها بالجامعات العالمية: فعلى سبيل المثال لا توجد جامعة مصرية بين الخمسمائة الأفضل في العالم ـ باستثناء جامعة القاهرة التي يبدو أنها قد "تسربت" إلى القائمة هذا العام لتحتل الموقع 403 بفضل المعيار المتعلق بالحجم والآخر المتعلق بجوائز نوبل ـ إذ تم اكتشاف أن ثلاثة من خريجيها قد حصلوا على جوائز نوبل: نجيب محفوظ وياسر عرفات ومحمد البرادعي (!!).
بل إن الحسرة تثور أيضا عند مقارنة الأحوال بما كانت عليه منذ عقود خلت الجامعة "الأم" ـ جامعة القاهرة التي ستحتفل العام القادم بمئويتها.
كثيرة هي المشاكل والأمراض، لكن لعله ليس سرا أن من بين أعتى العاهات التي تفشت في الجامعات المصرية "التعصب الديني". فما أكثر ما نسمع عن حالات تخطي خريج متفوق وعدم تعيينه "معيدا" بسبب "هويته الدينية". وفي بعض الأحيان النادرة كانت الضغوط تنجح في تصحيح الأوضاع، لكن سياسة "تجفيف المنابع"، التي بمقتضاها يجد الطالب القبطي نفسه في السنوات النهائية وقد أصبح حصوله على تقديرات "امتياز" أمرا مستحيلا أو شبه مستحيل، تكفلت بغلق الباب على مجرد إمكانية التقدم لوظائف المعيدين.
وهكذا خفتت أصوات الاحتجاج وقلت الشكاوى؛ ولكن الجميع يدركون، غالبا عبر مناقشات ودردشات شخصية، أن "العاهة" كامنة لم تختف؛ لكن ليس هناك من المعلومات ما يبرهن على وجودها.
***
ومن هنا جاءت فكرة هذه الدراسة التي قررنا فيها الارتكان إلى الأرقام وحدها بعيدا عن المشاعر والانطباعات والشكاوى الفردية التي قد يصعب الحكم عليها بصورة موضوعية قطعية.
وقررنا فيها تجميع ما تيسر من "دليل هيئة التدريس" لكل كلية من الكليات في جامعة ما، ثم استنباط نسبة الأقباط عن طريق تحليل الأسماء الواردة في كل قسم، وطبقا للدرجات الوظيفية: أستاذ وأستاذ مساعد ومدرس (أو محاضر) ومساعد مدرس (أو محاضر) من الحاصلين على الدكتوراه. وأيضا تحليل المكون الطلابي عن طريق مراجعة أسماء الطلبة كما تظهر في قوائم نتيجة امتحانات السنة الدراسية الأولى للعام الدراسي 2006ـ2007 بكل كلية، عند توافرها.
وكان الهدف هو الإجابة على سؤالين محددين:
ـ ما هي نسبة الأقباط بين الأساتذة، مما يعطي صورة للواقع الحالي؛
ـ ما هي نسبة الأقباط في المناصب التعليمية الأدنى، أي "الصف الثاني"، مما سيعطي صورة للواقع المستقبلي.
وقد قررنا البدء بجامعة أسيوط، نظرا لكثرة ما سمعنا عما حدث ويحدث فيها منذ أيام "الجماعات الإسلامية" في السبعينيات والثمانينيات، فضلا عن كونها أول جامعة إقليمية (أي خارج القاهرة والإسكندرية) وأول جامعة تُنشأ بعد الثورة.
وقبل عرض المعلومات، نلفت النظر إلى الآتي:
ـ احتمال الخطأ وارد بالطبع، ولكننا وجدنا نسبة التيقن من الهوية عبر الأسماء عالية جدا، وخصوصا بين الأجيال الجديدة حيث تنامت ظاهرة الاستقطاب "الإسمي" بين المسلمين والمسيحيين على حد السواء، وهي ظاهرة تستلزم البحث والتفسير بواسطة خبراء الاجتماع.
ـ نظرا لأن أسماء المعيدين لم تكن متوافرة في كل الكليات، فقد استثنيناهم من التحليل. كذلك نظرا لأن بعض الكليات لا توضح الدرجة الوظيفية تفصيلا، بل تقتصر على "أستاذ" و "حاصل على الدكتوراه" فقد اضطررنا إلى اتّباع نفس طريقة التصنيف حتى يمكن مقارنة الكليات وتجميع الأرقام على مستوى الجامعة.

***
تشتمل جامعة أسيوط على كليات الهندسة، الحاسبات والمعلومات، العلوم، الزراعة، الطب، التمريض، الطب البيطري، الصيدلة، التجارة، الآداب، الحقوق، التربية (أسيوط والوادي الجديد)، التربية النوعية، الخدمة الاجتماعية، إضافة إلى التربية الرياضية التي لم تتوفر لنا معلومات حولها.
كلية الهندسة وكلية الحاسبات: هناك 6 أساتذة أقباط من بين 102 بنسبة 6%. أما في الدرجات الأخرى (ما نسميه بـ "الصف الثاني") فهناك اثنان بين 149، أي بنسبة 1,3%. بل هناك أقسام "طاهرة" مثل قسم الهندسة المدنية الذي ليس في هيئة تدريسه التي تبلغ 53 قبطي واحد أو قسم العمارة (32 عضوا).
ويمثل الأقباط حوالي 20% من طلاب السنة الأولى.
كلية العلوم: سبعة أساتذة أقباط من بين 147 بنسبة 4,8%. ومن بين 137 في "الصف الثاني" هناك 2 أقباط، بنسبة 1,5%.
ويمثل الأقباط حوالي 19% من طلبة السنة الأولى.
كلية الزراعة: ثمانية أساتذة أقباط من بين 124، بنسبة 6,5%. واثنان من بين 84 في "الصف الثاني"، بنسبة 2,4%.
كلية الطب: هناك 15 قبطيا من بين 249 أستاذا، بنسبة 6% لكن ـ بقدر علمنا ـ لا يوجد قبطي واحد بين 282 في "الصف الثاني". بل إنه من بين الـ31 قسما هناك 19 ليس فيها عضو هيئة تدريس قبطي على الإطلاق؛ فالأمر لا يقتصر على قسم أمراض النساء (32 في مختلف الدرجات) المحرّم شرعا على "غير المؤمنين" (!)، بل يتعداه إلى أقسام العيون والأطفال والجراحة العامة والأمراض الصدرية والجلدية والعصبية والبولية والعظام والأشعة وغيرها...
ويمثل الأقباط حوالي 24% من طلبة السنة الأولى.
كلية الطب البيطري: من بين 94 أستاذا، هناك اثنان (زائد أو ناقص 2) أقباط، بنسبة أقل من 2%، ومن بين 79 في "الصف الثاني" هناك قبطي واحد (زائد أو ناقص 1) أي بنسبة 1,3%.
ويمثل الأقباط حوالي 28% من طلبة السنة الأولى.
كلية الصيدلة: ثلاثة أقباط من بين 41 أستاذا، بنسبة 7% واثنان من بين 62 في "الصف الثاني" بنسبة 3,2%. ويلاحظ أن ثلاثة من بين خمسة أقسام تخلو تماما من الأقباط.
ويمثل الأقباط حوالي 30% من طلبة السنة الأولى.
كلية التجارة: هناك قبطي واحد بين 12 أستاذا، وآخر بين 39 في "الصف الثاني" بنسبة 2,6%.
ويمثل الأقباط حوالي 21% من طلبة السنة الأولى.
كلية الحقوق: أستاذ قبطي واحد بين 15 ولا أحد بين 33 في "الصف الثاني".
ويمثل الأقباط حوالي 11% من طلبة السنة الأولى.
كلية الآداب: لا يوجد قبطي بين 9 أساتذة (أو بين 24 من الأساتذة المساعدين)؛ وإن كان هناك ثلاثة بين 142 في "الصف الثاني"، بنسبة 2%. وهذه هي الحالة الوحيدة التي اضطرت فيها جامعة أسيوط لأن "ترفع" النسبة في الدرجات الأقل!!
ويمثل الأقباط حوالي 24% من طلبة السنة الأولى.
كلية الخدمة الاجتماعية: لا يوجد أقباط بين أعضاء هيئة التدريس البالغ عددهم 19
كليات التربية والتربية النوعية: هناك خمسة أقباط من بين 20 أستاذا، أي بنسبة هائلة هي 25% ـ لكن لا داعي للانزعاج، فليس هناك سوى سبعة (منهم خمسة يُدّرسون الفنون والتدبير المنزلي!) من بين 157 في "الصف الثاني" أي بنسبة 4,5% وهي خطوة لا بأس بها على "الطريق الصحيح"!
وبصفة إجمالية، فإن مجموع أساتذة الجامعة هو 819 أستاذا، من بينهم 48 (زائد أو ناقص 3) أقباط ـ بما في ذلك المحالين على المعاش ممن يطلق عليهم "أساتذة متفرغون" ـ أي بنسبة أقل من 6%. أضف لذلك أنه ليس فقط لا يوجد من بين عمداء الكليات الخمس عشرة قبطي واحد، بل ليس هناك قبطي واحد بين رؤساء أقسامها التي تبلغ 108 قسما.
أما مجموع الأساتذة المساعدين والمدرسين أو المحاضرين والمساعدين من الحاصلين على الدكتوراه فهو 1271 من بينهم 22 (زائد أو ناقص 2) من الأقباط بنسبة 1,7%.
بمعنى آخر، فإنه مع دخول جيل جديد من الأساتذة خلال السنوات القليلة القادمة، سوف تنخفض نسبة الأقباط إلى أقل من ثلث نسبتهم الحالية، التي هي أصلا متدنية بصورة فاقعة. ولا نعرف بعد ذلك إذا ما كانت الجامعة في طريقها لتصبح ذات يوم فرعا من جامعة الأزهر، يحظر دخولها تماما على غير المؤمنين.
وبالمناسبة؛ نلاحظ أن الجامعة، اتساقا مع كل ما سبق، لها 63 من بين أعضاء هيئات التدريس من الموفدين لمهمات علمية بالخارج ـ ليس من بينهم سوى قبطي واحد على أفضل تقدير (من كلية التمريض: ولا نعلم كيف نجحت تلك السيدة الشجاعة في التسرب بغفلة من الأعين المتربصة!!)
***
ولكن يبقى سؤال نتوقع أن يثيره بعض العنصريين المتفلسفين المتنطعين إياهم، وهو: من قال أنه من الضروري أن تكون نسبة الأقباط بين هيئات التدريس أكثر مما هي عليه؟ وهل وصلت الدرجة بالمشاغبين "الطائفيين" لأن يطالبوا بـ "كوتا" حتى في وظائف التدريس؟؟
الإجابة البسيطة هي أنه من الطبيعي للجامعة ـ أي جامعة ـ وخاصة إذا كانت "إقليمية" مثل جامعة أسيوط، أن تعكس مكوناتُها، طلبةً وهيئاتِ تدريس، مكوناتِ الإقليم الذي تقع به. ولما كان الأمر ليس سرا من أسرار الدولة العليا أن نسبة الأقباط في هذا الإقليم، الذي يشمل بصفة رئيسية محافظات وسط الصعيد (أسيوط، والمنيا إلى شمالها، وسوهاج إلى جنوبها)، هي الأعلى بمصر وتزيد على ربع السكان؛ فمن الطبيعي ـ طبقا لبديهيات علم الإحصاء ـ أن تكون مكونات الجامعة في هذه الحدود. وبالفعل، وكما بينّا أعلاه، فإن نسبتهم بين الطلبة المتقدمين لامتحانات السنة الأولي تتراوح بين 19% و 30% (وذلك باستثناء كلية الحقوق حيث تبلغ 11% فقط، وذلك لأسباب تستدعي الدراسة).
إن انخفاض نسبة الأقباط حاليا، وتدهورها مستقبلا، بين أعضاء هيئات التدريس هو أمر شاذ بصورة تخرق العين، لكن لا أحد يطالب بـ "كوتا" بل فقط نقول: إما أن الأقباط قد أصيبوا بغباء وبائي جمعي حاد، وفي هذه الحالة نطالب بحملة قومية تشارك فيها المنظمات الدولية المعنية، بهدف علاجهم بصفة عاجلة؛ أو أن الخلل يرجع لأسباب "أخرى" خارجة عن إرادتهم!
لا يمكن لهذا الخلل الفاحش أن يكون اعتباطا أو صدفة أو نتيجة لتصرفات استثنائية من بعض "أصحاب القلوب المريضة"، كما يستحيل أن يكون خافيا على "كبار المسئولين" (وإلا اتهمناهم بالتقصير في عملهم، بينما هم يعرفون "دبة النملة" في كل ركن من أركان الكنانة)؛ وبالتالي لا يمكن فهمه إلا باعتباره:
ـ نتيجة لسياسة "تطهير عنصري ديني" (religious cleansing) متعمدة يتم تنفيذها بهدف أن تدخل نسبة الأقباط تحت خط الـ 2% الشهير الذي يمثل سياسة عليا للدولة، جري ويجري تطبيقها بتؤدة وهدوء وإصرار لا يلين على مر السنين؛
ـ أو نتيجة لصفقة "شراكة" عقدتها الدولة مع التيارات الظلامية في الثمانينيات، وبمقتضاها يحتفظ الحكام بهيلمان وأبهة ومنافع كرسي الحكم، في مقابل أن تسيطر تلك التيارات على التعليم والإعلام والشارع؛
ـ أو مزيجا مما سبق، حيث لا يوجد اختلاف حقيقي بين التفسيرين.
***
الاستنتاج النهائي البديهي هو أننا إزاء كارثة مقززة يندى لها الجبين، وصلت حدّاً يُثير مشاعر يختلط فيها الغضب والإحباط والحزن على الدرك الهمجي الأسفل الذي نزلت إليه مستويات "الأخلاقيات الجامعية"، وعلى الهاوية التي انحدرت إليها مصر.
ونتساءل أخيرا: هل يمكن بعد كل هذا أن يزعم مسئول، مهما علا منصبه، أن الأقباط يتمتعون بحقوق مواطنة في بلادهم؟ وأيُّ مصيرٍ أسود ينتظر الأقباط الذين يجرى تهميشهم وإقصاؤهم في وطنهم بلا هوادة؟
بل، وهو الأهم، أيُّ مصيرٍ ينتظر بلدا تُذبح فيه أبسط مباديء المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص على يد مسئوليه علنا وبلا خجل؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمين العام للأمم المتحدة: نحث الأطراف بقوة على التوصل لاتف


.. اعتقال مرشحة للرئاسة الأمريكية في احتجاجات داعمة لغزة




.. نشرة الرابعة | اتفاقيات سعودية أميركية -قريبا-.. وعمليات -سع


.. سيناريو إصدار مذكرة اعتقال دولية بحق نتنياهو




.. سباق مع الزمن لتفادي المجاعة في قطاع غزة • فرانس 24