الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجل الأمن و حدود سلطته

نجيب المدفعي

2007 / 11 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حادثتان، قد يواجه العديد منا مثلهما يوميا، رُويت لي أولاهما و شهدتُ أخراهما. و هما على بساطتهما إلا أن لهما دلالة. الأولى تتعلق بسيدة من أقاربي تقود سيارتها بنفسها. إذ عند مرورها بإحدى نقاط التفتيش المنتشرة في بغداد، يبدو أنها عبرت عن امتعاضها لرجل الأمن القائم بالتفتيش. فكان جوابه "ضعي حجابا على رأسك قبل أن تتكلمي". فالسيدة غير محجبة و رجل الأمن غير مستعد لسماعها لأنها "سافرة".

الحادثة الثانية، و التي شهدتها، كانت عند إحدى نقاط التفتيش في الأسبوع الأول من شهر رمضان. كان رجال الأمن يفتشون السيارات الواحدة تلو الأخرى تفتيشا دقيقا، مما أحدث زحاما شديدا. و لا أكتمكم سرا، كنت مسرورا لدقة التفتيش رغم التأخير الشديد الذي أحدثه. فقد جعلني أشعر بدرجة أعلى من الثقة برجال قواتنا المسلحة، و أعطاني جرعة إضافية من الإحساس بالأمان.

عند وصول الدور في التفتيش إلى السيارة التي تسبقني، سأل أحد ركابها الجنود عن ماء للشرب، فخاطبت الجندي القريب مني ممازحا "يبدو أن الجماعة ليسوا صائمين". هنا انتفض الجندي، و أشار بيده إلى صندوق من الكارتون ملقى على الرصيف و قد ظهرت بعضا من محتوياته، التي لم أتبينها جيدا، و قال " لا بأس أن يطلب هؤلاء ماءً، و لكن ما قولك في هذا !" فسألته " ما الذي تقصده؟" أجابني " إنه كارتون مشروبات كحولية. عثرت عليه في الصندوق الخلفي لإحدى السيارات التي مرت من هنا، فقمت بمصادرته و إتلاف محتوياته". لم أعقب، فالحديث كان عابرا و تمّ أثناء تفتيش سيارتي.

الحادثتان تثيران سؤالا: ما هي حدود سلطة رجل الأمن؟ فرجل الأمن يمثل مؤسسة، أهم واجباتها تطبيق القانون من خلال أوامر و تعليمات تصدر لمنتسبيها. و مما نسمع، أن قوى الأمن العراقية الجديدة يتم تدريبها على احترام حقوق الإنسان، و منها الحريات الفردية. و طالما لا يوجد نص قانوني يمنع المرأة من "السفور" أو أخر يمنع حيازة المشروبات الكحولية، فليس من حق رجل الأمن أو أي موظف في مؤسسات الدولة أن يقرر من خلال اجتهاد شخصي ما هو المسموح و ما هو الممنوع.

لكل منا خلفيته الاجتماعية و الدينية و السياسية، لكن ليس من حقنا فرض رؤانا على الآخرين. إن من يعمل في مؤسسة ما، عليه التمسك بأنظمة و سياقات عمل هذه المؤسسة حتى و إن اختلفت مع بعض قناعاته، و إلا آلت الأمور إلى الفوضى. و المسؤولية في رفع مستوى أداء مؤسساتنا الأمنية يقع على عاتق الرؤساء الأعلى الذين يتوجب عليهم التأكيد على مرؤوسيهم بضرورة احترام المواطن مهما كان "تافها" أو "متعجرفا" في نظر رجل الأمن.

رجل الأمن يجب أن يتمتع بقدرات مهنية عالية، تتيح له التعامل مع مختلف أنواع الناس و مختلف المواقف. و ما أحداث الزيارة الشعبانية في كربلاء إلا مثال على الحاجة لرفع مستوى إعداد رجال الأمن في واحد من أكثر الأماكن التي تتعرض على مدار الساعة لحركة جموع كبيرة من الناس تتطلب قدرات فنية عالية للتعامل معها. و هذه القدرات لا تتأتى إلا من خلال التدريب المستمر و مراقبة أداء هذه القوات.

قوات الأمن مطلوب منها كسب المواطن من خلال احترامه، لا بل تحمل و تفهم كل ما يصدر من بعض المواطنين الذين قد ينفعلون وتبدر منهم سلوكيات استفزازية. فرجل الأمن محترف و يتعامل مع المواطنين بمختلف مشاربهم. نريد من رجال أمننا أن يرسخوا في عقل كل مواطن، أنهم الضامن الوحيد لأمنه و سلامته.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلينسكي يحذر من خطورة الوضع على جبهة القتال في منطقة خاركيف


.. لماذا يهدد صعود اليمين مستقبل أوروبا؟




.. بيوت منهوبة وافتقار للخدمات.. عائلات تعود لمنازلها في أم درم


.. زلزال قوي يضرب غواتيمالا




.. ترقب في إسرائيل لقرار محكمة العدل الدولية في قضية -الإبادة ا