الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحاكم الأدبية في مصر..ارتباك المثقف والسلطة

علي المقري

2007 / 11 / 2
الصحافة والاعلام


ها هو المفكر والكاتب المصري جابر عصفور يُطلب بدوره إلى المثول أمام محكمة عابدين في القاهرة ، مع عدد من الكتاب والصحافيين في المؤسسات الصحافية المصرية كـ (الأهرام) و(أخبار اليوم) و(أخبار لأدب) و(المصور) بدعوى أنهم وصفوا الشيخ يوسف البدري في مقالات لهم بأنه متطرف ،على خلفية القضية التي حكمت فيها محكمة جنوب القاهرة ببيع أثاث منزل الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي بعد أن أمتنع عن دفع 20ألف جنيه للبدري الذي كان قد أدعى أن حجازي وصفه في مقال له بـ(التطرف ولإرهاب ومعاداة الفكر والإبداع).
وفي الحقيقة ليس من المستغرب صدور حكم كهذا على حجازي ولا على صدور أحكام قادمة مماثلة على جابر عصفور وجمال الغيطاني وعزت القمحاوي و محمد شعير وأحمد الشهاوي .

لكن المستغرب حقيقة أن يكون حال القضاء في (أم الدنيا) كما هو عليه الآن، باعتماده على مرجعيات فقه الحسبة وقوانين محاكم التفتيش؛ والأغرب أن يحاول بعض المثقفين المصريين الرجوع إلى هذا القضاء نفسه،بدلا من العمل على إصلاحه وتغيير قوانينه، كمحاولة جابر عصفور وجمال الغيطاني وحمدي الاسيوطي في رفعهم دعوى تشهير ضد البدري.

وكأن القضاء الذي حكم بتطليق ابتهال يونس من زوجها المفكر نصر حامد أبوزيد، لأنه صار مرتدا عن الإسلام، لم يكن منحازا بقوانينه الصادرة إلى جبهة البدري وعبد الصبور شاهين ومن يماثلهما.

فهل ما قام به البدري مع شاهين ضد نصر أبو زيد وصدور حكم التفريق الزوجي، والتشهير به قبل هجرته من مصر إلى هولندا هرباً من أي اعتداء عليه من قبل المتطرفين باعتباره مرتداً بحكم قضائي، يعتبر عملاً (شرعياً)، وغير متطرف ولا ينتمي إلى الإرهاب الفكري ؟.

يقول البدري في تصريحات صحافة أنه هو الذي وزع أدبيات الحكم على حجازي لوسائل الإعلام و((قصد بطلب الحجز على أثاث منزله أن يثير من حوله كل هذه الزوابع بهدف التشهير به)) ، فيما ألتزم حجازي الصمت وفوجئ بالحكم منشورا ومتداولا، حسب تعبيره. لكن، ومع هذا التصريح والاعتراف من البدري، نجد الدكتور مصفى عبدالغني رئيس القسم الثقافي لأبرز صحيفة مصرية(الأهرام) يقول في تصريح له أن ((حجازي استغل الأمر بشكل كبير جداً وحوله إلى ما يشبه (البروباجندا) وراح يستثمر القضية من أجل صناعة مجد فكري وأدبي)).

ولا يختلف كثيراً هذا الموقف على مواقف بعض الأدباء الذين وجدوها مناسبة، أيضا، لمحاكمة حجازي على آرائه في قصيدة النثر، وتخاذله في بعض قضايا الحريات كاستجابته لحذف مقاطع من قصيدة لحلمي سالم في مجلة (إبداع ) أعترض عليها البدري نفسه.

وإذا كانت بعض ملاحظاتهم جديرة بالنقاش والتقبل من قبل حجازي إلا أن عدم رؤيتهم للمأساة الكبيرة التي يواجهونها تحت دعاوي الحسبة وقوانينها العتيقة يكشف مدى الارتباك الذي تعيشه الحياة الثقافية في مصر.

ويبدو أن الارتباك لا يخص المثقفين، من أدباء وكتاب وفنانين ومشرعي قانون، بل يشمل مؤسسة السلطة المصرية، أيضاً.

ففي الوقت الذي نجد فيه السلطة المصرية تقوم بمواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة، سواء تلك التي تقوم بممارسات إرهابية، أو تلك التي تمارس خطابا دينيا في ممارستها السياسية، نجدها في الوقت ذاته تُبقي على قانون قضائي يعتمد حق الحسبة الذي صار سلاحاً دينيا لإرهاب المثقفين الذين ينتقدون المؤسسات الدينية.

بل أن قوانين كهذه تقوم بإرهاب مؤسسات الدولة نفسها عبر محاكمة القائمين عليها من مفكرين وصحافيين ومسؤولين، فالشاعر أحمد عبد المعطي حجازي لم يحاكم فقط لأن الشيخ يوسف البدري أتهمه بالسب والقذف،وإنما أيضا سبق أن رُفعت ضده دعوتان من البدري نفسه بصفته رئيسا لتحرير مجلة (إبداع)الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب التابعة لوزرة الثقافة ، الأولى لنشره قصيدة للشاعر عبدالمنعم رمضان،و الثانية لنشره قصيدة للشاعر حلمي سالم في المجلة ذاتها. وفي الدعوتين كانت التهمة هي نشر ما يمس العقيدة الإسلامية، كما أن جابر عصفور والكتاب الآخرين هم أيضا من مسؤولي مؤسسات الدولة الثقافية. ومحاكمتهم تعني أيضاً إبعاد التوجهات الثقافية الحديثة من مؤسسات الدولة. ولعل الدعوى التي رفعها البدري أيضاً، ضد وزير الصحة المصري لمنعه إجراء عمليات ختان الإناث في المستشفيات،والدعوى التي رفعها ضد وزير الثقافة لمنحه جائزة الدولة التقديرية للشاعر حلمي سالم تشيران إلى مستوى التغلغل الذي بلغه رجل الدين بتدخله في كل ممارسات مؤسسات الدولة، ولا يختلف عن أولئك الأرهابيين الذين يكفرون النظام القائم ويقومون بالتفجيرات والإرهاب إلا باستخدامه مؤسسة القضاء وممارسة الإرهاب الكهنوتي بحسب الشرع، وطلبا للحسبة.

وإذا ما أضفنا، إلى ما سبق، الدعوى التي رفعها البدري ضد المتنصر المصري محمد حجازي لاعتناقه ديناً آخر، إلى جانب ما يقوم به رجال الدين في التدخل بكل أمور حياة الناس بالتحديد لهم ماذا يأكلون وماذا يشربون وماذا يلبسون وكيف ينامون وكيف يمشون، لوجدنا أن هؤلاء صاروا يمارسون دورا كهنوتيا بامتياز مع أنهم يؤكدون في أحايين كثيرة أن الإسلام لم يعرف الكهنوت كمثل بعض الديانات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ماذا عن إصدار محكمة عسكرية حكما بالسجن سنة بحق المعارض


.. مشاهير أمريكا. مع أو ضد ترامب؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الولايات المتحدة وإسرائيل ..الدعم العسكري| #التاسعة


.. ما هي التقنيات الجديدة لصيانة المباني الشاهقة؟




.. حماس تتهم إسرائيل بقطع الطريق على جهود الوسطاء | #غرفة_الأخب