الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عادات المصريين في خطر

باهر محمود عبد العظيم

2007 / 11 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تعرضت الشخصيه المصرية لعدة هجمات ثقافية فى الربع قرن الماضى ادت لتغيير كثير من ملامحها ومحو بعض تفاصيلها نهائيا , وتعددت مصادر تلك الهجمات ما بين خليجيه متزمته او امريكيه متحررة , ورأينا العديد من التناقضات التى حلت على الشخصية المصرية كنتيجة لتأثير تلك الجهات عليها , ومع مرور الوقت وتردى الحالة الاقتصاديه والثقافية تغلب جانب التزمت على جانب التحرر , وسادت عادات وتقاليد جديدة لم يعهدها المجتمع المصرى من قبل , وتعتبر هجرة المصريين كعمالة للخليج فى بداية الثمانينات من اهم اسباب ذلك التغير , خاصة مع بداية حرب الخليج الثانية وعودة الكثير منهم هربا من جحيم الحرب , وقد عادت تلك العمالة محملة بعادات وثقافات بدوية مخلوطة بالدين ومتأثرة بالفكر الوهابى والسلفى لتفرض شكل جديد من الحياة على المجتمع المصرى , ونظرا لطبيعة المصريين العاطفية تجاه الدين حدثت التغيرات سريعا فى غفلة من المؤسسات الثقافية والاجتماعية التى كان عليها دور هام من خلال توعيتها للمواطنين بالاسلام الصحيح والبعد عن التشدد والفكر الصحراوى المختلط بالاسلام , الا اننا فوجئنا بتوغل التيارات الاسلامية المتشدده وفرضها للكثير من افكارها بصورة ادت "لدروشة" المجتمع المصرى وتخليه عن وسطيته المعروف بها .
وساعد مثلث دول العالم الثالث المعروف ( الجهل , الفقر , المرض ) على المزيد من التدين المظهرى وشيوع الخرافة والاساطير بين الطبقات المتوسطة والفقيرة والتى تمثل اغلبية المجتمع المصرى , وقد اعتبرت تلك الطبقات الدين هو الملاذ الاخير والطريقه الوحيده لكسب الآخره بعد خسارتهم الدنيا .

اما عن التأثر التزمتى الدينى كان اهم ملامح تغيره فى مقدمتها تدهور واحتقان العلاقة بين المسلمين والاقباط , ففى الفترة الاخيرة شهدت مصر العديد من حوادث الفتنة الطائفية التى لم تكن بهذه الدرجة من العنف والطائفية من قبل , واضحت ثقافة الانقسام هى الثقافة السائدة ولغة الحوار الوحيدة بين الطرفين , وراينا ما حدث فى الاسكندرية نتيجة لتسرب غير معروف مصدره لسى دى محمل بمسرحية قيل انها اساءت للاسلام , وراينا تفجر قضية اختطاف المسيحيات وارغامهن على الدخول فى الاسلام , واستحوذت قضية "وفاء قسطنطين" على اهتمام الراى العام لفترة ليست بالقصيرة , وبدأت حرب الفتاوى تنتشر بين الطرفين , فمن ناحية ظهرت فتاوى اسلامية تمنع تعامل المسلمين مع المسيحيين سواء من ناحية العلاقات الانسانية او التجارية او حتى المصافحة والقاء السلام , ومن ناحية اخرى اتخذ المسيحيين لانفسهم "جيتو" اجتماعى ليزداد انفصالهم عن المسلمين , وبدأت الفتاوى المسيحية تظهر وتشير الى المزيد من العزله والابتعاد , ثم تطورت لاعلانهم انهم مضطهدين ولهم حقوق كثيرة مهضومه وحان وقت اعادة النظر فيها , واختفى تماما شعار الوحده الوطنية وحل محله شعارات اخرى تحتوى على "هم" و"نحن" , وفشلت الكثير من المحاولات التى بذلت لتجميع الصف مرة اخرى مع وقوف المتطرفين من الجانبين ضد الوحدة والمصالحة , وظهرت الدعوات المطالبة بعودة الجزية او الطرد من ناحية , ومن ناحية اخرى ظهرت الدعوات التى تنادى بعودة مصر الى الهوية الفرعونية بدلا من العربية , واستمرت ثقافة الانقسام فى بسط سيطرتها على المجتمع حتى وصلنا لمرحلة رفض الآخر فى اى مناسبة حتى لو فى الرياضة .

اما عن ملامح التغيير في سلوك المصريين فقد كان لعامل الاعلام الخليجي دور كبير فى التأثير على ثقافة المواطن المصرى البسيط الذي فوجىء بانتشار الكتيبات ذات الطبعة الفاخرة وشيوخ الفضائيات والفتاوى من كل حدب وصوب , ووجد نفسه محاصرا من جميع الاتجاهات بالفكر الوهابى الداعي دوما للتحريم والغاء العقل ووقف الاجتهادات , فوجدنا من ينادى بالعودة لعصور الاسلام الاولى بكل عاداتها وتقاليدها من تناول الطعام باليد وارتداء الجلباب واطالة اللحية مع حف الشوارب , وذهب اّخر لضرورة تحريم جميع الاعياد بما فيها الوطنية (لعدم اعتراف الاصوليين بما يسمى وطن) والاعياد الفرعونية مثل شم النسيم او حتى اعياد مثل الحب او عيد الام , واكتفوا فقط بالعيدين الاسلاميين الصغير والكبير وحرّموا حتى الاعياد الدينيه المصرية مثل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف , ثم فوجئنا بمن يدعو للاهتمام بالمظهر والطقوس على حساب الجوهر , فانتشرت ظواهر مثل الحجاب والنقاب مع استخدامهم كوسيلة دينيه مظهرية بلا سلوك دينى حقيقي يدعمهم , وانتشرت تناقضات مثل الاهتمام بالصلاة وتقبل الرشوة , او قضاء بعض موظفي الهيئات الحكومية وقت طويل فى الصلاة على حساب خدمة الجمهور , وظهرت الميول التحريمية فى شتى مناحى الحياة , فانحاز رجال الدين للتحريم على حساب التحليل لدرء الشبهات , واستخدمت تفسيرات القراّن المتشدده والاحاديث النبوية الضعيفة كاداة لفرض الفكر التحريمي , واكتسب رجال الدين قداسة وحصانة لم تكن معروفة سابقا في الاسلام الذي نهى عن وجود رجال دين , واصبح نقدهم محظور ومواجهتهم ممنوعه , ووجدنا كل من يطلق لحيته ويرتدى الجلباب يسمى "شيخ" ويعامل باحترام مبالغ فيه ويطلق الفتاوى اينما ذهب , واصبحت ابسط الامور الدنيوية محل سؤال المواطن المصرى لطلب الفتوى فيها , وظهرت فتاوى مثل تحريم شفرة الحلاقة وحرمانية خلع المرأه ملابسها امام الحيوانات ..... الخ , ثم انتشرت ظاهرة التجارة بالدين والفتاوى المعلبة فى الفضائيات , فظهرت منتجات مثل التليفون الاسلامى او الاعشاب الاسلامية التي جاءت كنتيجة لانتشار ما سمىّ بالطب النبوى , وراجت تجارة الكتب التى تدعو لنبذ علوم الطب الحديثه والاتجاه لطب الاعشاب , وانتشرت مقالات الاعجاز العلمي التي نسبت كل الاكتشافات الطبية الحديثة للاسلام , بل واتجهت لعلاج الامراض المستعصية على العلم مثل انتشار اسطورة الحمامة التى توضع فوق السرة لسحب فيروس سي او التداوى ببول الابل , واتجه المواطن المصري لتلك العلاجات نتيجة لتأثره بالاعلام وفقره ومرضه , وانعكس ذلك بالتبعية على سلوكياته التي انحازت للخرافة على حساب الاهتمام بالعلم والثقافة .

وبعد ان كانت مصر منارة الثقافة والفنون تغيرت نظرة المصريين للفن باعتباره من المحرمات , واتجه نجوم السينما والغناء فى السبعينات والثمانينات الى الاعتزال واعلانهم توبتهم عما ابدعوه من فنون , وظهروا فى الفضائيات لدعوة زملائهم للتوبة قبل الحساب , واستغل اّخرون الدين كوسيلة لكسب الجمهور وتحقيق الارباح المادية , فاتجة كثير من نجوم الغناء الحاليين الى الاغنية والكليب الدينى , بل واتجه اّخرون لرفع الآذان فى الجوامع القريبة من منازلهم , وتقمص البعض دور المدافعين عن الاخلاق والدين فابتدعوا مصطلح"السينما النظيفه" فى محاولة لكسب الجمهور المتدين , ثم فوجئنا بتولى رجال الدين مهمة الرقابة على جميع اشكال الفنون , فوجدنا شيوخ الازهر يحرمون تداول كتاب او مشاهدة فيلم معين , وطلبة الازهر يتظاهرون لفقرة في كتاب لم يقرأه اغلبهم , وشيوخ الفضائيات يزعقون بحرقة لاعتراضهم على مشهد سينمائي , ثم انتقلت العدوى لاعضاء مجلس الشعب الساعين لتجديد ترشيحهم , فوجدنا الاستجوابات تنهال على روائي او مخرج لانه لم يراعي شروطهم الاخلاقية والدينية فى عمله وتترك في نفس الوقت مسئول فاسد يمرر مبيدات مسرطنة او يحتكر سلعة استراتيجية , واصبح المواطن المصري ينظر للفن ليس باعتباره متذوقا له وانما مراقبا لكل كبيرة وصغيرة فيه وحكما على ضمير صنّاعه .

التدين في مصر ابتعد تماما عن معنى الدين في حد ذاته , فانتقل من وسيلة لضبط الاخلاق ولتنظيم علاقة الانسان بربه الى مزايدة على من الاكثر تدينا والمنافسة على من يثبت انه الاكثر تطرفا , وتدخل الدين في كل صغيرة وكبيرة حتى اصبح كل تصرف مرتبط بمدى قربه او بعده من الحلال والحرام , واعتقد المصريون انهم من فئة الملائكة الممنوع عليها الخطأ فاصبحوا يراقبون تصرفاتهم ويحسبونها بدقة خشية الوقوع في اى خطأ , على الناحية الاخرى انتشرت الرشوة وانعدمت الاخلاق واختفى الضمير وحلت المظاهر محل التصرفات , وظهر التناقض فى سلوكيات المصريين ما بين التزمت والفوضى , وتغيرت العادات للتماشى مع عادات بدوية اختلطت بالدين , واختفت الشخصية المصرية تحت تأثير الاعلام الصحراوى , واذا لم تنتبه المؤسسات الثقافية لما يحدث سيستمر التدهور وسينغلق الشعب المصرى اكثر وينسى انه كان مصدر ومصّدر للثقافة قبل ان يصبح متلقي ومستورد لها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب