الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آن للحزب الشيوعي اللبناني أن ينهض

مرسيل خليفة

2007 / 11 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ليس لليسار اللبناني، وللشيوعيين بالذات، حجة لتبرير حال الانقسام والتشرذم التنظيمية التي تعيشها الأطر السياسية والحزبية منذ عقد ونصف عقد. محمولة على حال من الالتباسات الفكرية والمعرفية تستبد باليسار فتحجب عنه الاسئلة الكبرى التي كانت سمته وعنوان فرادته في ما مضى. ليس ما يبرر به تلك الحال الاستثنائية التي توشك بتصفية ميراثه النضالي. فالأسباب التي قضت بالحاجة الى وجوده والى ميلاد أطره السياسية والتنظيمية وانبثاق خياره الفكري والثقافي قبل عقود، هي عينها الأسباب التي تقضي بالحاجة الى تجديد الرسالة والدور اللذين نهض بهما منذ البدايات. ليس في هذا القول مكابرة نفسية تأبى الاعتراف بما تصدع وتداعى في عمران الفكر والسياسة لدى اليسار والشيوعيين، ولا هي محاولة لإنتاج قراءة تبريرية تلتمس الأعذار لخراب ذلك العمران من خلال إبراء ذمة اليسار من مسؤولياته في ما حق به من أزمات عميقة عجّلت بتفكيك كيانه وتعطيل دوره، بقدر ما هي محاولة للتذكير بجملة من الحقائق ليس خليقا باليسار أن يذهل عنها أو يُخطئ قراءتها حتى في اللحظة المعتمة التي تحمل على السوداوية في الرؤية. أولها أن اليسار هو الكيان الفكري والسياسي والتنظيمي الوحيد الذي يملك أن ينطق باسم الكتلة الشعبية الواسعة المحرومة من الثروة والسلطة، وهي الكثرة الكثيرة في المجتمع اللبناني، وقد زاد عديد جمهورها بعد انهيار الطبقة الوسطى، وخراب الاقتصاد الوطني، وتغوّل الفساد، وتفاقم المديونية. ولقد جرى، ويجري، تزوير التمثيل السياسي لهذه الكتلة الشعبية ومصادرته من قبل المؤسسات الطائفية التي أقامت اصطفافات عمودية ألغت التركيبة الطبقية الاجتماعية المتمايزة في المجتمع وأعادت بناء تنضيد جديد لها «يتحد» فيه المالكون والمحرومون في بنية واحدة (= الطائفة).
وحده اليسار أفلت من اللوثة الطائفية وصان شرفه الدمقراطي والعلماني بصرف النظر عن ضمور قوته في ميزان التوازن الداخلي (بسبب الحرب الأهلية وتبعاتها على الاجتماع المدني اللبناني).
وهذا، في ما أحسب، رأسمال رمزي ـ بل مادي ـ كبير في رصيد اليسار الاشتراكي اللبناني، يُفترض التمسك به وتغطيته من خلال استئناف دوره النضالي في أوساط القوى الشعبية وانتشال جمهور الناس من براثن، ومن قيود، التمثيل الطائفي: لتصحيح التمثيل وإعادة بناء الحياة السياسية على أسس مدنية.
وثانيها أن القضية التي أسست لوجود اليسار وبررت له ذلك الوجود (نعني الاشتراكية) ما برحت تفرض نفسها قضية معاصرة وشرعية. نعم، انهار الاتحاد السوفييتي وأطيح بالمعسكر الاشتراكي، لكن الاشتراكية والعدالة الاجتماعية لم تقض تحت أنقاض ذلك الانهيار، إنها باقية ما بقي استغلال وحيف وحرمان وفوارق بين الطبقات وظلم في توزيع الثروة.
الفقر والبؤس والتهميش هي ما يسبغ الشرعية على الاشتراكية لا دولة أو حزب شيوعي حاكم. هل انتهت فكرة الحرية التي أطلقتها الثورة الفرنسية في العام 1789 لمجرد أن الدول الليبرالية الأوروبية تحوّلت الى قوى استعمارية تستعمر مجتمعات أخرى وتستعبد شعوب مستعمراتها وتصادر حريتها في تقرير المصير والاستقلال؟
هل انتهت الدمقراطية الغربية حين قامت النازية والفاشية في الثلاثينيات والأربعينيات؟ لا، لم تنته: استمرت أكثر بريقا، وتضاعف جمهورها في العالم. لماذا؟
لأنها أفكار كبرى ألهمت البشرية، ولأنها وحدها التي تعطي للعالم والحياة والوجود الانساني معنى. الاشتراكية من سلالة هذه الأفكار العظيمة. من يعتقد أنها انتهت، فقد انتهى في وجدانه ذلك الأمل العظيم وانتهى في عقله حسّ التبيّن...
وثالثها أن اليسار اللبناني وحده حمل مشروعا دمقراطيا لحل أزمة النظام الطائفي في البلد. الحاجة اليوم الى هذا المشروع أمسّ مما كانت عليه أمس بعد أن أمعن النظام نفسه في طائفيته وعمم علاقاتها على معظم الاجتماع السياسي والأهلي. إن الفرز الطائفي بلغ اليوم مدى لم يبلغه حتى في ذروة الحرب الداخلية، وتكاد حدوده تصبح حدودا سياسية وجغرافية بعد أن كانت نفسية وثقافية. والدولة في البلد على مثال ذلك الاصطفاف الطائفي، ويُخشى ـ إن استمر الفرز متناميا ـ أن تسقط البقية الباقية من الروابط الوطنية الجامعة بين اللبنانيين فنصحو فجأة على مجتمع لا شعب فيه إلا ما كان من كونفدرالية طوائف وقبائل قائمة على حذر متبادل. ومرة أخرى، لا أحد يملك جوابا برنامجيا على أزمة النظام الطائفي سوى اليسار الحامل للمشروع الدمقراطي العلماني.
آن لليسار، وللحزب الشيوعي بالذات، أن يخرج من انكفاءاته المريرة ومن حال الانقسام المستبدة به منذ نهاية الحرب، ليعيد ترميم ما تصدّع في كيانه السياسي والتظيمي ومسؤوليته التاريخية في أن يكون على قدر موجبات هذه المرحلة. وهو قطعا لن يكون على ذلك القدر دون أن يستعيد وحدة مجموعاته مقدمة لإعادة توحيد اليسار اللبناني.
آن لحزب فرج الله الحلو وجورج حاوي وقافلة شهدائه وشهداء «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» أن ينهض من تحت حطام المرحلة كي يسهم في بناء أفق جديد للشعب والوطن. وذلك أكبر وفاء يمكنه أن يقدمه لأولئك الشهداء الكبار وتضحياتهم.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين في غارات جوية إسرائيلية على


.. رويترز: مقتدى الصدر يمهد لعودة كبيرة من باب الانتخابات البرل




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وسلوفينيا| #عاجل


.. انطلاق فعاليات تمرين الأسد المتأهب في الأردن بمشاركة 33 دولة




.. اليوم التالي للحرب في غزة.. خطة إسرائيلية وانتقادات لنتنياهو