الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوخو

البتول المحجوب

2007 / 11 / 5
الادب والفن


الرابعة فجرا، تختنق صرختها وتجف دمعتها.بأصابع مرتعشة تحاول إغماض جفنيه..تشعر بالبرد يسري في أوصالها،تمسك كفه بحثا عن دفء مفتقد،تضع خدها على كفه وتغمض عيناها الساهرتان قرب سريره،لترحل بعيدا بحثا عنه في طيات المجهول.بحثا عن دفء نظراته،عن بسمته المشرقة، عن كلماته العذبة وعنه بين شباب الحي..تتراى لها صورة أمه الدامعة العينين نحو يده المودعة، يوم رحل بعيدا نحو المجهول من أجل قضية ما..هاربا من دموعها المنسكبة،هاربا من توسلاتها، من صوتها الشجي، من أنفاسها المترعة برائحة وطن مدفون في الرمال،هاربا من رائحة الثرى المبتل ومن مرابع البدو الجميلة..
رحل بعيدا بعيدا، ليعود بعد سنين طوال مبتور الساق،يتكأ على عكاز. دون شعره الطويل و دون لحيته الكثة. حتى ابتسامته فقدت إشراقها بعد اتكاءه على عكاز وساق اصطناعية.
يحتفل رفاق الأمس بعودة”الكوخو”إليهم ،باسمه الحركي الذي أنساه الاسم الذي عمدته الأم به، يوم عانق مرابع البدو.يبتسم في صمت حزين مجاملة لهم.يبدوان أرصفة المنافي الطويلة غيرت عاداته الجميلة. يميل للصمت،الهدوء والحذر أيضا.أين الصخب الذي كان يملأ المكان بحضوره..؟أين البسمة المشرقة..؟بل أين الضحكة المجلجلة التي تهز أركان البيت..؟
عادة واحدة اتسم بها دوما، بقيت على حالها،عشقه الجميل للأم..لرائحةأنفاسهاالدافئةدوما.يقترب منها يمسك طرف لحافها الأسود يمرره على وجهه،يشم رائحتها.يطلب قطعة من اللحاف يضعه في جيب سترته،علّه يكون زادا لرحلة قادمة..تمر السنين ليعود لعيادة باردة الزوايا في مدينة كبيرة وموحشة.
يُهاتفها بخبر مرضه، طالبا منها أن تُطمئن الأم الطيبة دون إخبارها بالمرض اللعين .تشد الرحال صوب المدينة البعيدة الكبيرة والموحشة أيضا، لتكون قربه.فالمرض الخبيث أخذ بالأمس ساقه،واليوم يٌطارده من جديد،من منفى الى أخر، ليحط الرحال أخيرا ببقعة الوطن المنسية على مشارف المحيط.
بحثا عن الخلاص في حضن أمه.ينتشر المرض الخبيث بسرعة كـأنه ينافس الحياة على هذا الجسم الممد في عيادة باردةالارجاء.يشعر بالغثيان من العلاج السام. الليل متأخر وطويل،الأنين يكاد لاينقطع في أرجاء العيادة الموحشة.يبدو أن الممرضة المناوبة نامت.وتيرة الأنين في تصاعد.تسرع بخطواتها نحو مصدره الذي يشق سكون الليل،لتجد شابة في مقتبل العمر غلبها الغثيان والدوران.تسندها قليلا تمسح أثار الغثيان عنها تقدم لها كأس ماءوتساعدهافي العودة لسريرها علّها تغفو قليلا..وتستريح.بدأانينهايخف بعد أن أفرغت السم من معدتها.تعود الى ركن الغرفة الباردة تجلس على كرسي قرب سريره تظل تراقبه حتى تغفو عيناه فتغفو عيناها الساهرتان قربه.
تجلس كل صباح على طرف سريره،تقرأ له ماتيسر من اخبارعلها تخفف وطأة الألم. بإشارة من يده توقف القراءة..يكتب لها كلمة على قصاصة ورق، طالبا صحفا اسبانية.تشعر بالألم لجهلها لهذه اللغة التي يعشقها.تجلب له ماطلب،يتصفح الجريدة بعينين متعبتين وحزن عميق يمحو بريقهما.تقوم من مكانها لتعطيه حبة الدواء. يرمي الحبة أرضا،ترجوه بلطف. ينظر الى وجهها الحزين،الى عينيها بحثا عن أمل ما،تتحاشى نظراته.فهي تعرف أن الشفاء بيد الله الواحد الأحد، وليس في حبات السم هذه. دقات على باب الغرفة الباردة. بعض الزوار..تطلب الإذن منه يرفض بحركة من يده.يرفض الزيارات،يرفض النظرات المشفقة ويرفض العلاج أيضا. تُقاسمه الألم، الوحدة الموحشة ورائحة الأدوية في عيادة يبدد دفء كفيه برودتها.تسنده قليلا لتغير ملابسه.تتألم لرؤية جسمه النحيل. تقوم بتدليك خفيف لكتفيه علّ الدم يسري في أوصاله، لكن سرعان ما تغلبها الدموع المنهمرة دون استئذان. تحط برأسها على كتفيه يشعر بدفء دموعها.
يحتضن وجهها المبلل بالدمع بين كفيه، يمسح بقايا دمع ويمسد شعرها علها تهدأ. تضع رأسها على صدره وتغفو عيناها..
بعد لحظات ترفع رأسها، لتجده ممددا دون حركة،عيناه شاخصتان إليها في ابتسامة منكسرة على الشفاه وكلمة ماتت على قصاصة ورق دون ان تدرك معناها.
البتول المحجوب لمديميغ/طنطان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة