الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راتب الموظف: أهو لقاء انتمائه لحزب يحلف باسمه ويرفع شعاره، أم لقاء عمل يؤديه ؟!

أيوب عثمان

2007 / 11 / 4
القضية الفلسطينية


ما يجري في بلادنا – وبرسم من عقولنا وبفعل أيادينا – عجيب وغريب ومريب. فما نراه، في هذه الأيام العصيبة، أو نسمعه – بغض النظر عن مستوى شكوكنا فيه أو تساؤلاتنا حوله – قد بات يدفعنا إلى التسليم بأن شعبنا العظيم في صبره وصموده وتضحياته، والذي عذبه الاحتلال عقوداً، قد أصبح اليوم تحت سطوة (أو رحمة!) زعمائه وقادته المتصارعين والمقتتلين الذين استخلفوا فيه، فأخذوا يتفننون في حشره بين مطرقة رام الله وسندان غزة، وراحوا يتبارون في التضييق عليه وظلمه وابتزازه حتى في راتبه وقوت أولاده! راحوا يمارسون تعذيبه من جديد وعلى نحو جديد، فيرسلونه إلى متاهة لا يكاد يخرج منها حتى يعاد إلى غيرها من جديد... متاهات لا يعرف الشعب إلى الخروج منها سبيلاً: فالموظفون من العسكريين، والمدنيين، والشرطة، والشؤون الاجتماعية، وسلطة الدخل والأملاك، والمرور، وترخيص وسائل النقل وبيعها وشرائها ونقل ملكيتها، مطالبون بالتزام بيوتهم، وعدم مباشرة أعمالهم، والامتناع عن التواجد في مراكزهم ومواقعهم، حيث تجري في ذلك مراقبتهم ومتابعتهم، وهم في ذلك مأمورون بإنفاذ تعليمات وأوامر وقرارات ليس لهم إلا أن يلتزموا بها، وإلا فلا رواتب!!!
المطلوب، إذن، هو إنفاذ تعليمات وأوامر أحادية المصدر، فإما أن تكون المرجعية حكومة فياض في رام الله، أو حكومة هنية في غزة!!! متاهة فريدة عجيبة غريبة مريبة... متاهة عز في الخيال أو على وجه الأرض نظيرها... متاهة يعبر عنها سؤال حائر لا جواب، حتى اللحظة، عليه: أين يذهب هذا الشعب؟! وماذا يفعل؟! ومن يؤيد؟! أيقف مع من وضد من؟! أيتوافق مع الحكومة الحادية عشرة في غزة، أم يذهب مع الحكومة الثالثة عشرة في رام الله؟! أيساير حكومة فياض في رام الله ليُصَب عليه جام غضب حكومة هنية في غزة، أم يساير حكومة هنية في غزة، ليسام سوء العذاب من حكومة فياض في رام الله؟! كيف له أن يتصرف وقد باتت حياته في يد فريقين متصارعين يقتتلان ليس في سبيله، وإنما عليه؟! أين يتجه وقوت أولاده مرهون بطرفين يتنازعان ليس حباً فيه أو حرصاً عليه، وإنما على من يحقق من خلاله الغلبة على الآخر. أيوافق حكومة هنية التي يعيش معها وفي ظلها وتحت حكمها، أم ينافقها؟! أيوافق حكومة فياض التي تدفع له راتباً كي يسد أفواه أبنائه وحاجتهم من الكساء والتعليم والدواء؟! أيوافقها أم يكذب عليها وينافقها؟! أم ينافق الحكومتين معاً في آن، لينجو هو وأسرته برضا الحكومتين، وما يرتبط برضا كل منهما من مكاسب، كما هو الآن مع البعض حاصل؟! هذا درس عملي جديد شرع الناس في التوجه نحوه بغية تعلمه، فالنفاق – لاسيما في أجواء تنازع فريقين وحكومتين – قد بات سيد الأخلاق!!!
في جلسة جمعت بعد عيد الفطر – بالمصادفة – كثيرين، فرض موضوع قطع الرواتب نفسه، فعبر أخ تجاوز عمره الفتحاوي (تسعة وثلاثين عاماً!!) عن تبرمه واستهجانه لقطع راتبه، قائلاً في معرض حديثه "إنه لدى مهاتفته مسؤولاً كبيراً في رام الله بخصوص راتبه المقطوع، عبَّر (المسؤول الكبير!) عن دهشة بالغة دفعته إلى سؤاله عما إذا كان قد ذهب – ولو لمرة واحدة – إلى مكان عمله، فأجابه المقطوع راتبه، نافياً، ومؤكداً، في الوقت نفسه، على أنه بالرغم من حاجته الماسة للذهاب إلى مكان عمله كي يسترجع متعلقات خاصة به ظلت منذ الحسم العسكري حبيسة أدراج مكتبه، إلا أنه لم يذهب، وذلك تحوطاً كي لا يقطع راتبه! لكنه على الرغم من تحوطه، فقد قطع راتبه!
استمر الحديث في تلك الجلسة طويلاً، حول أزمة قطع الرواتب، كموضوع عام بات حديث الناس وشاغل بالهم، على مدار اليوم والساعة والدقيقة. وحيث غمز أحد المشاركين في الحديث – متندراً – إلى أن الأخ (المقطوع راتبه)، والذي زاد عمره الفتحاوي عن 39عاماً – حسب قوله – ربما كان قد صلى، ولو لمرة واحدة، في مسجد يقال إنه (حمساوي!!!)، فقد لَفَّتْ المقطوعَ راتبه دهشةٌ طافحة، غادر الجلسة بعدها ولسان حاله (كمواطن وإنسان معاً) يقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل"
وبعد، فلعل أحداً منا لا ينسى – ونحن في زحمة التيه والانزعاج والغضب – أن "وثيقة الاستقلال الوطني الفلسطيني" التي تعهدت بحماية الرأي وصيانته، قد جاء فيها أن: "دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، فيها... يتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني تعددي..."

وعليه، فإن آخر الكلام كلمات ثلاث:
أما الأولى، فإن المساجد لله وللناس، لا لفتح ولا لحماس.
والثانية، فإن من يأمر الناس بالتزام بيوتهم وعدم الذهاب إلى أماكن عملهم، فقد وجب عليه دفع رواتبهم، بغض النظر عن انتماءاتهم، لاسيما إذا التزموا بالأوامر والتعليمات الصادرة إليهم.
وأما الثالثة، فإن من يقرر معاقبة الناس بقطع رواتبهم، بناء على انتماءاتهم، فإنه ينبغي له أن يضع في اعتباره ثلاثاً:
1) راتب الموظف هو لقاء عمل فعلي ينبغي له أن يؤديه، لا لقاء انتمائه لحزب يحلف باسمه أو شعار يرفعه أو شارة يضعها على رأسه أو صدره أو جبينه.
2) قسيمة راتب الموظف تصدر رسمياً باسمه، غير أن راتبه إنما يذهب لإطعام وكساء أسرته وإلى حليب أطفاله ودواء من يمرض من أبنائه.
3) قطع راتب الموظف بسبب رأيه أو انتمائه، إنما هو حجر على الرأي وعلى حرية التعبير عنه، واغتيال لكرامة الإنسان وخنق لمعتقداته السياسية التي جاءت وثيقة الاستقلال الوطني الفلسطيني لصيانتها وحمايتها والدفاع عنها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض