الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الحداثة إرادة سياسية ؟

عصام عبدالله

2007 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في العام 1930 صدر كتاب للطاهر حداد (1899 – 1935 ) " امرأتنا في الشريعة والحياة " دعا فيه إلي تحرير المرأة ، فشنت الصحافة التونسية وبعض الصحف المشرقية حملة شرسة ضد الكتاب وصاحبه ، كصحيفة الزهرة والوزير والنهضة ، ومن بين عناويين مقالات ما نشر فيها : " حول زندقة الحداد " و " موقف الصحافة العربية حول نازلة الطاهر الحداد " و " خرافة السفور " و" أين يصل غرور الملحدين " .
الطريف في الأمر ان المقال الأخير كتبه محمد صالح النيفر وهو يفتخر بأنه لم يقرأ الكتاب لان الله برأ صدره من مطالعة الكفر ، وهكذا تهجم علي الكتاب بعنف وأخرج صاحبه من دائرة الاسلام بالاعتماد علي السماع .
كما صدرت كتب تتهجم علي الكتاب من أهمها " الحداد علي امرأة الحداد " 1940 لمحمد الصالح بن المراد ، وكتاب " سيف الحق علي من لا يري الحق " لعمر بري المدني ، وكتاب " روح الاسلام ونقد آراء الملحدين " لمحمد الشافعي .
وتوج هذا الهجوم المنظم الذي أهاج الرأي العام التونسي لفترة طويلة بفتوي وقعت من لجنة يرأسها الطاهر بن عاشور وانتهت الي تكفير الحداد مطالبة السلطة بحجز الكتاب ، ثم سحب من الحداد حق التدريس ، وطالبت بعض الصحف بمنع هذا " الكافر " من ميراث اهله ومن الزواج واخراجه من جامعة الاسلام حيا وميتا ، وقد أثر هذا كله في حالته المعنوية والنفسية فمات كمدا وهو في ريعان الشباب .
بيد أن أفكار “الحداد”، التي ناله بسببها ما ناله، كانت هي الأفكار الملهمة لمجلة الأحوال الشخصية التونسية التي صدرت في 13 أغسطس عام 1956 ، بعد أقل من خمسة شهور علي إعلان الإستقلال في 20 مارس عام 1956. وهي التي حققت للمرأة التونسية مكاسب غير مسبوقة ، مما يؤكد أن الحداثة هي في الأساس إرادة سياسية ، وان ميلادها يقترن دوما بتحديث شرط المرأة.
ألغي قانون الأحوال الشخصية تعدد الزوجات والطلاق الأحادي الذي غدا حقاً للزوجين يفصل فيه القضاء، ورد للمرأة ، لأول مرة في تاريخ الفقه الإسلامي، أهليتها المدنية فأصبحت قادرة على اختيار شريك حياتها. كما أعطاها حق التصرف في جسدها بالتحكم في الإنجاب عبر الحق في الإجهاض وفي تحديد النسل ، وهو العامل الرئيسي في تسريع التنمية التي جعلت من تونس اليوم البلد العربي الوحيد بين البلدان العشرة المرشحة للدخول إلى نادي البلدان المتقدمة.
الأطروحة المركزية للحداثة التونسية من بورقيبه إلى بن علي، كما يشخصها بدقة المفكر التونسي الكبير العفيف الأخضر ، هي القبول بمبدأ الواقع، أي التجاوب مع متطلبات الحداثة بتناغم مع الإسلام التونسي التنويري القائم على اجتهاد بدون ضفاف،عملاً بقول الشاطبي “حيث المصلحة فثم شرع الله”. وهكذا ففي 1993 صدر قانون فريد في العالم العربي ألغى ركيزة المجتمع البطريركي:سيطرة الرجل المطلقة على المرأة. لم يعد الرجل هو رئيس العائلة وليس للمرأة والأبناء إلا السمع والطاعة. بل بات الزوجان كلاهما يديران العائلة بشراكة متساوية”في نطاق الاحترام المتبادل”. منذ 2003 تبنت مدونة الأحوال الشخصية المغربية سنة هذا القانون التونسي ، والبقية تأتي ….
تعتبر تونس أن “حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان”. ومن ثم فإن التشريع رافعة أساسية لتحديث شرط المرأة. لكنه يبقى حبراً على ورق إذا لم يواكبه دمجها في الحياة العامة. أصبحت المرأة التونسية ، في الذكري العشرين للسابع من نوفمبر 1987- 2007 ، ثلث القوة العاملة. وهي نسبة لا وجود لها إلا في بلدان الاتحاد الأوربي. وتحتل 11% من مقاعد البرلمان و21% من مقاعد البلديات. إذا كانت شهادة المرأة نصف شهادة الرجل،في أرض الإسلام، فإن 24%من قضاة تونس نساء.…
ان المشكلة تكمن إذا في تخلف التشريع القانوني في ما يخص وضعية المرأة في الفضاء العربي . فإصرار قوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية على فرض مبدأ الطاعة على المرأة، يعني ضمنيا وتصريحا أن المرأة دون الرجل، وأنها تابعة له وأن لا علاقة لها بصنع القرار في علاقتها الزوجية أو داخل أسرتها.. الخ، وبالتالي فإن صورة المرأة في معظم التشريعات العربية لا تتجاوز التبعية النسبية أو الكاملة، وهو ما ينفي عنها صفة الذات الفاعلة المستقلة والشريكة للرجل.
غير أن أدوار المرأة تغيرت وتطورت داخل الأسرة والمجتمع، في حين أن التشريعات القانونية، لا تزال متخلفة على أكثر من صعيد، فهي واقعيا فاعلة اجتماعية وتشريعيا كائن مطلوب منه الطاعة. ومثل هذه الوضعية المتناقضة، حيث تلعب المرأة دور الشريك وتطالب في الوقت نفسه قانونيا بالطاعة، تعكس هوة بين الواقع الاجتماعي وقوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية، رغم أن المعروف أن القانون حاجة اجتماعية
إلا أن تجارب عديدة أثبتت أن جرأة التشريعات القانونية وسن قوانين تقدمية تنسجم مع تطلعات المجتمع إلى التقدم والتنمية والتطور، يمثل حصانة قوية للمرأة وللأسرة وللمجتمع ككل، أي يمكن أيضا للمدونة القانونية أن تكون أقوى وأكثر تقدما من المنظومة الثقافية السائدة في المجتمع ومن الواقع الاجتماعي نفسه، إلى أن يتم التوازي بين البعدين بفعل تراكم التجربة الاجتماعية مع الزمن الذي يتيح للقيم والقوانين فرصة التغلغل والأستقرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ