الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقط السيف وترجل الفارس !

نايف أبو عيشه

2007 / 11 / 7
الادب والفن


الافكار تهرب مني احاول ملاحقتها وتجميعها , والكلمات تضيع والمفردات تتلاشى , وتنتابني الهواجس والمشاعر المتناقضة , وانا احاول الكتابة والتعبير عن مشاعر الحزن العميق الذي نشر ظلاله علينا فجاة برحيل الصديق الغالي علينا جميعا ." اخيرا سقط السيف ". قال احد الاصدقاء هذه العبارة , عندما ودعناه , الوداع الاخير , وتوارى جثمانه تحت التراب واستراح من الالم, فنام السيف في غمده بعد ان ظل مشهرا لاكثر من ثلاثة عقود من الزمن و"ترجل الفارس". بعد خوضه معركة غير متكافئة لم يهيء نفسه لها , مع مرض خبيث , تمكن منه اخيرا لينهي مسيرة مناضل ورحلة عذاب والم رهيب لم يشعر بها الا هو نفسه , لكنها لم تتمكن من روحه ومعنوياته ونفسيته وقناعاته وارائه ولم يمهله ليقول وداعا للاهل والاصدقاء مساء يوم الثلاثاء 30/10/2007 .ذلك السيف الذي اغمد بعد هذا المشوار النضالي الطويل , ذلك الفارس الذي ترجل اخيرا ,ذلك الرجل البريء كالطفل والجريء كمقاتل شجاع ومحترف والرقيق كنسمة صيف والشفاف كالبلور, والمعطاء كالارض والغزير كالمطر والقوي كالسنديان , والهاديء العميق والصاخب كالبحر. فقراراته سريعة , واراؤه مقنعة , وافكاره مرتبة كما هي حياته وطريقة عمله . لا يخطر بباله فكرة الا ونفذها لحظة التفكير بها ولا يؤجلها لحظة. سارت حياته منذ سني مراهقته وشبابه , وحتى غيابه الابدي ورحيله عن الدنيا ,كما ارادها ان تكون وكما خطط لها وحلم بها .كان قنوعا يحمد الله على ما اعطاه , ولا يتمنى ما اعطاه لغيره من الناس ولكنه كان طموحا ويتطلع نحو المستقبل وحياة افضل لشعبه اولا ولنفسه اخيرا.كان يؤمن انه لن يصيبه الا ما كتب الله له . فلم يخف من الموت حتى في خضم المعارك التي شارك فيها على ارض لبنان. فلم يرتجف عندما كانت القذائف تتساقط من حوله والرصاص ينهمر فوق راسه بغزارة كالمطر.كان يؤمن انه اذا كتب الله له ان يصاب او يستشهد فلا جدوى من الاختباء او الخوف من الموت, وان كان الامر غير ذلك ولم يحن الوقت لموته فلا بد ان يقاتل ويثبت في المعركة حتى وان كانت غير متكافئة. خاض المعارك في لبنان واقفا شامخا خلال الحرب الاهلية اللبنانية, ولبى نداء الواجب حتى وهو يدرس للحصول على الشهادة الجامعية , وكذا في ايام الاجتياحات الاسرائيلية المتكررة عامي 82,78 ,وقاتل خلالها بشجاعة , فلم يجبن او يهرب ولم يختبيء من شراسة القتال, حتى وقع في الاسر مع الاف المقاتلين في انصار , وحين تم تبادل الاسرى بعد عام من الاسر خرج الى الجزائر تاركا اسرته وراءه في لبنان , ثم عاد اليها بعد حين ,حيث تمكن بعقليته الفذة وجراته وتفكيره الديناميكي المتميز من السفر الى الاردن بالطائرة مباشرة بعد ترتيبات هامة ومعقدة , وبعدها رجع الى الوطن مع مجيء السلطة الفلسطينية ولحقت به اسرته فيما بعد , وباشر عمله في صفوف الشرطة فور وصوله . اتذكر انه قال مرة ايام الدراسة الثانوية " احلم ان اكون ضابطا في الشرطة " اظنه قالها بعد مشاهدتنا احد الافلام المصرية , واعجابه بشخصية ضابط الشرطة في الفيلم ورسالته المشرفة بالحياة وهي خدمة الشعب والحفاظ على الامن والنظام وفرض القانون ومحاربة الخارجين عليه بلا هوادة . ومن اجل تنفيذ ذلك الحلم ليكون حقيقة , قرر ان يكمل دراسته الجامعية في جامعة بيروت العربية قسم الحقوق بدلا من دراسة الهندسة او الطب او أي تخصص علمي اخر مع انه كان يقدر ان يفعل ذلك ويصبح غنيا ويملك ثروة كبيرة ,كاي مهندس او طبيب, لكنه صمم على تنفيذ حلمه وتحقيق هدفه , وحصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق واجازة ممارسة مهنته كمحام , وبما انه التحق بصفوف الثورة لحظة وصوله الى لبنان وتعرضه للاعتقال في الاردن خلال نقله للرسائل تنظيمية هامة, وصدرالحكم عليه لسنوات طويلة , الا انه افرج عنه بعفو عام بعد ان امضى ثلاثة اعوام تقريبا , وتم ترحيله الى ليبيا , وعاد الى لبنان ليكمل دراسته الجامعية وتخرج وعمل بالقضاء الثوري و ابدع في مهتمه في مجال القضاء لاسلوبه المتميز وايمانه برسالته وهدفه في الحياة . لقد عاش بمفاهيم وقناعات راسخة , وسلوب متميز في عمله وحياته , دون مواربة او مجاملة لاحد . لم يطمع بالمناصب والترقيات ,الا انه كان يحصل عليها باستحقاق وجدارة خلال مهماته وعمله والاهم من هذا محبة الاخرين واحترامهم له , وارتياحهم في العمل معه وتحت امرته , التي لم يستغلها يوما لتحقيق اية مكاسب شخصية له , بل كان يسعى لتطوير الاداء وتنفيذ المهمات لمرؤوسيه على اكمل وجه , وهدفه خدة الشعب اولا واخيرا والحفاظ على القانون ومحاربة الخارجين عليه , وكان شعاره دائما , من يريد خدمة الوطن يخدمه مهما كان موقعه ورتبته ومن لا يريد ذلك لن يخدم الوطن ولن يقدم له شيئا حتى لو وصل اعلى المناصب والرتب , وان كان تدرج وارتقى في الرتب والمسؤليات فانها هي التي بحثت عنه ولم يبحث هو عنها , وتحقق حلمه فعلا ليس بان يكون ضابطا في الشرطة بل ارتقى من ضابط الى رائد ومقدم وعقيد واخيرا استحق رتبة عميد حقوقي , وتسلم العديد من المهمات الصعبة كمدير للتحقيقات ومدير للعمليات ومدعي عام امن الدولة ومديرا للشرطة واخيرا مدير عام الشرطة القضائية لمحافظات الشمال . لقد استحق تلك الترقيات بجدارة , لعطائه المتميز وعبقريته في تنفيذ المهمات الموكلة اليه يحسده عليها الكثيرون من زملائه , ولم يتمكن أي منهم ان يحذو حذوه , لانه كان يعمل بقناعة ثابتة, وايمان راسخ كالجبال بقضية شعبه وبعدالة قضيته , ويبذل كل جهد مستطاع لحماية المشروع الوطني , وتغيير الواقع نحو الافضل , ومواصلة النضال لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف من خلال دوره في تجسيد رسالته التي عاش من اجلها وهي خدمة الشعب وحفظ القانون ومحاربة الفساد والشفافية في العمل والعطاء المتميز بلا حدود. لقد ظل قادرا على تجسيد هذا الايمان حتى اللحظة الاخيرة من حياته . رحمك الله يا صديقي العزيز ابو ادهم , ايها الفارس الذي ترجل قبل الاوان واغمد سيفه قبل الاوان ورحل كما هو شانه دائما قبل الاوان وبشكل مفاجيء, وجعل مثواك الجنة مع الصديقين والشهداء وحسن اؤلئك رفيقا , وانا لله وانا اليه راجعون .
بقلم : نايف أبو عيشه
3/11/2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو