الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي، ازمات مستعصية

فاضل فضة

2007 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو ان العيش بالأحلام والمساحات المعنوية لمفاهيم رنانة في بلاد العرب اوطاني، ركن اساسي من المنظومة الفكرية لتلك البلدان، حيث من السهل جدّاً نقد الأخر بسهولة بدون حتى القاء الضوء على ذاتنا، مما يساعد على ترسيخ تلك المفاهيم الأحادية الجانب كثقافة عامة، يحمل مرتكزاتها عديد من المؤسسات الفكرية العاملة هنا وهناك، ماعدا ذلك البعض الذي يعتبر خارجاً عن القانون بنظر العام، أي خارج عن الحاضنة الفكرية المحصنة من النقد عبر التاريخ الماضي والحاضر.
مااهم من مفهوم الوطن هو الدين، حيث قد يكون الإناء الكبير الذي احتوى الوطن بسبب تعدد المذاهب في الدين الواحد، وتعدد الأديان. وما من دولة في المشرق العربي، إلا ويعيش على ارضها هذا الموزاييك الفريد من نوعه في العالم. حيث يقدر عدد الطوائف والمذاهب في بلد مثل لبنان بما لايقل عن 17 او 18 فئة، وبشكل مشابه لذلك في سورية. يضاف إلى هذا القوميات والإتنيات، التي لا تعتبر طارئة على تاريخ تلك البلاد، كونها كانت المكون الأساس لها، كلبنان وسورية والعراق وفلسطين والأردن ومصر.
في ظل هذا التشعب، يبقى الوطن هو شعاراً سياسياَ ناجحاَ، لمعظم الحركات السياسية غير الدينية أو بعضها في بلاد العالم العربي. كونه يبقى الشعار الجامع لكافة مكونات تلك الدول والمجتمعات وإن اختلفت نسبة التسامح الإجتماعي والسياسي في كل بلد. كما ان مفهوم القومية الذي ساد خلال القرن الماضي، عبر حركات لم تثبت على صعيد الواقع انها كانت قادرة على إحداث التغيرات الإجتماعية والسياسية المفروضة، يبقى ايضاً اليوم شعاراً اساسياً لما تبقى من احزاب مازالت اثارها تضج بذكرياتها عبر مرحلة آثار ادائها وهي واقع عديد من دول العالم العربي اليوم.
ويكفي ان نذكر ان الأوطان العربية بما هي عليه اليوم، لم توجد عبر حروب خاصة او إرادات شعبية لمواطني تلك الدول، وإنما كانت نتيجة لضعف تلك الدول او الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وإرادة فرنسية انكليزية أنذاك. حيث ورث ابناء تلك التقسيمات الجغرافية اوطاناً مازالت إلى يومنا هذا تعاني من مسألة الهوية ومسألة القومية، وعلاقة الدين بالدولة، وطبيعة النظام المرجو بناءه. هذا النظام الذي لم يتحرر من المفاهيم التاريخية لبناء الدولة عبر القوة والتفرد بحكمها لمجموعة الحاكم ومن بحواشيه. ساعد على ذلك تجربة الإتحاد السوفييتي في القرن الماضي، ودعمه اللا مباشر لأنظمة استخدمت بشكل جيد شعارات الإشتراكية والحرية، لكنها لم تكن في أي حال إلا انظمة مشابهة لأنظمة المماليك وطرق وصولهم إلى السلطة عبر الرغبة والطموح وقليل من المؤامرات أو بحكم الوراثة بما يسمّى اليوم في بعض حالاته الإنقلابات العسكرية حسبما تمت في القرن الماضي.
وفي ظل هذه الأوطان مازال المواطن العربي يترنح بين نظرية وأخرى، بعد فشل القوميين العرب والأحزاب الإشتراكية "العسكرية في امتطائها للحكم"، بين نظرية الدولة المعاصرة وحقوق الإنسان والحرية التي لا يعرف هذا المواطن ممارستها ولم تسنح له الفرصة في التدرب عليها، ثم ان كونها ليست متداولة سابقاً في حيز ثقافي او كتاب يعلم بالتواتر او الكتاب المقروء، كجزءاً من تاريخه ابداً. لم يتحرر المواطن العربي بين المفاهيم المتشابكة لمعنى الدولة الحاضنة لجميع مواطنيها، إضافة إلى ذلك انتشار التيارات الدينية الجديدة واحزابها التي تقدم نفسها اليوم على انها المنقذ لجغرافية تلك البلدان الواقع، عبر شعار الإنقاذ بواسطة الدين.
ولإنه لا يمكن القيام بحل استراتيجي بعيد اّعن تجارب العالم وتاريخه في تفاصيل تطور حق المواطنة لجميع ابناء الوطن مهما كان شكله الجغرافي، فإن تلك الأحزاب لن تنجح كسابقاتها القومية في حل مسألة الوطن الجديد عبر شعاراتها الخلابة في العدل، كونها في اساسها ايضاً تعود في صيغة منهجيتها في الحكم إلى ذاك التاريخ الدسم في عدم قدرته على قيام العدل في مناطقه العربية أو غيرها، وإن كانت لم تبحث فيه بتفاصيله، لإنها لو بحثت لحاولت ان تقدم حلولاً بعد تقييم الأخطاء السابقة، والحلول الناجعة للمستقبل، لكنها كسابقاتها "بدون تجربة"، تحاول ان تقدم ايضاً وجبة الشعارات "نظرياً" عبر مقولات لا احد يعرف مداها إلى عبر تجربتها المستقبلية.
ولأنه لا يمكن لأي حزب مبني على الفصل بين مواطن وآخر في الحقوق والواجبات عملياً وليس شعاراً مخالفاً لمضمون ايديولوجية وعقيدة اية جماعة سياسية، ان يقدم حلولاً استراتيجية شافية لكل الإرث التقليدي المتوارث عبر التاريخ لتلك المنطقة، فإن مصير الأوطان عبر هذه الأحزاب، لا يمكن على الأقل نظرياً، ان يكون بإفضل مما قدمته الأحزاب القومية عبر تجاربها وشعاراتها الرنانة، حيث تبقى السلطة السياسية هي الهدف الأسمى، والتحكم بالأخر جزء اساسي من طبيعة ايديولوجياتها. كما ان التجربة التاريخية المعاصرة للأوطان العربية دلت على ان كافة الشعارات تذوب عبر اول صدام حقيقي او مواجهة امام مفهوم السلطة السياسية. وكم من رفاق امس اصبحوا اعداء اليوم، وكم عدد الذين صفيوا واختفوا من المسرح السياسي، الذين كانوا كلهم في صف واحد خارج الحكم يوماً ما.
إذا تعاني البلاد العربية اليوم والبارحة وغداً مسالة الهوية لوطن رسمته فرنسا وانكلترا، ولا يوجد حل قريب له ضمن حركة المؤسسات السياسية الحالية وبرامجها التقليدية في الحكم والدساتير والقوانين، وإن صرح الكثير منهم بإنهم سيقدمون الديموقراطية والحرية وحق المساواة عبر الحقوق والواجبات، على اطباق من ذهب. لقد فعلها غيرهم عبر شعارات الحرية والوحدة والديموقراطية، وانتجت الشعارات انظمة ديكتاتورية وراثية آثارها ظاهرة امام شعوب تهاجر من كل حدب وصوب بحثاً عن الأمن السياسي والإقتصادي والإجتماعي في بلاد الغرب، وليس في بلادها الأصلية.
ماهو الحل، سؤال كبير جدّاً لا يملكه إلا من اعتبر خارجاً عن قانون التقليد الثقافي المحلي، كونه يصب في نتائج تجربة التاريخ لدول تقدم اليوم حقوق المواطنة لشعوبها، غربية ام اسيوية. وكم من مثقف غير قادر على قراءة التاريخ لتلك الدول إلا ماندر.وكم من كاتب لا يستطيع النشر في المواقع الرسمية إلا ضمن حدود العباءات الرسمية وخطوطها الحمراء. مع ان العالم تغير كثيراً ولا تزال المساحات تفتح عبر نوافذ صغيرة في شبكة الأنترنيت، ولو حجب كثير منها، كما يحدث اليوم، في نطاق الدول العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيليان مبابي يودع باريس • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ويليام بيرنز.. من مبعوث إلى لاعب رئيسي في ملف مفاوضات غزة




.. حرب السودان.. لماذا يستميت الخصمان للسيطرة على الفاشر؟


.. تهدد شبكات الطاقة و-GPS-.. أقوى عاصفة شمسية منذ عقدين تضرب ا




.. مراسلة الجزيرة: صفارات الإنذار تدوي في مدينة عسقلان ومحيطها