الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لفضاء صفر

فاضل فضة

2007 / 11 / 8
الادب والفن



أغربي يانفس على شاطئ هادئ، في افق قرمزي، تعبت الشمس به من واجبها اليومي في لقاء اهل الأرض في بعض مناطقها القاحلة في فكرها الباحث عن ضباب دائم. إنه انحطاط مكثف لم يتعب خلال مئات السنوات، حيث مازال يزئر جوعاً، باحثاً عن فرائس لا تعرف كيف تنام بهدوء كل ليلة.
لإن الحياة سفر، ولإن السفر طريقة السنوات المتلاحقة. فإنه لا بد من التوقف مرات في محطات نتأمل بها الفضاء الذي يحيطنا. وقد يستمر بعضهم في سفره بدون حتى التفكير في اسس ومبادئ ماتعلمه وما ينفذه من صدام يومي بسيط او معمق مع محيطه.
لأ ادري ان كان يوجد مااسميه فضاء للحياة بدون أية جاذبية، بدون اي تفاعل مع مفردات العيش البسيط او المعقد. وكأن اللحظة، الغير مقيدة بزمن معين، بعيداً عن البعد التقليدي لها المقدّر بالثواني او الدقائق، قد تكون دهراً او تجربة اخرى يعيد بها المسافر تجميع بعض من الأوراق فيما تبقى من حالة اكبر من توقف مقصود، كون التأمل في لحظة اللاجاذبية، في اكثر الأوقات يتم بغير قصد دائماً.
دعاني إلى هذا ذلك العنوان الكبير الفضاء صفر، لمهرجان العالم العربي الذي يقام سنوياً في مونتريال بدون حتى ان اقترب منه ومن محاولاته الدائمة، إضفاء نوعاً من الحوار بين الثقافة العربية والغربية في مدينة تعج بالمهاجرين العرب وغيرهم من كافة اصقاع الأرض.
اين نحن من فضاء الحرية الذاتية التي تسمح لنا بخيال بدون حدود او قيود او سياج، روحي كان اونفسي أوقيمي. أين نحن الإنسان التجربة الغريبة التي تعج بالتناقضات في واقع ليس لنا، نصرُّ به على زعامتنا للمعرفة بمعايير لا علاقة لها بتلك المعرفة او الغيبيات القاسية، ليس إلا!، فاالحياة لن تكون إلا خلية نحل من التفكير بقيم يتعلمها الإنسان، يتجاوزها بسلوكه، الذي اصبح مدرسة غريبة في معايير الصفاء الذي كان حالات خاصة في زمن خاص جدّاً من تاريخ هذه الثقافة الملقبة عربية اليوم، بينما في الحقيقة هي ثقافة ايديولوجية تحمل بين غلافها عقيدة مرتبطة بوثاق شديد في نمط حياة ذاك الإنسان المعذب الذي لم يتحرر من قيوده ماضياً وحاضراً في لحظات الهرب الكبير على شواطئ عوالم اخرى او كواكب غير ارضية، حيث تنعدم بها جاذبية الوجود والقيم والإيديولوجيات وتجربة التاريخ وكل مايحلو للإنسان ان يطلقه به على عنانه.
لتخلو الأرض من قيم الغريزة البدائية، وتنظر العين إلى مساحات جمالية تعانق بها الألوان القرمزية الخافية لكل الفضاءات الشبحية في الوانها السوداء. وكأن الهرب في نقطة الفضاء الصفري، تلاشي الذات في جمالية للخيال الإنساني المرتجي في معايير اكبر من اي قيم واسمى من اي حروف يكتبها هذا الكائن الأرضي الذي سطر تاريخاً من القتل والحروب والدماء، بدون شبع من نهم قد يكون لا معنى له بالأصل.
هل نهرب من حياتنا ام من وقعنا ام من ثقافتنا؟ هل نهرب من ظل الإنسان المؤبد في عيش يجبرنا على التقوقع في ذات تشبعت بماضيها وغير قادرة على تجاوزه، خوفاً او قلقاً او تجنباً لإحداث قطيعة غير مقبولة في النسق العام لعموميات قاهرة. أم ان تجاوز الزمن وتوقف القطار في محطة ما، هو إعادة لروح مزورعة في كيانها البيولوجي تبحث بخوف وقشعريرة عن اشياء لم تلاقيها في حياتها الأرضية، بعيداً عن اية مكونات تاريخية اوثقافية معينة.
لا يهم فالمحطة، ليست إلا لحظة تأمل، تحلم بجمال جزر نائية بعيداً عن كل تشويه للحياة والطبيعة في صورها الهادئة او الصاخبة أو الوحشية في تفاعلها مع الزمن المحيط لكل ابعادها الأرضية. نعم قد تكون المحطة هرب الإنسان من ظله ومن حياته ومن تجربته، بحثاً عن ثقافة لا وجود لها إلى في طوباوية السابقين، النادرين في عصور لا تعرف من البساطة إلا رغبة في التعقيد.
عندما يصمت الصوت والفعل في هدوء كبير، فإنه قد يعبر عن سكون مقدس بعد العاصفة، او سكون الغروب في عناق مقشعر، أو خيوط ضوء الشمس الذهبية على مشارف صباح قادم في عيون المتلقين لها بخشوع وسعادة.
وعندما تصمت الكلمات الكبيرة بحثاً عن اشياء اصغر، فإن الروح تسافر بهدوء وحنين إنساني إلى قضاياً حياتية بسيطة الجوهر،مارستها البشرية منذ ولادتها وإلى يومنا هذا.
إنه الخريف الذي يذكر بالتعري المسموح بها في كلمات الكتاب والشعراء واصحاب الخيال في فضاءات الصفر الذين لم يعد لهم صوت في ضجيج التكاثر اللغوي الهرج بحكايات الصراع الغريزي لمقولات البشرية الصماء.
قد تحتاج شعوب الأرض إلى هدوء نفسي اكبر مما هو متاح، لكي تقبر الحروب في العقول الباحثة عن اوهام سيغمرها التراب يوماً. وقد يحتاج مفكري السلام إلى فضاءات صفرية بدون قيود مناطقية فلسفية أو جغرافية عقائد لكي يخرج الإنسان من عبائته البيولوجية المدعمة بتراكم اكبر من قدرته على الإنسلاخ عنها.
قد يحتاج الإنسان إلى عودة إلى مدرسة لم تولد، وكتب لم تكتب، إلى روحه التي تناغيه في صقيع اللحظات الصعبة في مواجهات التساؤل الذاتي عن المعنى الأكبر لوجوده، وإيمانه، واهدافه، وحقه في صفاء ممنوع إلا في هروبه في لحظات التوقف النادر في محطات قد تكون ضبابية للكثير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات


.. الشاعر أحمد حسن راؤول:عمرو مصطفى هو سبب شهرتى.. منتظر أتعاو




.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ