الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرباء

عبدالجليل الكناني

2007 / 11 / 8
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


لم أتوقع ذات يوم أن ألتقي بقريب لي في بلد الهجرة المباحة فالوصول صعب الى هناك ولطالما نسمع بأولئك المهربين الذين ينقلون الفارين من الموت أومن قسوة الحياة بمبالغ ثقيلة إلى احد تلك البلدان ولعل أشهرها السويد التي تعمل بمبدأ الإنسانية لتحتضن سعيدي الحظ ، أو لربما خائبي الرجا ، ولن يكون طريق الوصول سهلا انما محفوف بالمخاطر والعناء البالغين .وقد وصلت الى هناك لكنما بالطرق السهلة المشروعة رغم بعض الشعور بالمذلة جراء معاملة إخواننا الأقربين في مطار عمان . ولكون الوصول سهلا فالرجوع محتم .
من (كوبنهاكن) عاصمة الدانيمارك ، حيث إقامتنا المؤقتة ، استقليت القطار في رحلة أسهل من داخلية إلى (مالمو) جنوب السويد ، حتى أنني لم أُسأل من قبل شرطي أو أي مسؤول بل لم أر أحدا حتى من مفتشي القطارات وفي (مالمو) تجولت بحرية وبلا قلق أو خوف ، شعور لم آلفة منذ أواسط السبعينات بل هو شعور السبعينات حين كان الناس في وطني ، وما أعذب أن أقول وطني ، لا يجيدون أفضل من الابتسام ولا يتقنون أكثر من فن الطيبة وكان للسلام وقع السلام . نعم رأيت الناس هناك، بكل ألوانهم، عراقيي زمان ، أكثر مما نحن الآن ، ولكن الأرض ، رغم جمالها الفاتن ، لم تكن عراق .
آه يا عراق .....
في الموعد المحدد للقاء قريبي التقيته ، وبسيارته قمنا بجولة في (مالمو) ، يا الله ما أجملها !! الأبنية والشوارع ، حضارة حية وتأريخ تقرأه بأي اتجاه أدرت رأسك ، وما أروع الحدائق التي تتآلف فيها الطيور مع الإنسان وكلهم أصدقاء .
كان قريبي يفصّل حديثه حول كل شيء مما أمتعني ، كان ابن المدينة . إلاّ أنني لم أعرف ، أول الأمر ، لمَ أشعر غير ذلك ، هو يحاول أن يحدثني عن مدينته بفخر المتحضر أمام بربري قادم من أرض القراصنة ، وأنا أغبطه على ما هو عليه ، على النعم والأمان والجمال الذي يقحم روحك حين تتطلع إلى ما حولك من مزيج للرقي الإنساني وعذرية الطبيعة وتآلفها.
قال لي :- تصور رغم كل هذا فان كوخا خربا في العراق أحب إلي مما أحيى فيه .
لم أتعاطف معه في ما يقول شاعرا إنما ذلك نوع من المواساة أو الكذب ، أو ربما لحظة حنين إلى جد حنون مات منذ عشرات السنين .
- ولمَ لم تعد إلى العراق ؟
- الأولاد لن يستطيعوا الحياة هناك، هنا كل أمورهم ميسرة ، الدراسة وبالذات أساليب التربية والتعليم ، ووسائل الترفيه والراحة وما اعتادوا عليه من نظام و...
حتى هو قد اعتاد هذه الحياة ليس الأولاد فحسب ولن يستطيع العودة والعيش في ظل ظروف العراق القاسية . ولكنني ما زلت أشعر بان قريبي لا ينتمي إلى هذا البلد ، لست أنا مصدر ذلك الإلهام بل أن شعوري هو انعكاس لما يشعر به ، يكفي أن يقول نظامهم التعليمي ، بنوا هذه الأبنية ، مثلا ، في الخمسينات .. لا يسمحون بكذا .. قضوا بذا
يتحدث عنهم، لا عنّا . وحين تطلعت إلى رجل عجوز يسير بوهن وتؤدة تأملت كثيرا شموخ هذا الرجل وقلت من حقه أن يمضي شامخا فلابد انه شاهِد بناء هذه الحضارة وقد اعتلى ذات يوم أسوارها ليضع اللبنات بيديه .. وتذكرت والدي ومقاهي بغداد والدومينو , والطاولي وأم كلثوم والمتقاعدين الشباب ، ماذا فعل والدي ليتقاعد قبل الأربعين؟ وليصبح من أشهر لاعبي الدومينو التي يمتهنها مع أقرانه من الظهيرة حتى بعد منتصف الليل . ومن ثم يأتي صدام ويقتل احد أبنائه ويبدد حياة ومستقبل أبنائه الآخرين في الحروب والفاقة تحت ظل خوف طال أمده وما كاد أن ينتهي حتى خلف رعبا وتشردا وقهرا. وهنا في السويد يقيم الذين هربوا من بطش صدام ، ومن ثم ممن هم بعده ، ومن بعضهم البعض
نعم، رأيت العراقيين يخشون بعضهم، رغم أنهم لم يستغنوا عن بعض، فالخوف والشك طويلي الأمد تحولا إلى غريزة.
ليس قريبي وحدة من تمنى كوخا خربا في العراق ، بل صديقة وآخرون حتى أيقنت أن في الأمر جد لا ادعاء ، فرغم الرفاهية ، ثمة الإباء الذي يصارع الاستسلام , ولكن أسلحة الاستسلام قوية متنوعة تمتد نصولها من العراق لتنغرز في خاصرة كل عراقيي المهجر، فلا حسد لما ينعمون به طالما أنهم يأكلون من حضارة وجهد ألآخرين وطالما أن غالبهم يزور مكاتب العمل ليوهم مضيفيه أنه جاد في البحث عن وضيفة ومن ثم يكون حلال عليه الإعانة الشهرية . ويا لعذاب عزيز قوم ذل.
وحين انظر إلى الحالة من كل زواياها أرى تعقيداتها إلا أن رأس العقدة بيد من امسك زمام السلطة التي قدستها أصوات العراقيين حين وضعوا ثقتهم وكرامتهم ومصيرهم بيد قادتهم ليحملوهم مسؤولية أثقل من أن تحملها الجبال ، مسؤولية الكرامة العراقية ، كرامة العراق وأبنائه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحلة نجاح علي طيفور: كيف تغيرت حياته وتحقق أحلامه في عالم صن


.. عودة المعارك إلى شمال ووسط قطاع غزة.. خلافات جديدة في إسرائي




.. القاهرة نفد صبرها.. وتعتزم الالتحاق بجنوب إفريقيا في دعواها


.. ما هي استراتيجية إسرائيل العسكرية بعد عودة المعارك إلى شمال




.. هل خسرت روسيا حرب الطاقة مع الغرب؟ #عالم_الطاقة