الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-شعرية- النص القرآني

عقيل عيدان

2007 / 11 / 8
الادب والفن


كان الانبهار بالنص القرآني، وهيمنته التعبيرية الآسرة يمثّل إحساساً عفوياً، عاماً اتخذ، في البدء، شكل التضاد مع الحالة الجديدة، واتهام الرسول محمد (ص) بكونه شاعراً. ولا شك أن تهمة كهذه ذات دلالة على إحساس الناس بالشعر، ونظرتهم – آنذاك – إليه.
لقد كان العرب في ذروة فطرتهم النقية، وكانت معرفتهم بالشعر، وهو ديوانهم، معرفة وثيقة وأصيلة. فكيف لم يمنعهم ذلك كله من إتهام الرسول بالشعر والجنون؟ مع أنهم يدركون، تماماً، خلو القرآن من عنصر الوزن المطّرد.
قد لا يخلو الأمر من مكابرة، أو مغالاة. لكنه يعكس، وبعمق، هَول "الخضّة" التي أحدثتها لغة القرآن، تلك الخضّة التي لا يحدثها إلاّ نص فريد ساعدت على انجازه قوة روحية هائلة لم يجد عرب الجاهلية تفسيراً لها غير الشعر والوحي والجنون. لقد كانوا، في ربطهم بين القرآن والشعر، يستجيبون لفطرتهم الإنسانية الأولى.
إن ذلك الجدل الخصب، حول النص القرآني وطاقته التعبيرية، لا يعكس إقراراً عميقاً بسحره الطاغي فحسب، ولكنه يجسّد، في الوقت نفسه، الاحساس بإمكان شعري مدهش يقع خارج النثر المطلق، وخارج الشعر المطلق كذلك. إنه إعادة اعتبار لفاعلية نصية لا تستمد قيمتها من وزن أو قافية، لكنها، مع ذلك، تظل طافحة بامكانات تعبيرية، مؤثرة.
كان ذلك الجدل، حول قوة النص القرآني وجاذبيته، أو ما اصطلح على تسميته بالإعجاز، يمثّل إلى حدّ واضح، إعلاء للغة باعتبارها مقياساً للأداء الراقي، وتكريساً لبنيتها باعتبارها تجلياً للشعرية والتأثير.
لقد تم في أجواء تلك النقاشات الخصبة، التخفيف إلى حد كبير من هيمنة الوزن والقافية على تحديد الشعر وفهمه، فما عادا حاسمين في تحديد شعرية القصيدة وبذلك حُرم الشعر/النظم من عنصر هام كان يضمن له أفضلية مطلقة. من جهة أخرى، بدأ الاقرار بشعرية نصية داخلية، تنبثق من لغة النص وتترشح عن بنيتها، ووشائح الصلة والتفاعل بين عناصرها.
لقد ذهب الكتّاب مذاهب شتى، في حديثهم عن النص القرآني، هذا النص العميق، المثير، الآسر. ولقد دفعهم ذلك لا إلى اكتشاف الفاعلية التعبيرية في القرآن فحسب، بل إلى تلمّس خاصية السحر والجمال في الكلام عموما، شعراً كان هذا الكلام أم نثراً. وقد بلغت اجتهاداتهم الجريئة ذروتها الراقية لدى عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) لتشكّل منحىً جديداً، في النظر إلى النص وتحديد جماليته، لا يلعب الوزن والقافية، مجرَّدين، أي دور حاسم فيه. أي أن تلك الكشوفات كانت تقول، بلغة زمانها وببراعة وعمق، ما يقوله النقد الحديث عن شعرية النص التي تطفح بها لغته أو بناؤه.
الأثر القرآني، إذن، لا يتمثّل فقط في تجسيده النصي العميق، الصادم، المتماسك في حدّ ذاته بل يكمن، أيضاً، في ذلك الأفق الذي فتحته بُنيته الكتابية تلك أمام الشعرية العربية. إن القرآن لم يكن، بالنسبة للجاهلية قطيعة معرفية فقط، بل كان أيضاً قطيعة على مستوى الشكل التعبيري. لقد كان، بعبارة أخرى كتابة جديدة.
يصح القول، إذن، أن الجدل حول النص القرآني يمثّل، في حقيقته، مدىً جديداً أدى إلى البحث عن تأثير شعري يقع خارج الشعر بحده المشروط بالوزن والقافية. أي إن ذلك الجدل المدهش كان إيغالاً داخل النص، كان فتحاً لمغاليقه، وبناء عبارته والوشائج العلائقية فيه التي تنضح عبر تفاعلها المشتعل، برائحة النص وشعريته.
وبذلك صارت اللغة هي المحك، وصارت الطريقة التي تستخدم بها اللغة هي المقياس للتمييز بين النثر والشعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح