الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية شعبية- الجنرال والسمكات !

نايف أبو عيشه

2007 / 11 / 9
الادب والفن


في زمن الدولة العثمانية ,عاد الجنرال الخمسيني الى بيته , يرافقه اثنين من حراسه وقد حمل كل منهما اغراض البيت التي اشتراها قبل ان يعود وقت الغداء , ومن بينها بعض السمك الطازج . استبدل بدلته العسكرية , استعدادا لقيلولة ما بعد الظهر , بعد ان طلب من زوجته ان تجهز صينية السمك مع بعض المقبلات . هذا اليوم لم تجادله في الامر , وغادرت الغرفة نحو المطبخ وهي تلتزم الصمت على غير عادتها . لانها كثيرا ما تجادلت معه ليترك الجيش حتى بعد ترقيته لرتبة الجنرال ,مطالبة اياه ان يترك الوظيفة الحكومية ويبحث عن عمل آخر , بعد ان تزايد عدد الاولاد وكبرت العائلة وبات معاشه لا يكفي لسد الاحتياجات الضرورية للعائلة , لكنه ظل يتجاهل رايها خاصة عندما تنفس عن غضبها وتقول له انه لا يتقن أي عمل آخر في حالة تقاعده من الجيش مما يجعله عالة على المعاش التقاعدي الذي لن يكفي نصف الاحتياجات في حينه . احيانا كان النقاش يحتدم بينهما وينتهي باوامره الصارمة ان تتركه وشانه ليرتاح, لكنها نادرا ما كانت تسلم بالامر وتستفزه ويصل الامر بينهما لطريق مسدود , حين تخاطبه بنبرة لا تخلو من السخرية, ملاى بالتحدي له , انه من اليوم اصبح عاجزا عن القيام بعمل آخر غير القاء الاوامر وتلقي التحية العسكرية من افراد الجيش والتبختر في الميدان امامهم كالطاووس . في هذا اليوم بالذات لم تشا مناقشته وهي تضمر في نفسها شيئا لا يعرفه. عندما تاكدت من استغراقه العميق بالنوم استدعت مرافقيه وبدت بتنفيذ الفكرة التي قلبتها مرات عديدة خلال النهار قبل رجوعه للبيت عند الظهيرة كعادته . نزعت عنه البيجاما الخاصة به وطلبت من مرافقيه وضعه داخل كيس كبير ونقله بالعربة التي تجرها الخيول الى ابعد مكان مهجور يمكنهم الوصول اليه ويرجعوا اليها بسرعة لقبض المكافاة التي وعدتهم بها . حين استيقظ الرجل كاد يفقد عقله وهو يحاول ان يستوعب ما جرى له وكيف وصل لهذا المكان البعيد المهجور وهو يرتدي ملابسه الداخلية فقط وهو داخل كيس كبير من الخيش ؟ . ايقن ان امرانه فعلت ذلك به عمدا ,فقرر الا يعود الى البيت وان يثبت لها انه قادر ان يبدا حياته من الصفر, والعيش في اسوا الظروف وان يبني نفسه من جديد وان يكد ويعمل وليس كما تحكي له بعدم اهليته للقيام بعمل اخر غير الوظيفة الحكومية. غادر المكان باحثا عن بعض الملابس يستر بها جسمه , وبعدها اخذ يفتش عن أي عمل مهما كان ليعيش به ويكسب رزقه منه . مضت اربع سنوات على غيابه وهي تتابع اخباره وتستقصي عنه لتعرف ماذا فعل .وعندما علمت انه قرر الرجوع الى البيت بعد ان كد وجمع الثروة واشترى الكثير من الهدايا والاغراض , طلبت من صاحب الاستراحة القريبة من الشارع الذي سيمر منه , ان يستضيفه ويترك لها باقي المهمة .وما ان وصل زوجها يقود عربة كبيرة يجرانها زوج من الاحصنة القوية ,محملة بالبضائع والهدايا الثمينة التي اشتراها وجلبها معه , قبالة الاستراحة ,حتى دعاه صاحبها باصرار ليستريح من عناء السفر , وكانت الزوجة مختبئة في المكان . شرب الرجل العصير الممزوج بالمخدر حتى راح في سبات عميق , وقامت هي ومرافقيه بنقل العربة وما تحمل من هدايا الى البيت واخفاء العربة والخيل في الاسطبل ووضعته في سريره بعد ان غيرت له ثيابه التي كان يلبسها ببيجامته المعروفة . وبدات تقلي كمية السمك التي اشترتها من السوق وتجهز له طعام الغداء , والمقبلات التي يحبها . استيقظ الرجل و بدا يصيح فجاة كالمصروع " وين العرباية, وين الخيل , وين الهدايا والاغراض ؟"جاءت زوجته مسرعة وعلى وجهها امارات الدهشة , وهي تحمل سمكة بيدها وملعقة خشبية ,فسالت بدهشة مصطنعة " بسم الله الرحمن الرحيم. ايش فيه . مالك بتصرخ هيك . ايش صار ؟" . صاح ثانية وهو يتفقد نفسه وبيجامته وينظر في زوايا الغرفة " العرباية , والخيل والاغراض , وين راحوا ؟" ردت بنبرة جدية لا تخلو من السخرية " اسم الله عليك يا حبيبي . يظهر انك كنت بتحلم ...؟" قاطعها صائحا " ولك شو بحلم . هذول تعب اربع سنين , اغراض وهدايا .... " قاطعته بنبرة جادة " يا زلمة , لا حدا يسمعك . شو هالحكي , لا يسمعوك الجيران والا الاولاد بعدين يقولوا انجن الزلمة . شو عرباية واغراض وهدايا .. اذا حدا سمعك يقول فقد عقله " صاح وهو يضرب بكفيه على راسه " الله اكبر . يا عالم تعب اربع سنين راح هيك . ولك عرباية كبيرة مليانة اغراض وهدايا وملابس والفلوس..." قاطعته ثانية بجدية " يا ابن الحلال بلاش حدا يسمعك . هاي السمكات اللي اشتريتهم وقلت لي جهزيهم للغداء , هاي بعدني ما خلصتهم قلي وتنظيف , وهاي انت نايم ولابس بيجامتك وهاي بدلتك معلقة فوق راسك , وانت يا دوب غفيت ساعة زمان وصحيت . من وين طلعت لي بعرباية وخيل وهدايا ومش عارف ايش ؟" رد وهو يكاد يبكي " معقول يا ناس . معقول تعب الاربع سنين راح هيك سدى , وبالاخر اكون بحلم ؟" هزت راسها بسخرية "اذا حكيت هيك قدام حدا غيري يقولوا الجنرال خرفن وانجن قبل اوانه , ومش بس هيك الحكومة تطردك من الجيش والوظيفة , ويمكن يبعثوك لمستشفى المجانين . احسن شيء ما تجيب هاي السيرة لحدا " . نهض من سريره وهو يكاد يفقد عقله , وتفقد بذلته وسلاحه , وبيته , ولحقها للمطبخ وراى الصحون على المائدة وقد امتلات باصناف كثيرة من الطعام والمقبلات التي يحبها وجلس يحدث نفسه بهمس غير مسموع "معقول يا عالم كل هذا اللي صار معي وبالاخر كنت احلم .والله اشي بجنن ويطير العقل من الراس .اربع سنين من الشقا والتعب واشتريت كل هالاغراض والهدايا وبالاخر قال ايش باقي احلم . مش معقول . لكن المرة بعدها تقلي السمكات وتجهز لي الغداء , وهاي كل شيء على ما هو عليه , اذن شو الحكاية ؟" سالته ان كان سيخرج كعادته عند اصحابه الا انه رد بعد لحظات من التفكير " ولك يا مرة , احكي لي بجد , لاني قربت انجن . كيف لقيت حالي بملابسي الداخلية مرمي في اخر ما عمر الله , ورحت افتش عن شغل , حتى صرت اشتغل بالتجارة والبيع والشراء, اربع سنين , واشتريت اغراض وهدايا كثيرة ومعي بالشنطة مبلغ كبير من الفلوس , هيك برمشة عين راحوا مني .ومش بس هيك كله كان حلم . معقوووووول " ردت وهي تسترق النظر لملامحه التي تغيرت قليلا خلال غيابه " ويا ترا ما تزوجت كمان بالحلم , وخلفت كمان ؟" صاح وهو يحملق بالارض بذهول " ولك والله رحت واشتغلت وتعبت ,كيف مش مصدقتيني ؟" ردت بعصبية وهي تغسل يديها " لان السمكات اللي جبتهم معك يا دوب خلصتهم قلي وجهزت طاولة الاكل الا سعادتك صحيت من النوم , خلي اللي بحكي عاقل والمستمع مجنون , وكمان هدايا واغراض وفلوس ..؟"تمتم الرجل وهو يذرع المكان جيئة وذهابا " خايف احكي للناس القصة يقولوا مجنون . لكن والله يا عالم ما هو حلم . انا تعبت وانهد حيلي في الاربع سنين وضاع مني كل شيء برمشة عين . يعني معقول كنت احلم . يلا بعوضني الله شو اعمل ؟". في اليوم التالي راى نظرات الدهشة في عيون زملائه عندما صادفهم بمعسكر الجيش كانه قادم من عالم اخر , وفي مكتبه وجد شخصا اخر يحمل رتبته ويحتل مكتبه وعندما ساله رد عليه " انا في هذا المكتب من اربع سنين , وسعادتك وين كنت ؟" توجه الى قائد الجيش الذي اخبره بدوره انه تم طرده من وظيفته وتجريده من الرتب التي يحملها وان المحكمة العسكرية قررت اعفاءه من مهماته لانه غاب اربعة اعوام بدون اشعار او اذن مسبق , وفي طريق عودته للبيت كان يردد " والله يا عالم ما كنت احلم " !

بقلم : نايف أبو عيشه
5/11/2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس