الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحديث بالقتل و التدمير

ثائر دوري

2007 / 11 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


ما زلنا نتذكر تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في ذروة القصف الصهيوني الوحشي على لبنان ، الذي يقول إن هذا القصف ضروري لولادة شرق أوسط جديد . و بالطبع لم تحدثنا الوزيرة يومها عن مواصفات هذا الشرق الأوسط ، الذي تلعب الطائرات و الصواريخ الصهيونية في لبنان و فلسطين ، و الأمريكية في العراق دور القابلة (الولادة) له . لأن هذا يجب أن يكون معروفاً بالنسبة لنا كما تظن الوزيرة ، فقد تعب الأمريكان و عملاؤهم خلال العقد الماضي و هم يشرحون مواصفاته ، و ينظمون الندوات و المؤتمرات حول علاقاته ، و عن الرخاء و لسلام الذي سيحل مع حلوله، حيث يرعى الخروف مع الذئب ، و ينام القط مع الفأر ، و بالتالي يصبح معنى قول الوزيرة الأمريكية نحن نقتلكم بالطائرات و الصواريخ كي نجعلكم تنعمون بالرخاء و السلام بالشرق الأوسط الجديد الذي سنبنيه.
و مضمون هذا التصريح ليس غريباً أو نافلاً على الفكر الغربي ، و لا هو من بنات أفكار المحافظين الجدد كما يحاول البعض تصوير ما يجري ، بل هو طريقة تفكير ثابتة و ممارسة شائعة منذ صعود هذا الغرب إلى مسرح الحياة الدولية في القرن الخامس عشر الميلادي ، و من ثم استعماره للعالم . فقد وضع لنفسه مهمة لا تحتمل التأجيل أو النكوص و هي نشر الحضارة في أرجاء المعمورة المتخلفة ، البربرية ، الهمجية ، الوثنية . و في سبيل نشر هذه المهمة النبيلة ، تحضير العالم البربري ، يجب أن نتغاضى عن الخسائر التي تمنى بها الشعوب موضوع التحضير حتى لو كانت قتل ملايين البشر ، أو تدمير الدول ، أو دك الأسس المادية للحضارات ، و سميت هذه النظرية " نظرية الأضرار الهامشية " .
إن نظرية تحضير العالم متعددة الوجوه و الأشكال ، مرة تتجلى باسم تنصير الوثنيين ، و مرة باسم التحديث ، و ثالثة كما هو الحال اليوم باسم نشر الديمقراطية و مكافحة الطغيان .
في ذروة الحرب الفيتنامية برر صموئيل هنتنجتون حملة القصف الجوية الهائلة على الريف الفيتنامي ، أو ما سمي بحقول الرماية المفتوحة ، أو " مناطق الرماية الحرة " ، التي كانت تستهدف كل ما كان يتحرك على الأرض الفيتنامية ، و أدت إلى مقتل و تشويه ملايين الفلاحين الفيتناميين . برر كل ذلك اعتماداً على نظرية التحديث التي ترسم خطاً واحداً لتطور المجتمعات البشرية ، فهي إما مجتمعات مدنية صناعية حديثة تشجع الإبداع و تعلي من شأن الفرد ، و تعتمد على مؤسسات المجتمع المدني و على روابط أكثر إنسانية بين الأفراد ، أو مجتمعات ريفية زراعية متخلفة، ذات بنى تقليدية : عائلية ، طائفية ، عشائرية . تعتمد على الإتباع و التقليد ،كما تسحق روح الإبداع ، و لا تعترف بالفرد . و قد صنفت المجتمعات البشرية على طرفي هذا الخط ، فمقابل الولايات المتحدة الحديثة الصناعية ....الخ هناك فيتنام المتخلفة الزراعية . و هنا اكتشف العبقري هنتنجتون ، الذي اكتشف فيما بعد نظرية صراع الحضارات . اكتشف هذا العبقري أن الذي ينقل فيتنام من التخلف إلى الحداثة هو هذا القصف الوحشي . فقد كتب هنتنجتون في مجلة الشؤون الخارجية في عام 1968 قائلاً :
" يبدو أن الولايات المتحدة في فيتنام قد عثرت بالصدفة شاردة الذهن على الإجابة على "حروب التحرر الوطني"فباستخدام القوة العسكرية في الريف "على هذا النطاق الهائل ، بما ينتج عنه هجرة ضخمة من الريف إلى المدينة ، ستتوقف الإفتراضات الأساسية الكامنة خلف المبدأ الماوي للحرب الثورية عن العمل . فالثورة المدينية تحت الرعاية الأمريكية سوف تقوض الثورة الريفية التي يثيرها الماويون )) " كتاب تاريخ الاستشراق و سياساته - زكاي لوكمان – ترجمة شريف يونس-دار الشروق "
و بالتالي ، حسب هنتجتون ، فإن القصف الأمريكي الإبادي للريف الفيتنامي ينجز ثورة تحديثية . ثورة تنقل الناس من حياة الأرياف التقليدية التي تعتمد على الزراعة إلى حياة مدنية حداثية تعتمد على التجارة و الصناعة .ألا يصنف هذا الكلام في خانة جرائم الحرب !
لكن ما يثير الدهشة أكثر أن يتبنى نظرية "الأضرار الجانبية" هذه بعض من ضحاياها !فبعد العدوان الأمريكي على العراق عام 1991 سمعنا نقاشات و تنظيرات امتدت من السجون و المعتقلات إلى الصحف و المجلات ،إذ اعتبر بعض هؤلاء أن القوات الحربية للولايات المتحدة عندما دمرت العراق قامت بهدم البنى القديمة المتخلفة فاتحة الطريق أمام تصنيع المنطقة بيد عاملة عربية و رأس مال عربي و عقول اسرائيلية ، و هذا سيؤدي في النهاية إلى نشوء طبقة عاملة حديثة منظمة يمكن لها أن تنجز مهمات الثورة الإشتراكية ( كانوا يومها لا يزالون مؤمنين بالاشتراكية) . ثم طور منظرو هذا الهراء ، الذي يستحقون أن يحاكموا عليه بتهمة الخيانة العظمى أو المساعدة على ارتكاب جرائم حرب على أقل تقدير. طوروا نظريتهم هذه الأيام فباتوا يتحدثون عن قيم الديمقراطية و العلمانية التي تنشرها القنابل الذكية و صواريخ كروز ، فهللوا للفجر الأمريكي المنبلج من الفلوجة المقصوفة بالفوسفور الأبيض ، أو تحدثوا بصوت أقل خفوتاً عن تقاطع مصالح شعوب المنطقة مع مشروع الغزو الغربي سواء كان مباشراً بشكل عسكري أم غير مباشر ، أو قالوا بنظرية الصفر الاستعماري معتبرين أن المنطقة تحت الصفر و الجيوش الأمريكية ستنقلها إلى الصفر . و كل هذه التنظيرات ذات جوهر واحد هو الإيمان بدور الغرب التاريخي في تحديث الشعوب و التغاضي عن الدمار الذي يسببه هذا الدور تحت نظرية " الأضرار الجانبية ". مع أن شيخاً جزائرياً بسيطاً قبل قرن و نصف تساءل بدهشة عندما قالوا له إن فرنسا جاءت لتحضيركم .تساءل :
- لكن لما يحملون كل هذا البارود ؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل