الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلام يحقق الامن وليس العكس

احمد مجدلاني

2007 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن مفاجأَ ما قالته السيدة ليفني رئيس الدبلوماسية الإسرائيلية في لقاؤها المشترك مع رئيس الدبلوماسية الأمريكية في ان امن إسرائيل قبل الدولة الفلسطينية، وذلك في إطار مسعى الأخيرة لردم الفجوة بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ، لضمان عقد لقاء أنا بوليس الذي دعا له الرئيس بوش في الصيف الماضي . عدم الغرابة في الأمر يرتبط بقراءة مواقف السيدة ليفني منذ ان لمع نجمها في السياسة الإسرائيلية إلى جانب شارون معلمها الأول ، وبروز دورها أيضا في الصراع الحزبي الداخلي في الماضي ، وفي الحاضر القريب عندما شنت حملة قوية على رئيس وزرائها ورئيس حزبها في آن معا بعد تقرير فينو غراف الأولي، واعتقادها في تلك المرحلة ان الأوان قد آن لوراثة أولمرت، وأزاحته عن كرسي رئاسة الوزراء في إسرائيل ، والتربع عليه ، لإعادة أيام سيدة إسرائيل الاولى غولد مائير التي حكمت إسرائيل بقبضة حديدية وكان لها "شرف" تسجيل العدوان على العرب وكسب المعركة ضدهم عام 1967 .
ربما السيدة التي تبدوا لطيفة ومجاملة دبلوماسيا أرادت من خلال التمسك بسياسة التشدد الإسرائيلية المعهودة ، رفع رصيدها الداخلي في حزب كاديما من جهة، وقطع الطريق من جهة أخرى على وزير الحرب إيهود بارك الذي يلعب ذات اللعبة ، أي التشدد طمعا في كسب أصوات القوى المتشددة في المجتمع الإسرائيلي التي تنامت خلال السنوات القليلة الماضية وأصبحت ربما تيارا كاسحا قضى او قلص إلى حد كبير معسكر السلام الإسرائيلي الذي اعتبر في يوما ما حزب العمل وباراك شخصيا واحدا من رموزه، وعولت عليه الآمال لتحقيق التسوية التاريخية في كامب ديفيد في نهاية ولاية الرئيس كلينتون.
وما الانتقادات اللاذعة التي وجهها زملاء قدامى لباراك من وزن يوسي بيلين رئيس حزب ميرتس ، وكذلك حاييم رامون واتهامه بأنه يضع العراقيل في طريق اللقاء الدولي في أنا بولس إلا مؤشرا على احتدام الصراع والتنافس لدى النخب السياسية الحاكمة على كسب الفئات المتطرفة والمتشددة في المجتمع الإسرائيلي ومؤشر أكثر دقة عن الصراع الحزبي والسياسي، الذي قد يستخدم كذريعة لإفشال او تعطيل الجهود الدبلوماسية والسياسية الأمريكية لعقد اللقاء الدولي رغم حاجتها الماسة له، وكذلك عدم قدرتها وتوفر الإرادة السياسية لديها أي الإدارة الأمريكية في ممارسة ضغوط جادة وفعالة على إسرائيل لاحترام مرجعيات عملية السلام والانطلاق منها كأساس لاستئناف العملية السياسية المعطلة منذ محاولة كامب ديفيد الأخيرة قبل سبع سنوات خلت .
في قول السيدة ليفني ليس جديد بمعنى ان نظرية الأمن الإسرائيلية التي تفترض إنها هي التي تحقق السلام لإسرائيل أولا، وليست معنية بالأطراف الأخرى الشريكة في العملية السياسية، إذا كان الأمن الإسرائيلي على حساب أمنهم الوطني حاضرا ومستقبلا، ويلحق الضرر أيضا بأمنهم الاستراتيجي، المهم وفقا لنظرية الأمن الإسرائيلي ضمان امن إسرائيل وفقا لأجندة التفوق العسكري ، وتوسيع نطاق البعد الجيو سياسي الأمني ، وامتداده إلى أفريقيا الوسطى ، واسيا الوسطى ، والشرق الأدنى أيضا، لذلك نراها تعتبر ان أي تطور عسكري في كلا من إيران وباكستان مسا بأمنها الاستراتيجي .
ببيد ان اشتراط تحقق الأمن لإسرائيل قبل قيام الدولة الفلسطينية فهذا يعني ببساطة ان شروط تحقق الدولة الفلسطينية مرهون بشروط تحقق الأمن لإسرائيل، ليس فقط من الجانب الفلسطيني فحسب ارتباطا بما تدعيه السيدة ليفني أي تطبيق خطة خارطة الطريق ، وإنما بما ذهب إليه منافسها في المزايدة التطرفية وزير الحرب باراك، وهو حرية عمل الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية ، وبما معناه ان لا دولة فلسطينية حتى بعد الاتفاق والإعلان عنها لأنها في هذه الحالة لن تكون سوى كيان منزوع السيادة والاستقلال .
غير ان نظرية الأمن التي تتحدث عنها السيدة ليفني كشرط مسبق لقيام السلام ، وهو بالمناسبة كما قلنا ليس بالجديد ، وإنما تكرار لذات السياسية التي بدأت منذ عهد رابين، أي ان الأمن الذي تريده إسرائيل كمقدم للسلام ، هو استسلام الفلسطينيين والعرب ان أمكن ذلك وخاصة دول الجوار العربي للمنظور الأمني الإسرائيلي وتقديم ضمانات فعلية لهذا الأمن .
هذا المنطق المقلوب لا يتعارض ليس مع أولى بديهيات العقل والمنطق، فحسب وإنما مع أولويات المصالح المتبادلة التي ينبغي ان تبنى على أساس من المساواة والتكافؤ، أي ان السلام العادل هو الذي يضمن الديمومة، وكذلك الأمن وبدون هذا السلام المبني على الحق والعدل وتامين المساواة والتكافؤ لأطرافه ، فإنه لن يكون سوى عقد إذعان وليس عقد سلام ، وبدلا من تطفئ بؤر التوتر من هذا السلام المزعوم والمزيف والمفروض بالقوة ، وبموازيين القوى المختلة والسعي الدائم لضمان امتلاك التفوق فيها ، فإن الشعور بالغبن وانتهاك الحقوق والمصالح الوطنية ستظل محركا قويا لتدمير فرص هذا السلام المزعوم وبالتالي ينهار هذا "السلام المفروض بالقوة" الهادف لضمان الأمن بقوة الأمر الواقع، في حين ان ضمانات الأمن الحقيقي لا يقدمها سوى سلام مبني على أساس التوازن، وضمانات متقابلة ومتوازية يشعر كل طرف انه اخذ وقدم بشكل متوازي وبما يحقق مصالحه الوطنية ، ويضمن أمنه القومي في ان معا.
السيدة ليفني لم تطلق تصريحاتها جزافا بحضور رئيسة الدبلوماسية الأمريكية، وقد تكون هذه التصريحات وباعتبارها رئيس الطاقم المفاوض عن الجانب الإسرائيلي والمقابل للجانب الفلسطيني تريد ان توجه عبرها أكثر من رسالة وفي ان معا بان الأوهام المعقودة على نجاح مؤتمر أنا بولس وعلى قاعدة وثيقة تفاهم تحدد كافة قضايا الحل النهائي وفي إطار سقف زمني ، وجداول زمنية للتطبيق غير واردة في الحسابات السياسية الإسرائيلية ، والوارد هو البدء بالمرحلة الاولى من خطة خارطة الطريق، وهي ليست بحاجة للقاء دولي موسع لإعادة إطلاقها وقد يفي ذلك بما قدمته القيادة الفلسطينية من مقترح بان تكون هناك لجنة رقابة من اللجنة الرباعية للحكم على من نفذ التزاماته ومن لم ينفذها في إطار هذه الخطة من قبل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، وبالمناسبة لن تكون النتيجة في صالح إسرائيل لان جردة حساب بسيطة تبين ان ما قام الفلسطينيون بتطبيقه يفوق الكثير مما لم تبدأ إسرائيل بتطبيقه ، إلا إذا كانت السيدة ليفني تريدنا ان نبدأ العد من جديد في كل مرة، وان لا نخرج من هذه المرحلة أبدا وعلى" قاعدة جيد ما قمتم به لكنه غير كاف"، وذلك بدعوى تحقيق الأمن لإسرائيل كشرط مسبق للدولة ، أي ان تتحول السلطة الفلسطينية وبشكل دائم والى ما شاء الله إلى شرطي لضمان امن إسرائيل دون ان تقدم إسرائيل أي خطوة في بناء هذه الدولة ، وأولها وقف الاستيطان وبناء الجدار، والحصار والإغلاق والعدوان اليومي بما في ذلك طبعا القتل والاعتقال .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موقف التنظيمات المسلحة الموالية لإيران من التصعيد في رفح| ال


.. إسرائيل - حماس: هل ما زالت الهدنة ممكنة في غزة؟




.. احتفال في قصر الإليزيه بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات الف


.. بانتظار الحلم الأوروبي.. المهاجرون يعيشون -الكوابيس- في تونس




.. حقنة تخلصكم من ألم الظهر نهائيا | #برنامج_التشخيص