الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تأسيس رؤية إستراتيجية لثقافة وطنية

امحمد عزيز

2007 / 11 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لقد اخذ الحقل الثقافي المغربي يتماهى مع المشهد السياسي بسبب ضعف الحراك السياسي للطبقات الاجتماعية المغربية وعدم تبلور النخبة المثقفة وتحولها إلى قوة فاعلة في المشهد المغربي الحالي فضلا عن دوغمائية بعض الأحزاب السياسية المغربية ... مما يؤدي إلى وضع المشروع الثقافي المغربي في مأزق ميتافيزيقي الشئ الذي يدفعنا إلى التساؤل حول كيفية تأسيس رؤية إستراتيجية لثقافة وطنية .. ثقافة تنويرية عقلانية بدون اشتغال آليات الحذف والإقصاء للثقافات الأخرى في المغرب و التي تمثل المكونات التاريخية للمجتمع المغربي سواء كا نت هذه الثقافة أمازيغية ،عربية، علمانية أو ليبرالية حديثة...

ويتطلب هذا العمل أولا تحقيق قطيعة معرفية مع الرؤية الأحادية القائمة داخل النظام الثقافي المغربي والانتقال من الثقافة المؤسساتية المركزية إلى النظام الثقافي التعددي اللامركزي وقراءة تاريخ المجتمع المغربي كـجزء من التاريخ العالمي الكوني وليس بوصفه وحدات منفصلة . ثانيا وضع حد لاحتقار الدولة للشأن الثقافي وذلك بإسناد حقيبة الثقافة إلى وزراء تتوفر فيهم شروط وزير الثقافة كما هي متعارف عليها في الدول ذات الحضارات العريقة مثل المغرب، وليس فقط يكفي أن يكون هذا الوزيراوذاك شاعرا أو ممثلا أو...وحتى إذا وقع الاختيار على شاعر فينبغي أن يكون من عيار لامارتين أو محمود درويش وإذا تعلق الأمر بكاتب فإما أن يكون من عيار طه حسين أو لا يكون، وذلك عملا بالمثل القائل " الرجل المناسب أو المرأة المناسبة في المكان المناسب". كما يتطلب الأمر أيضا تخصيص ميزانية مهمة لهذا القطاع من أجل النهوض به،لأن المغرب لاينتج شيئا مهما يستطيع أن ينافس به الأسواق العالمية ، فكل ما لد ينا هو حضارتنا وثقافتنا المغربية التي تضرب في أعماق التاريخ.

لقد أصبحت وزارة الثقافة اليوم أكثر من أي وقت مضى من أهم القطاعات الحكومية في المغرب ، قطاع يحتاج إلى وزراء يجعلون أولى أولوياتهم وضع إستراتيجية تهدف إلى تنمية مراكز الأبحاث والدراسات التاريخية والاقتصادية والفلسفية والجغرافية وقراءة طبيعة المكونات المغربية واستخدام المناهج المعرفية الجديدة وسلسلة المقولات والمفاهيم الحديثة ونقد الجذور النظرية والمعرفية للكتابات الفكرية والقصصية والشعرية والسياسية المنتجة داخل تمثيليات النظام الثقافي المغربي وليس فقط الاقتصار على تنظيم مهرجانات فن "العيطة" و"اعبيدات الرمى"أو"أفلام الخلاعة والمخدرات" . ذلك هو الدرس العلمي والموضوعي الأول لإنهاء شكل من أشكال الرؤية الأحادية المؤسساتية الثقافية ورفض الذهنية الاستبدادية والانتهازية وإعادة تشكيل الوعي الجماعي للوجود الموضوعي للمكونات المغربية والسعي نحو العقلانية في تأسيس البنى الثقافية وممارسة نقد جذري للتركيبات السياسية الاقصائية التي هيمنت على الثقافة المغربية ضمن مرحلة طويلة.

إن الإسهام في بلورة رؤية إستراتيجية للثقافة الوطنية المغربية مندمجة بالمشروع الديمقراطي للدولة المغربية يتطلب تحديد مفهوم الثقافة بوصفها مركبا عضويا من الثقافات الفرعية وتشمل المعارف والفن والقانون والأخلاق والتقاليد والقيم والطقوس والحكايات الخرافية وكل القابليات التي يكتسبها الإنسان أو الجماعات، هذه المجموعة من التوصيفات تتفاعل فيما بينها لخلق رؤية مشتركة مرتبطة بالتراث الثقافي الإنساني للمجتمع المغربي وتشكيل الهوية الجماعية للثقافة الوطنية المغربية. هذه التحديدات والتعيينات تؤسس ميثاقا ثقافيا أو خارطة طريق تتضمن ما يلي :

 الإقرار بوجود تنوع وتعدد ثقافي في المغرب واحترام ذلك وفتح المجال رحبا لتفاعل وتطور وتلا قح هذه الثقافات.

 الابتعاد كليا عن ثقافة الإقصاء ورفض الرأي الأخر والاعتراف بوجود الآخر واحترامه وفسح المجال له للتعبير عن نفسه وإبداعاته.

 الإقرار بأن الحياة الثقافية للفرد والمجتمع تبدأ بالتربية المنزلية والمدرسة والجامعة وبمضامين وأساليب الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والمنقول شفاها وهي العملية التي يفترض العناية بها وان تحقيق التغير والتنوير والإصلاح للإسهام في خلق البنية الثقافية المغربية الديمقراطية الجديدة والحديثة والاقتناع بان الثقافة غير مستقرة بل هي في حركة دائمة ومتطورة وقابلة للانتقال والتفاعل والتلاقح مع الثقافات الأخرى في العالم وبهذا فان الانغلاق على الذات يقتل الثقافة ويدمر عناصرها الإبداعية.

 حق جميع الثقافات بتنوعها الداخلي أدب وفنون وعلوم في التمتع بحرية الإبداع والتنافس الديمقراطي في أجواء الحرية والديمقراطية.

 التراث والأصالة جانب واحد حيث تشكل الحداثة والتلاقح مع الثقافات الأخرى الجانب الثاني من الفصل الثقافي الإبداعي ويشكلان معا وحدة عضوية حيث إن العملية الثقافية تستوجب دراسة التراث بعمق وشمولية والاغتراف العقلاني من مصـــادره وليــــس العيــــش في المـــاضي.

 الحفاظ على الهوية الثقافية واغنائها لا يأتي عبر عزلها عن الثقافات الأخرى بل ينفتح عليها والمشاركة في تقدمها وتأكيد قدرتها على الاستمرار والعطاء مع بقية الثقافات.


إن هذه الرؤية مسألة بالغة الأهمية لكونها الوسيلة القمينة لاستعادة الهوية الوطنية المغربية ضمن إطار يصبح فيه التنوع والتعدد والاختلاف قوة في إنتاج المعنى ولا يمكن تحقيق هذا المشروع إلا ضمن مجتمع تتشكل فيه المؤسسات الديمقراطية عن طريق المنهجية الديمقراطية الحقة وبناء عناصر المجتمع المدني وتحديث المؤسسات والنمو الاقتصادي واستقرار البنى والتوازن البشري وفتح حوار تنويري بالتوجه صوب العقلانية السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام