الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاش تعمل فيها حمقه

جلال عامر

2003 / 11 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كان أنور المعداوى واحداً من ألمع وأفضل من أنجبتهم مصر من الكتاب والنقاد... وكانت الصحف العربية تتسابق لنشر ما يكتبه... إلى أن عرض عليه يوسف السباعي أن يتولى إدارة تحرير مجلة "الرسالة" التي كان السباعي رئيساً لتحريرها بأمر الثورة, وكانت مجلة الرسالة التي أنشأها الأديب أحمد حسن الزيات من أعرق المجلات الأدبية المصرية والتي لم تسمح بأقل من طه حسين والعقاد والمازني ومن في قدرهم بالكتابة فيها... لهذا كان المعداوي يري أن مجرد تولي السباعي ومعه مجموعة من الضباط الإشراف على هذه المجلة مأساة بكل المقاييس تهون بجوارها مأساة الملك لير... فأشترط المعداوي كي يقبل إدارة تحريرها أن يتوقف السباعي عن الكتابة فيها واصفاً ما يكتبه بأنه هراء... كما أشترط ضرورة طرد والتخلص من أغلب المحررين الذين رأي أنهم لا يصلحون لكتابة رسالة إلى ذويهم الموجودون في الخارج وليس الكتابة في مجلة أدبية عريقة مثل "الرسالة"... كما أبدي للسباعي ملاحظات أخري على الحياة الأدبية في مصر عموماً... وما حدث بعد ذلك خير اللهم أجعله خير... تم فصل الناقد الأديب أنور المعداوي من منصبة كمستشار لوزارة التربية والتعليم... وظل سنوات يذوق العلقم ويتجرع المر من جراء قطع راتبه ومورد رزقه... وبعد أن داخ في المحاكم دوخة أرملة بيسو حكمت المحكمة بعودته إلى العمل... وهنا جاء من يهمس في أذنه "بلاش تعمل فيها حمقه"... لكن المعداوي الذي يؤمن بالحريات وسمع طشاش عن حاجة اسمها دستور ظن أنه مواطن حر ومن حقه أن يكون "حمقه" أحياناً ولو من باب التغيير... فأستمر في انتقاد الحياة الأدبية "الحياة الأدبية وليس السياسية أو العسكرية" فرأت السلطة أن تنفذ حكم المحكمة بإعادته إلى العمل في وزارة التربية والتعليم لكنها لم تعيده إلى ديوان الوزارة كمستشار بل أعادته مدرساً إلزامياً في مدرسة نائية هي مدرسة السلحدار الابتدائية, لكن الرجل المعتز بنفسه ثار لكرامته ورفض استلام العمل ففصلوه ليجوع ويتعرى ويتشرد ويعرف أن الله حق وأن الحاكم ظله وأن طاعته من طاعة الرب وأن مجرد انتقاد الحياة الأدبية قلة أدب يستحق عليها التربية التي حرمة أهلة منها... وهنا جاءه الرجل أبو بلوفر بني "اللي بيهمس في ودنه" ليقول له مرة أخري "بلاش تعمل فيها حمقه"... لكن المعداوي الذي قصف قلمه وقطع رزقه ولم لدية ما يخشى علية شتم الراجل أبو بلوفر بني ومن أرسله وأستمر في انتقاد الحياة الأدبية وهنا تقرر نقلة من الحياة الأدبية إلى الحياة الأبدية ليتمتع بنعيم الآخرة... فطاردوه وحاربوه حتى انفجرت شرايين مخه وودع الحياة الأدبية في مصر والعالم العربي غير أسفاً عليها دون أن يتزوج أو يترك معاشاً... بل تم إخفاء أسمه وأعماله وكأنه عورة حتى أن كثيرين قد لا يعرفونه... ومع هذا مات الرجل فارساً وهو مصمم أن يكون "حمقه"... ولازلنا حتى الآن ورغم مرور عشرات السنين نعامل كل من يجرؤ على التفكير أو إبداء رأي مخالف على أنه "حمقه" يجب استئصاله ليخلو المجتمع من "حمقه" ويمتلئ بالحماقة... والآن وقد تزايدت الخطوط الحمراء وتشابكت لتصنع شبكة من المحظورات لم يعد في أيد أجدع "حمقه" فينا سوي أن يشخبط على الورق كلاماً أهبل يملئ به الصفحات حتى يقال أن لدينا كاتب وقارئ وحرية رأي نباهي بها أمريكا لننال رضاها ومعونتها وتطلعنا من دماغها ليبقى الحال على ما هو علية يمتطى الأراذل ظهور الأفاضل ويعشعش الفساد والكساد ونكيد الحساد... ويظلون هم على قلوبنا من جوه لأنهم وحدهم يملكون كتالوج تشغيل هذا الشعب المسكين... إلى أن تهب رياح أطلنطية تجيب عاليها واطيها ويموت تحت أنقاضها "حمقه" والراجل أبو بلوفر بني ومن أرسله أيضاً.
           

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة الصدر للسياسة تقترب.. كيف تلقى دعما من السستاني؟ | #الت


.. تونس..مظاهرة تطالب بتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية|#غ




.. الهجوم الإسرائيلي على رفح وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ع


.. تحقيق إسرائيلي يوثّق انتحار 10 ضباط وجنود منذ بدء الحرب




.. قوات الاحتلال تطلق قذائف على صيادين في البحر