الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتذار من نزار قباني

ناهد بدوي

2003 / 11 / 8
أوراق كتبت في وعن السجن


يوميات
اعتذار من نزار قباني
23/6/1990
منذ زمن بعيد، بعيد جدا، حين كانت ملابسي بدلة الفتوة الكاكي في المدرسة الثانوية، حين كانت مشاعري وأحلامي متدفقة وغير محددة ولم تتخذ مجراها بعد، حين كان العشق والخجل والتمرد والوطن والله والرفض، حين كان كل ذلك مختلطاً ومتشابكا ومشوشاً، وقعت حادثة شارع فردان في بيروت. لم أكن أعرف شيئا حينها سوى أن ثلاثة آلهه، وكان الفدائي في ذلك الزمن إلها لكل الطوائف، ثلاثة آلهة اغتالتهم يد العدو السوداء، وكان الصهاينة في ذاك الزمن شيطان كل الطوائف أيضاً. أقصد بالطوائف كل فئات وطني.وكل الأعمار أطفالا ونساء ورجالا وشيوخا. كان الهم وقتها واضحا وصافيا ويشمل حتى أبعد انسان في أبعد قرية على خارطة البلاد. لذلك لم يكن غريبا أن أهتز وأنا الصبية الصغيرة ذات الجدائل الساذجة بذلك الحدث ولم يكن غريبا أيضاً أن أهتز لقصيدة قرأتها تحكي عن بشاعة ماحصل. وليس غريبا بعد أن سكن الوطن في بكل عمقه أن أظل ابحث عن تلك القصيدة التي هزتني في تلك الأيام.
سبعة عشرة عاما وهي في الذاكرة. فجأة وبدون مقدمات دخلت هذه القصيدة إلينا. اخترقت أسوار السجن ونفضت غبار أعواما طويلة. لن أستطيع وصف ماحدث لي حين قرأتها اليوم. كنت سأتعارك مع البنات من حولي حين لم يتفاعلوا معي في لحظة اكتشافي وجود القصيدة في ديوان نزار قباني الذي جاء بإحدى الزيارات. ولكني تجنبت المعركة وحملت الديوان وانفعالاتي وركضت خارجة من الغرفة أبحث عن رماح وجدتها تقرأ كتابا سياسيا، اقتلعتها منه وجلسنا نقرأ القصيدة. كم هي جميلة. ولكني تفاجأت بأن الأجمل منها هي قصائد نزار عن بيروت وأنا لم أكن أعرفها وبدأت أسأل أيهما أجمل قصائده عن دمشق أم عن بيروت وأنا العاشقة لقصائده عن دمشق. وكم أثرت فينا قصيدة اعتذاره من بيروت. وتابعنا وتشابكنا أنا ورماح والقصائد في كتلة من المشاعر ذات الزخم الذي لم أشعر به منذ زمن بعيد فقد كانت الكلمات تخلق أمواجاً غريبة في جسدينا مترافقة مع الزبد تماماً كامواج البحر. هل كانت دواخلنا في تلك اللحظات بحرا تتلاطم الأمواج فيه أم أن كلمات القصيدة كانت تتدفق فينا بحيث لم يعد وجود لأجسادنا؟ لا أعرف، ماأعرفه أننا شكرنا ربنا بأن مقولة أن شعر الرأس يقف عند الانفعال صحيحة، إذ كنا عندها سنتحول أمام من يراقبنا من بعد إلى قنفذين يمسكان كتاباً.
بعدها جاء التأمين (وقت إقفال الغرف) وتوجهنا كل إلى غرفتها. وأخذت رماح الديوان وقلبي معه وذهبت. شعرت برغبة جارفة بالبكاء. اتجهت إلى غرفتي وجدت لينا بوجهي ضممتها وحكيت لها عن جمال تلك القصائد بصوت يشبه البكاء. ولكنه كان حديثا قصيرا جداً إذ أن باب الغرفة الرابعة سيقفل أيضاً. فدخلت إلى غرفتي ولجأت للقلم والورقة لأكتب اعتذارا للشاعر الكبير نزار قباني وتركت الاعتذار لبيروت كي يقوم به كل العرب.
اعتراف
نعترف..
وقد علمتنا الاعتراف..
أننا كنا نحبو، وقامتك أوسع من حدقاتنا الضيقة
نعترف..
وماأجمل الاعتراف
كيف رجمنا
         صرخنا
                محونا من أيامنا
"برجوازيا إباحي"
ماكنا ندري أننا
نمحو ملامح انسان
شاعر
يعلمنا عمق الحزن وعمق العشق وعمق التمرد
يعلمنا تلاحم الأشجان
 أكل هذا الحزن تحمله حناياك؟
أكل هذا العالم العاشق
                   تعرفه عيناك؟
أكل هذه االمساحات الملونة
                        هي قلبك؟!
نعترف
ماأقسى الاعتراف
نحن عشاق العشق والعالم والمساحات الملونة
كنا نضعك بين قوسين
                    ونمضي
إلى قمقم نسميه العالم
         نسميه أحلام العمال
آه ..آه
وهذه بعض من آهاتك
كم ظلمت معنا أحلام العمال
ففي دروب ضيقة
         أعمانا الترحال
ونسينا
أن ديوانك كان ينام في آخر الليل
تحت الوسادات الدافئة
في بيوت العمال!!!!

***************
سجن دوما للنساء 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟


.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين




.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال