الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب قانون ميزانية الدولة ليس سوى كتاب قانون الغاب

محمد بركة

2003 / 11 / 8
الادارة و الاقتصاد


ميزانية اسرائيل لعام 2004 تنذر بكارثة، حيث يتواصل فيها التوجه الذي بموجبه المزيد والمزيد من المواطنين يتقاضون اقل واقل، واقل واقل من المواطنين يتقاضون المزيد والمزيد. ان انحلال المجتمع الاسرائيلي وتحوله  من مجتمع الى شركة صيانة يتسارع باطراد.
من الاهمية بمكان التوقف عند ثلاث ملاحظات على الميزانية، الاولى تتعلق باللغة والثانية بالمضمون والثالثة بابعاد هذه الميزانية.
اللغة – يستعمل واضعو كتاب الميزانية لغة متهربة ومضللة ومخادعة:
لغة "الاقتصاد الجديد" مرت عملية اثراء ، فهي لم تعد تهدف الى كشف التحولات في الاقتصاد انما الى تغييب وتضبيب هذه التحولات، وهكذا يطلقون على تسريح العمال وفصلهم من عملهم والالقاء بهم الى الضياع اسم "التنجيع" او بلغة اصحاب رؤوس الاموال " الارباح الواعدة"، اي ان تخفيض تكلفة العمل الناتج عن طرد العمال سيقود الى زيادة ارباح راس المال.
وهكذا يطلقون اسم "تليين سوق العمل" او "تحريك العمال" على تحويل اسرائيل الى شركة تتاجر بالقوى العاملة، وعلى سلب الحق في العمل وعلى تقويض الحقوق الاجتماعية وعلى تحويل العمال الى عبيد.
اما البند المتعلق بتصفية قانون السكن الشعبي وضرب مستحقي الدعم في اجور الشقق فيسمونه "تنجيع استعمال السكن الشعبي".
وهكذا نجد ان وزير المالية نتنياهو، الذي لا يتوقف عن الاستعراضات الاعلامية ، بدل ان يقدم مبررات لسياسته الاقتصادية، ينشغل بالتحريض والقذف ضد جمهور العاملين المنظمين وضد العاطلين عن العمل وضد العائلات احادية الاهل وضد اوساط ضعيفة اخرى من الذين يخوضون معركة مذلة من اجل البقاء والحياة.
لذلك لا غرابة ان يأتي وزير المالية ليطلب من لجنة المالية في الكنيست، المصادقة على تخصيص 2,5 مليون شاقل لتمويل حملته الدعائية ضد الهستدروت وضد العاملين، وذلك في اليوم نفسه الذي يعلن فيه انه في الشتاء القريب سترتفع نسبة الوفيات بين المسنين بسبب التقليصات.
ولكن ما حاجة نتنياهو لتمويل حملته الدعائية في الوقت الذي تقوم به سلطة البث بدور الناطق باسمه، والتي تحولت الى "bibi said" على وزن"b.b.c"، حيث تقوم بتغذية التحريض ضد العمال وتساهم في هدر دم عضو الكنيست عمير بيرتس رئيس الهستدروت (النقابة العامة).
نتنياهو هذا هو نفسه الذي نعت العاملين بانهم "اعداء" ووصف عاملي قطاع الدولة بانهم عناصر طفيلية، وهو نفسه الذي حاول تصوير نضال الاجيرين وخاصة في قطاع الدولة، الذين يتقاضون الحد الادنى من الاجور، بانهم يخوضون المعركة على "الجغوار" ( السيارة الفخمة).
وهكذا فان كل من يكافح من اجل معيشته يتحول الى متهم بكبح "التقدم والتطور والرفاهية" من قبل وزير المالية!!!
وزير القضاء لبيد ادلى بدلوه ايضا في بث  فحيحه في هذه الاجواء المسممة في مجال علاقات العمل، عندما وصم النقابات العمالية المنتخبة بشكل ديمقراطي بانها " تنظيمات للاجرام المنظم" لا اقل ولا اكثر.
هذه هي الحكومة وهذا هو اسلوبها.. ولذلك ليس صدفة ان يعاني الاقتصاد الاسرائيلي تلبكا جنونيا في كل المستويات.
وزير المالية ليس سوى وزير الدعاية الذي لا يكتفي بالفذلكات الكلامية والكذب، انما ايضا ينقض الاتفاقات التي وقعها بنفسه.
لقد تضمنت الميزانية التي اقرتها الكنيست في نيسان الماضي فصل اعداد كبيرة من العاملين الى جانب تقليصات في الاجور في قطاع الدولة كما تضمنت التزاما من الحكومة ان لا تكون موجات جديدة من فصل العمال، الامر الذي جرى نقضه في ميزانية الدولة لعام 2004 والتي تضمنت فصل اعداد كبيرة من العاملين من اماكن عملهم.
لا يمكن ان تقوم قائمة لاي مجتمع ولا يمكن ان يقوم اي نظام اجتماعي في الوقت الذي تقوم به الحكومة، رمز السيادة، بنقض الاتفاقات التي وقعت عليها.
ان هذا يمثل دعوة لفوضى عارمة ومصدرا لغياب الاستقرار وللهاوية المظلمة التي تلف الاقتصاد.
ان ميزانية الدولة لعام 2004 هي بمثابة اعلان حرب على المجتمع في اسرائيل، وعلى الانسان العامل وعلى العمل المنظم وعلى الامان الاجتماعي وعلى صناديق التقاعد.
كتاب الميزانية يدّعي انه سيجلب النمو الاقتصادي، ولكن الامر لن يتحقق، اولا وقبل اي شيء, بسبب الواقع السياسي المحبط ودوامة العنف المتكررة والتوظيفات الاقتصادية الهائلة في المشروع الكولونيالي في المناطق المحتلة والمصروفات العسكرية على قمع شعب انتفض من اجل حياته وحريته.
في هذا الواقع فأن السياح والمستثمرين  ورأس المال الاجنبي لن يقدموا الى اسرائيل بل على العكس فرأس المال البشري والنقدي سيواصلون مسيرة الهرب من هنا.
الوضع السياسي سيظل نقطة ارخميدس بالنسبة لمستقبل الاقتصاد، وفي غياب تحول دراماتيكي وفي غياب تحول على محور 180 درجة في واقع الاحتلال والقمع والاستيطان فان الانهيار سيتواصل ولن تعود الرسوم البيانية والروايات والاستعراضات،  التي يقوم بها وزير المالية، باية فائدة.
ان سياسة الحكومة التي تقوم على تقليص الميزانيات الاجتماعية وعلى تخفيض الاجور وعلى الفصل من العمل وعلى الحاق ضربة قاضية في نظام المخصصات والحماية الاجتماعية وتقليص قطاع الدولة، ستقود الى تقليص الهيكلية الاستهلاكية والى انكماش الاقتصاد والى تأزيم حالة الركود.

ان المواطنين العرب هم الاكثر تضررا من ضربات حكومة شارون:

في المجتمع الذي يعيش فيه 60% من اطفاله واكثر من 40% من ابناءه تحت خط الفقر والذي تتفشى البطالة في كل زواياه لانتاج الفقر والضائقة والغضب، في المجتمع التي تقف سلطاته المحلية على حافة الانهيار مع "بشرى" التقليص الاضافي في الميزانيات والنقص في غرف التدريس وخسف ميزانية التطوير للبنى التحتية في وزارة الاسكان الى النصف وغيرها من الضربات، فبالنسبة لهذا المجتمع فان كتاب الميزانية هو عمليا برميل من المواد المتفجرة.
ان السياسة الاقتصادية للحكومة تقودنا الى واقع بعض الدول في امريكا اللاتينية، حيث ان هناك طبقة صغيرة جدا تتمتع بغنىً فاحش وجماهير معدمة تعاني من الفساد وعدم الاستقرار والفقر المدقع.
هذا الواقع سيقود الى ضعضعة النظام الاجتماعي لان كتاب الميزانية في واقع الامر ليس سوى كتاب قانون الغاب.


*الكاتب رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام المساواة، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الاسرائيلي

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعر الذهب فى مصر يتراجع 30 جنيها وعيار 21 يسجل 3050 جنيها لل


.. الليبيون في مواجهة أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع جنوني للأسعار




.. الأزمة الاقتصادية في مصر.. لماذا لم تنجح السياسات بإيجاد حلو


.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 01 مايو 2024




.. صندوق النقد يتوقع ارتفاع الاحتياطى الأجنبى لمصر فى 2029