الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخ الذي يشبهه كثيرا

خالد ساحلي

2007 / 11 / 13
الادب والفن



لم يكن مضطرا ليشرح لهم استيائه من وضع معين ، لا يمكنه الإفصاح عما يضايقه ، برغم تكتمه الطويل و انطوائه على نفسه ، لم يكن يرى في هروبه من الناس و اتساع الوحدة التي تحتضنه غير خلاص يحميه . تشرده في عالم الأفكار والأخلاق يشعره بحقارة حلقة راهنه المطوقة له ، يتسلى في حديقة عالمه الخاص الذي أوجده ، جدران وهمية فاصلة بناها تجنبا لسعار صامت قادم من كل الجهات ، سيل جارف ، لقد جعله مصنفا في الألوان الممنوعة الدالة على الحتف و الفناء . الهلاك يتربص به دائما، الأخطار المحدقة به لا تظهر إلا في حدود الثوران الهائج لانفعالاته ، لم يحتـّج يوما على الله ، بل روح الأديان كلها تسكنه ، لا يفرق بين الأنبياء ولا بين الأقوام ، هو لا يحتاج لواعظ يقتات من خطب المنابر ليصلح حاله ولا لتعويذة دجال ، يرفض يد السياسي المبشر بالجنة على الأرض . كم رأى في الباحث عن الملك صورة شيطانه تسكن الزجاج المصقول ؟ تساءل كم مرة إن كان الناس حقا يرون صورا أخرى غير صورهم ، كان يهزأ بالصور الخفية الناظرة في مرآة البشر وهي تحسّـن من مظهرها ثم تمضي بمساحيق تمارس مهنتها القديمة القذرة .
قبل تحويل الفكرة إلى فعل لم يكن مضطرا لإخبارهم باختياره الفرار إلى جحر لإدراك مسؤوليته على الحياة المتبقية ، الجحر الذي كان قد تمناه . استمتع بهروبه من شاهق زهد إلى شاهق متعة، مؤانسة برحلة دائمة لشاهقات شامخات تبعده عن الإبر الواخزة. ولكي لا تستحيل حياته إلى مشرحة عذابات .
كان قليلا ما يظهرإلى العلن ، يعيد نفس الجملة لكل من كلـّمه في طريقه ، لا يخرج للناس و لا يلتقي بهم إلا نادرا ، كان الناس يحيونه ، يضطر ليرد عليهم بأن ذاك الاسم هو اسم أخيه الذي دفنه من سنين عديدة ، و بأنهم مخطئون فأخوه يشبهه كثيرا، لم يكن مرغما على أن يحكي لهم كيف تمكن المرض من أخيه، كيف غيـّر له شكله وهدّ أعصابه ، لم يكن من أحد ليغيثه أو يسعفه ، كان يعتقد سابقا أن الأصوات المنبعثة من كل الجهات تستطيع حمايته كما أظهر له الناس الآخرين كذلك . كان واهما يوم صدّق الأبواق الشبيهة بصفارات الإنذار، واهما بقرع أجراس الاستراحة لصلاة وطمأنينة، اليوم لم يكن ليسمع المؤذنين بالخلاص و المسعفين يؤذنون للإنقاذ.
تفرقت الأصوات ، اختفت أمكنتها ، انمحت آثارها ، جفّت مصادرها ، كان أخوه يصارع الخوف وحيدا ، حتى خيالات الأصوات لم يعد يتوهمها.
قبل موته وحيدا كان يسأل و يهذي بأسماء أعتقد روح الملائكة تسكنها ، لم يكن المرض غضب الرب فهو يعرف الله ورحمته حين فر إليها ذات مساء كان قد قرر فيه وضع حدٌ لحياته ، لكن كلـّّمه الله بآية لبست صورة طائر جميل حط على مقربة من الجسر وراح يغني بصوته الرخيم ، لقد كان استدعاءً لباقي العصافير التي حطت على مقربة منه وراحت بدورها تقفز هنا وهناك منشدة شاكرة الخالق على هذا المساء المفعم بالدفء وعلى هذه الشمس الراحلة مع شفق الغروب بمنظر ساحر يبث رهبة في النفس .
قبل أن يموت أخاه وحيدا، حضرت الأرواح المسكونة بالشر و الشيطان، الشيطان الذي باع و أشترى معه العداء. الأرواح تتركه الآن ينام بسلام ، لم تفسد عليه رحلته الجديدة ، لم تصنع له لحن القول في لسانه حتى يوصي بما يشاء فلا أحد يسمعه ،الحقيقة التي لطالما قيدوها على لسانه ستموت على لسانه كما خلقت .
دفن أخاه الذي يشبهه كثيرا لكن مع هذا ترك له إرثا، لا يستطيع إظهاره. أخذ عنه أسرارا أخفاها و أخفى معها جرحا كبيرا و كحولا حارقة. حزن كثيرا لفراقه. انتهت حياته أو قد تنتهي هكذا بدا له الأمر، ربما قلّ حظه من الذكاء لذا قرن استمرار الحياة لأجل حكمة ما لم يصل تفكيره لفهمها.
كلما حيـّاه الناس يرد عليهم بأنه ليس المعني، إنما ذلك الاسم كان اسم أخيه الذي دفنه من سنين وكان سببه طاعون حلّ بالمدينة ولم يصب غيره.

خالد ساحلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح