الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرأسمالية أنواع

سامر سليمان

2007 / 11 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في المقالتين السابقتين تعرضت لحق العمل في امتلاك ثمرة عمله. أظن أن هذا المبدأ لن يكون محل نقاش مع الزميل العزيز إلهامي الميرغني أو مع أي من الزملاء الأخرين. النقاش ربما سيكون على تحديد من هم هؤلاء الذين لا يعملون – بالرغم من قدرتهم على العمل - وينجحوا في التخفي في ثياب عاملين؟ ومن هم أولئك الذين لا يحتاجون للتخفي في ثياب عاملين لأنهم يتكسبون عن طريق فرض أتاوات على الناس على طريقة "حسنة وأنا سيدك". هؤلاء وأولئك هم أهم خصم تاريخي وآني ومستقبلي لليسار. فلنأخذ فرصتنا في النقاش لكي نحدد بدقة المعايير التي سنبنى عليها حكمنا في اختيار خصومنا واختيار الأولى منهم بالخصومة الآن وليس غداً. فالخطأ في تحديد الخصوم أو في ترتيبهم يؤدي إلى الفشل.

العمل هو خالق الأشياء. فهل يعمل الرأسمالي؟ ليس بالضرورة. فلنأخذ ثلاثة نماذج. السيد "فلان" يترك مهمة تدوير شركته للعاملين لديه. "فلان" يتحول إذن إلى صاحب ريع، يكسب من عرق عماله. أما السيد "علان" فهو يذهب إلى شركته صباح كل يوم لكي يقوم بمهمة تنظيم وقيادة العمل في شركته، ولكن "علان" ليس مؤهلاً لتنظيم وقيادة العمل. لذلك العمل هناك يتعثر. أما السيد "ترتان" فهو قادر على تنظيم وقيادة العمل بكفائة في الشركة التي يمتلكها. لكن "ترتان" يحصل على نصيب هائل من ناتج العمل من واقع امتلاكه رأس مال الشركة، وليس فقط من واقع عمله كمنظم

الرأسمالي الأفضل من بين الثلاثة هو المدير، وهو منتج لأنه يقوم بوظيفة هامة وهي تنظيم وإدارة العملية الإنتاجية. لا إنتاج حديث إلا الإنتاج الجماعي. فالإنسان في الأصل حيوان اجتماعي. نعم الرأسمالي المدير يحصل غالباً على نصيب هائل من ناتج العمل، يفوق ما يستحقه عن عمله كمنظم. لكن الأكيد أن الشخص الذي يحصل على ثمن مبالغ فيه لقاء عمله، هو أفضل من الذي يحصل على ثمن مبالغ فيه لعمل لم يقم به من الأصل. من يريد إزاحة الرأسمالي المدير المنظم عليه أن يقنع زملائه من العاملين أنه قادر على تنظيم العملية الإنتاجية بثمن أقل، أو أن عملية التنظيم هذه يمكن أن يقوم بها الناس بشكل جماعي ديمقراطي من خلال اتحادهم الحر خارج الدولة أو داخلها. الهزيمة الحقيقية للرأسمالية لا تكون إلا على صعيد عملية التنظيم والإدارة. والحوار مع الفكر الإداري عملية لا يمكن الفرار منها، ودراسة أنماط الإدارة وأنواع المديرين في مصر حتمية إذا كان لنا أن نطور أي فكر تنظيمي مصري قادر على تجاوز نمط الإدارة الفردية الرأسمالية.

الرأسمالي المدير، هذا المنظم الكفء هو إذن الأفضل إذا تطلب الأمر ترتيب الرأسماليين. وبهذا المعنى هو الخصم الأساسي. فالحكمة لا تقتضي فقط من الانسان أن يختار أصدقائه بعناية، بل الأهم في بعض الأحيان هو اختيار الخصوم، لأن الصراع مع خصم رديء فيه خطورة العدوى بالردائة، والصراع مع خصم كفء فيه ميزة التعلم من الكفاءة. هزيمة الرأسمالية الشاملة لن تكون إلا بهزيمة أفضل عناصرها. ولكن لا مانع - على ما أعتقد - من التمرين في مواجهة أسوأ عناصر الرأسمالية استعداداً لملاقاه أفضل عناصرها. المهم في عملية عملية الخصومة مع الرأسمالية هو أن يضمن الداخل فيها ألا يترك نفسه لكي يتم توظيفه من قبل رأسمالية رديئة تتنافس مع رأسمالية كفئة. فالرأسماليين يتخاصمون في كثير من الأحيان فيما بينهم ويستعينون بغير الرأسماليين لحسم الصراع.

الرأسمالية المنتجة أو "الرأسمالية الوطنية المنتجة" – كما سماها اليسار منذ وقت طويل - هي إذن ليست حليفاً ولكنها خصم. خصم يجب احترامه، والاحترام هنا يعني النظر إليه بجدية والاستماع إليه. فهؤلاء الرأسماليين هم أفضل شريحة من المنظمين الفرديين لعملية الإنتاج حتى ولو اتصفوا بالجشع. الرأسمالية المنتجة فعلاً موجودة في مصر. نادرة نعم، ولكن موجودة. ومعكوس هذه الرأسمالية المنتجة هو الرأسمالية الريعية أو الرأسمالية "الفردة" رأسمالية الاتاوات، التي تأخذ نصيب من ناتج العمل من واقع حتكارها المحض لوسائل الإنتاج. لقد أخطأ الكثير منا – بما فينا كاتب هذه السطور – عندما راوغنا في التفرقة بين الأنواع المختلفة من الرأسماليين. فالرأسمالية المنتجة – أو الوطنية المنتجة – موجودة. والخطأ لم يكن في الاعتراف في وجودها وأنما في الدعوة للتحالف السياسي معها. لأن التحالف السياسي يكون بين أطراف سياسية، والرأسمالية المنتجة لم نعرف لها تمثيلاً سياسياً متبلوراً حتى يفكر اليسار – وهو تيار سياسي – أن يتحالف معها. التحالفات السياسية يجب أن تقوم على المنطق السياسي. اليسار يريد أن يعبر عن الذين يعملوا ليكسبوا معاشهم. والمصلحة الاستراتيجية لهؤلاء هي أن تتاح لهم الفرصة لكي يديروا بأنفسهم وبشكل جماعي ديمقراطي الأصول الإنتاجية التي يعملون عليها. وهذا الهدف الاستراتيجي يتطلب اليوم انتزاع حق التنظيم والإدارة الجماعية الديمقراطية في كل المواقع الممكنة. التحالفات السياسية لليسار يجب أن تقوم أساساً على المنطق السياسي، ومعيارها الأساسي هو قضية الحريات. الأقربون لنا هم هؤلاء الذين لن يعارضوا اتساع دائرة الحقوق لكي تشتمل - بالإضافة للحريات الفردية – على حرية تنظيم الناس في نقابات وأحزاب وجمعيات. واللقاء مع هؤلاء الأقربون سيكون على هذه الأرضية، وبدون تنازل عن المستقبل، أي بدون تنازل عن فكرة أساسية ينتحر اليسار لو تخلى عنها، وهي أن الرأسمالية نظام اجتماعي صنعه بشر، وهو حتماً قابل التجاوز. المهم أن يكون التجاوز للأمام وليس للخلف. فلا قدسية للملكية الفردية لوسائل الإنتاج في مواجهة توافق المجتمع على أن ينظم العملية الإنتاجية بشكل أفضل حتى لو تتطلب ذلك تأميم بعض أو كل وسائل الإنتاج. فإذا توافقت غالبية الناس على إدارة وسائل الإنتاج بشكل جماعي ديمقراطي في هذه الحالة تسقط دعوي قدسية الملكية الفردية لأدوات الإنتاج. فلا قدسية لهذه الملكية على حساب تقدم ورفاهية وسعادة الغالبية العظمي من الناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو


.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي




.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي