الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمن تهمه الجغرافيا: فلسطين جنوب واشنطن لا جنوب سوريا

عادل سمارة

2007 / 11 / 13
القضية الفلسطينية


تعلمنا ذات يوم أن الموهوبية الثرواتية لا يمكن نقلها من بلد إلى آخر، فهي مَنَّة طبيعية، كما لا يمكن خلق مثيلة لها، وهذا ينطبق على النفط والأماكن المقدسة. لكن الرأسمالية، بموهوبيتها في التكيف تمكنت من حل الأمر. فالراسمالية هذه هي السهل الممتنع، اصبحت مع تدهور بلدان المحيط وخاصة العربية مثابة سهل على الغرب ممتنع علينا، وكأنها موهوبية ثرواتية للغرب، مما يعزز مزاعم ماكس فيبر عن البروتستنتية. ربما ليس هذا سحر راس المال، وإنما تركيبته "اللدنة" قدرة الراسمالية على "الإنطعاج والإنبعاج" حسب قوة الموجة كي تستوعبها وتبتلعها وتمشي، أو كما كتب الراحل فؤاد مرسي: "الرأسمالية تجدد نفسها".

لذلك، كي تحل الرأسمالية مشكلة الموهوبية الثرواتية قررت الإستعمار بشكليه الكلاسيكيين العسكري المتنقل والعسكري المستوطن، واشكاله الجديدة المتجددة وخاصة التبادل اللامتكافىء القائم على تبعية حكام المحيط مصلحياً للمركز حيث يُبدون مفاتن بلادهم كل يوم لاستقبال ما يسمى "الإستثمار الأجنبي المباشر" وهذا اليوم حال مختلف بلدان النفط العربي ، أو التبادل اللامتكافىء المسلح، كما هي العلاقة الإقتصادية بين بقايا فلسطين (الضفة والقطاع) والإحتلال الأول لفلسطين 1948 او الكيان الصهيوني الإشكنازي، وبدرجة قريبة نقل العراق إلى الإحتلال المباشر.

وبغض النظر عن مختلف أشكال الإستعمار، فإن الإستعمار نفسه هو اختصار للجغرافيا، وإن اسمى ذلك أو برره بالجيوبوليتيك. إلا أن العلاقة الغريبة بين الولايات المتحدة واتباعها من العرب أنظمة وأنجزة وقوى سياسية قد طرحت شكلاً جديداً من اختصار الجغرافيا، لم يكن معهوداً. فمن يتنبه إلى تقافز السيدة رايس بين واشنطن والمستعمرات العربية والحضور الذي نراه كل ساعة للسيدة رايس في الوطن العربي، والترحيب الرسمي العربي بها، يشي وكأنها هي صاحبة المحل وترحب بضيوفها العرب في مكة والقاهرة ورام الله. هذا التغيير في الموقف والموقع كأنما يسحق الحيِّز تماماً لدرجة تبدو معه فلسطين كأنها جنوب واشنطن. وسحق الحيز هذا يذهب بنظريات هنري ليفيفر، وديفيد هارفي وصديقنا مفيد قسوم في الحيز وحتى في الزمان.

فلسطين جنوب أميركا

ما أن وزع السيد طلال ناجي دعوة لمؤتمر في الشام في فندق صحارى لمعارضة دعوة جورج بوش لمؤتمر الخريف، حتى انفلتت العفاريت من عقالها بأعداد وأنواع لا حصر لها. أمر مفاجىء حقاً. وقد تكون قمة المفاجأة فيه، أن تصطف أميركا والكيان على راس المدافعين عن منظمة التحرير الفلسطينية. هذا رغم أن مؤتمر الشام يرفع ايضاً راية منظمة التحرير! فكما رشح من دعوة طلال ناجي، لم تكن خارجة عن الموقف الكلاسيكي وهو الإنطلاق من تحت عباءة منظمة الحرير ومحاولة إصلاحها! وكذلك الإنحصار طوعاً أو كرهاً في حدود استعدادات الموقف السياسي لسوريا.

وهذا يطرح علينا سؤال تعريف هذه المنظمة. من يستطيع تعريفها؟ هل هي مكاتبها أم برنامجها أم ميثاقها أم من يشكلون قيادتها؟ والأهم هو: هل بقي لقيادة المنظمة شرعية بعد إلقاء السلاح وإلغاء الميثاق والإعتراف بان "إسرائيل وطن الشعب اليهودي وفلسطين وطن الشعب الفلسطيني"؟ كما ورد في النقاط الثمانية بين أبو مازن والمرت. يُقال في كواليس الأرض المحتلة أن ابو مازن تمنى على أولمرت أن تكون هذه النقطة من النقاط الثمانية التي اتفقا عليها على النحو التالي: إسرائيل وفلسطين وطن الشعبين- ولو من قبيل الإستهلاك المحلي". فاستشاط أولمرت غضباً وفغر فاه حتى بأوسع مما أغدق الله عليه. كيف لا وهذا الأمر يفتح على دولة واحدة التي بصيغتها الديمقراطية العلمانية ستبقى دولة راسمالية لليهود الذين سيبقوا "المالكين" الحصريين للأرض الفلسطينية، دون نص صريح على حق العودة، ليصبح الفلسطينيون إما لاجئين، او عبيداً لدى الدولة "الديمقراطية" وهذا ما يُبهج اليسار الصهيوني من حزب العمل حتى بعض التروتسكيين. أو يفتح على دولة واحدة إشتراكية مع حق العودة بوضوح وهذا ما لم تعد مستحاثات الماركسيين الفلسطينيين والعرب قادرة على تخيله. فقد خلعوا الذاكرة والشعار، وأصبحوا يرون فلسطين في خرم إبرة "غزة أريحا".

ومن جانب آخر، إذا كان بوسع قيادة الحكم الذاتي الزعم أنها منتخبة، فهل قيادة المنظمة منتخبة؟ وإذا زعم البعض ان هذه القيادة استمراراً لمبايعة غير معلنة لقيادة الكفاح المسلح، فهل يمارس قياديو المنظمة هذا الكفاح؟ ألا تكفي الطبعة الأولى من وثيقة عبد ريه-بيلين "وثيقة جنيف" لتنفي عن هذه القيادة زعمها تمثيل الشعب الفلسطيني؟ فما بالك بالطبعة المجددة لهذه الوثيقة (انظر القدس 6-11-2007). يحاول البعض نسب ما يفعله عبد ربه إلى الشخص نفسه، وهذا غير دقيق. فالقيادة متآلفة متلاحمة كفريق واحد، وبالتالي، فهو يفعل ما توافق عليه كل القيادة، إلا إذا اعترض أحد. هل وثيقة جنيف، وحتى أوسلو لها علاقة بالتحرير والعودة؟ بالمطلق لا. وهل لهما علاقة بميثاق المنظمة قبل تعديله؟ بالمطلق لا ايضاً.

بيت القصيد في هذا المستوى، ان معظم القوى السياسية الفلسطينية إصطفت مع مؤتمر أميركا مغطية ذلك من خلال التفافها حول قيادة منظمة التحرير. وهو ما اعاد وكرر قناعة ربما كتبتها أكثر من مرة، إن قيادات غالبية القوى السياسية الفلسطينية لا تؤمن في داخلها ودخيلتها بحق العودة، لكنها لم تصبح قوية بعد لإعلان ذلك.

لذا تبارت الأقلام ومشافهة الفضائيات على نقد مؤتمر الشام، ناهيك عن الهجوم الكاسح على اقتراح حماس لمؤتمر في غزة واصطف الجميع وراء مؤتمر أنابوليس لنرى في الصف بوش والحكام العرب والسلطة الفلسطينية والأنجزة وقيادات فصائل منظمة التحرير...الخ.

إذن، تنبهوا يا غفاة البشر، يا حُفاة البشر، فما يحصل أكثر فظاعة من سحق الحيِّز، ونقل الموهوبية الثرواتية. ولعل أطرف ما في المواقف موقف السيد نايف حواتمة، الذي انتقل من الماركسية ووجوب إسقاط الأنظمة العربية إلى لقاءات متواصلة مع حكام البلدان العربية وخاصة قَطَرْ، التي ثلث ارضها قاعدة أميركية والباقي لا شك مباحاً. قال حواتمة (القدس 6-11-2007) إن مؤتمر دمشق بات وراء ظهر الجميع واصحابه أجلوه إلى إشعار غير معلوم. وكان في طريقه إلى قطر التي تتوسط ، حسب قوله، بين فتح وحماس ، واصفا الوساطة القطرية ب "الأقربون اولى بالمعروف". باختصار، انتهى حواتمة إلى رفض مؤتمر الشام، وتبرير مؤتمر أنابوليس. وهل يعقل أننا نعيش عصراً تقف فيه فصائل منظمة التحرير مع مؤتمر في أميركا ضد مؤتمر في دمشق؟ ولمن لا يعرف، فإن فلسطين هي جنوب سوريا وليست جنوب واشنطن. حينما يصل المرء إلى المفاضلة بين واشنطن ودمشق، يكون قد انتهى أميركياً.

ليس حواتمه وحده في هذا المعترك. فالكثير من خريجي اليسار، ومنظمات الأنجزة، يدعمون أنابوليس مقابل دمشق، ولكن تحت غطاء: "إلاً حماس"، اي فليأت من يأتِ ، ولكن معاذ الله أن تأتي حماس، هذا رغم أن مؤتمر الشام ليس بدعوة من حماس. لكن هؤلاء وقد تشربوا حليب التسوية، فأصبحوا ينطقون لغة عولمة راس المال، اي موقف ضد كافة أنواع المقاومة، وموقف ضد كافة أنواع الإسلاميين المقاتلين. وبالطبع تجري التغطية على المشروع الذي يخدمونه بعبارات من طراز: "حماس ليست مع المرأة" وهذا صحيح، ولكن كم رجل في فلسطين مع المرأة؟ وكم مرأة مع المرأة؟ بمعنى آخر، يجري الإننظام في خدمة أميركا من خلال الزعم بتحرير المرأة. وحين ننتقد علاقتهم باميركا يقولون: "التخوين ممنوع". وكأنهم لم يعرفوا بعد أن لا داعٍ لتخوين أحد، لأن الخائن يعرف نفسه ويفتخر هذه الأيام.

وإذا كان هذا ما يدورفي أوساط في الضفة الغربية، فهناك صحفيون عرب يرتكبون فظاعات لا حدود لها. بعضهم، (لن نذكر ألأسماء رغم إن هذا ضعف اكاديمي) اسمى العلاقة بين سوريا وإيران وحزب الله "فسطاط الممانعة والمقاومة" الذي اصبح له رأس جسر في غزة كرأس الجسر الذي أقامه حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت" .

مؤتمر فسطاط الممانعة والمقاومة سيكون مهرجاناَ، أحد أهدافه إظهار ان
م ت ف لم تعد ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وإنشاء منظمة تكون مسلحة بالسياسات والتوجهات السورية. هذا هو هدف مؤتمر صحارى.

عجيب حقاً، فالرجل لم يرَ من حزب الله سوى علاقته مع إيران وسوريا، ورآها علاقة في موقع الإدانة والتخريب. ولكن على مَن؟ على معسكر واشنطن! أليس هذا انقلاب في جغرافيا الذهن! اصبح المطلوب ليس الحفاظ على الوطن ولا عروبة الوطن، ولا حق العودة ولا القدس، بل الحفاظ على "قيادة" منظمة الحرير وكأن هذه القيادة آل البيت الحقيقيين! هل يمكن لعاقل أن يختصر حزب الله إلى مجرد جسر لهذا أو ذاك؟ بعد كل هذه التضحيات المنتصرة، مقابل حاضر وتاريخ مهزومين ومتمتعين بالهزيمة، هل يمكن وصف حزب الله هكذا؟ فحتى باطلاعي المحدود على التفكير الصهيوني، فهم يصفونه باعلى من هذا بكثير. ثم تاتي سيدة متأنجزة، تفيض بالمال لتقول: "إلا التخوين". أيتها السيدة، الخيانة تنطق اليوم ولا حاجة لاستنطاقها أو النطق عنها.

كتب أحد الكتاب الماركسيين يقول عن لبنان: "إذا كانت المقاومة ضرورية". أي عجب عجاب هذا؟ فالماركسية كما نعرفها تدعو إلى تغيير العالم وليس تفسيره. هل ينكر عاقل انه في حالة لبنان وفلسطين والعراق والصومال والسودان وكل الوطن، أن المقاومة وحدها نبض الحياة. هل يمكن لأحد في وطن تحت كافة أنواع الإحتلال والإستعمار والمهانة أن يتساءل: "إن كانت المقاومة ضرورية"؟ وإذا لم تكن ضرورية اليوم فمتى؟ لم أتخيلَ أن يكون لفؤاد السنيورة حلفاء وحواريين باسم الماركسية. قد يزعم البعض أن جملة واحدة لا تعبر عن موقف ولا تحتاج لكل هذا التعليق. واعتقد أن هذه إما سذاجة، أو تسطيح مقصود للحقائق. فالإحتلال والإستعمار والإحتلال الرسمي العربي للوطن العربي، هي كبرى كوارث هذا الوطن. وحينما يزعم البعض أن المقاومة "ربما" ضرورية، فهو ينطق عن وعي، عن موقف يكره المقاومة، لأنه موقف في وجود الكيان الصهيوني "تاجاً" على راس الأمة العربية "المتخلفة"!!

قد يختلف الناس فكرياً وثقافيا ونظريا وفنيا وأدبياً، أما حول المقاومة فالإختلاف هو اختلاف مع الأمة والتاريخ والتراث والذاكرة... وللسيدة المتأنجزة إذا سمعت هذا الحديث ان ترفض تسميته خيانة. سمه يا سيدة ما شئتِ.

ولكن لماذا الهجمة على سوريا؟ قد يفهم المرء الهجوم على إيران، لدورها في العراق، ولأنها تحتل الأهواز (وبالطع الأهواز منسية كلواء الاسكندرون، والجزر الإماراتية الثلاث، وفلسطين على الطريق)، هذا مع العلم أن كثيراً ممن يهاجمون إيران، ليس لهذه الأسباب. وقد نعرف أن هناك من يهاجم إيران على أرضية طائفية مذهبية وحتى قومية. ولكن هذه الأمور لا تنطبق لا جزءاً ولا كلاً على سوريا! بل قد يفيد القول هنا إن صلاح الدين لم يكن عربياً، فهل نتنكر له؟

وإذا كانت سوريا مدانة لعدم فتح حدودها للمقاومة، فمن ينتقدونها فيما يخص مؤتمر الشام (في فندق صحارى) لا يؤمنون بالمقاومة اصلاً. ومع أن سوريا لم تفتح حدودها، إلا أن لسوريا دور كبير في مساعدة حزب الله والمقاومة اللبنانية، وهذا شرف كبير.

في اي سياق يمكننا إذن معرفة اسباب الهجوم على سوريا، بل اسباب تفضيل واشنطن على دمشق؟ هل بقي غير مسألة اساسية واحدة، هي أن سوريا ما تزال في خط الممانعة. وهذا ما لا ترضى عنه أميركا باي حال من الأحوال. صحيح أننا نريد سوريا في خط المقاومة، وصحيح أن للطبقة الحاكمة في سوريا حساباتها مما يمنعها من الذهاب في الشوط إلى مداه، ولكن ليست هذه التقصيرات هي سبب هجوم هؤلاء على سوريا!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وول ستريت جورنال: إسرائيل تريد الدخول إلى رفح.. لكنّ الأمور


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق الحالية بين حماس




.. صحيفة يديعوت أحرونوت: إصابة جندي من وحدة -اليمام- خلال عملية


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. نتنياهو يعلن الإقرار بالإجماع قررت بالإجماع على إغلاق قناة ا