الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاجوز

كريم كطافة

2007 / 11 / 13
كتابات ساخرة


قد تبدو هذه المفردة للبعض، أنها من طينة الكلام العامي. فقط لأنها تستخدم في الشارع وليس في الكتب والمؤلفات. لكني أختلف مع هذا البعض معلناً أن هذه المفردة هي من حبال مضيف اللغة العربية. جذرها (جدها الأول) معروف وهو (حجز) منع شيئاً من الحدوث. والحاجوز في عرفنا الشارعي إن كان عشائرياً أو مدنياً، هو ذلك الإنسان المتورط بـ(عدم الانحياز) في مشاكل جماعته. ما أن تحدث (عركة)، (كونة)، (شجار) إلا وتجده في وسط المتكاونين، قد يتلقى من الضرب والركل أكثر بكثير من أولئك المفترضين أهدافاً لذلك الضرب والركل. لكنه رغم ذلك يستمر حاجوزاً بين القوم، مانعاً لتلك (الكونة) من الانتشار.
إذن، مهمة هذا المخلوق رجلاً كان أم امرأة هي مهمة جليلة بكل معاني الجلال. لأنه مشروع واسطة خير معروضة لأولئك الذين يتلاعب في نفوسهم وعقولهم (الشيطان) في ساعة غضب. لكنها أيضاً خطيرة. على الأقل لما فيها من أذى سيلحقه شخصياً، على الأخص حين يكون السلاح المستخدم في حل المشاكل سلاحاً مميتاً. ولهذا السبب، قد لا يجد كل من هب ودب في نفسه المقدرة والاستعداد للعب هذا الدور.
من الحواجيز المتمرس والخبير بشؤون مهنته، حتى أن مجرد وصوله إلى ميدان (الكونة)، تجد المتكاونين قد هدأوا وعاد كل منهم إلى حدوده. لكن، من الحواجيز كذلك من تجده غشيماً، الأمر الذي يحوله فيما بعد إلى جزء من المشكلة وليس حلاً لها. لأن من المتكاونين من يكتفي بضرب أو محاولة ضرب خصمه فقط، هنا يعرف الحاجوز أين عليه الوقوف. لكن، منهم من يدخل حومة الوغى ناسياً نفسه وخصمه، لذا تجده يضرب (عامي شامي) كما كان يحدث في الافلام المصرية القديمة، ما أن يهم (البطل) (فريد شوقي) بضرب (الشرير) (محمود المليجي)، حتى تجد رواد المقهى (الكومبارس) كل بدأ بضرب الذي أمامه وهم كانوا حتى لحظة الضرب يلعبون الورق ويشربون ويضحكون مع بعضهم كأصدقاء..!! عندها سيضيع الخيط ورأسه على الحاجوز..
هذه المهنة (الحاجوز) نجدها منتشرة في العادة في بيئات لا يحكمها دستور مكتوب ومتفق عليه، بل تخوض حياتها وفقاً لتقنية (قال فلان عن علان عن حديدان.. عن عن..إلخ). لهذا تجد وسائل الحل والحلول مختلفة ومعقدة، لا يتنطع لها إلا أولئك المجربون العارفون بدروب ومسالك الأسلاف..!!
إذن، وظيفة الحاجوز غير متوفرة في أوروبا مثلاً أو في أمريكا. لأن هذه بيئات حكمتها وما زالت دساتير وقوانين مكتوبة ومعروفة منذ قرون بعيدة وتمرسوا في ممارسة حياتهم وفق تلك الدساتير. كل يعرف حدوده ويعرف العواقب في حالات التخطي. لكن، السؤال هنا؛ ما الذي جعل أمريكا غير المتمرسة بشؤون مهنة الحاجوز، حاجوزاً في (الكونة) العراقية.. وهي من أعقد الكونات لأنها (كونة كومبارس)..!!؟
أعرف أن هناك من سيتنطع لي ويصمني ربما بالغباء، معلناً: يا هذا أن أمريكا هي سبب المشكلة وليس الحاجوز..!! وأعلم أن هناك من سيخبرني أن دول الجوار وغير الجوار دخلوا كلهم بجيوش قدسهم وفقهاءهم حواجيزاً.. حاملين العصي والسكاكين والأحزمة الناسفة يوزعونها على المتكاونين. . وأعلم أن هناك من سيحاول نسف كل ما بنيته في هذا المقال، معلناً عدم وجود حاجوز من الأصل.. لأننا نعيش عصر المصالح من ليس له خبزة في (الكونة) لن يقربها.. إذن كل حاجوز هو طرف وليس وسيط.. نافياً هذا الأخ (عدم الانحياز) تماماً من قاموسه.. وأتوقع كذلك ردود جماعات العولمة ومن طرفي متراس الصراع العولمي القائلين أن (الكونة العراقية) ما هي إلا نتيجة منطقية للعولمة.. بل هي أولى (كونات الكومبارس) العولمي، كل مقاهي الجوار العراقي مهددة بها.. لأن العولمة ماضية شاء من شاء وأبا من أبى واللي ما يعجبو يروح يشرب من البحر الميت..
كل هذا أعلمه يا جماعة.. لكن الواقع الذي أمامي يخبرني يومياً أن كل أطراف (كونة الكومبارس) العراقية متمسكين بأمريكا حاجوزاً وحيداً وشريفاً وأولهم أولئك الداعين إلى انسحاب المحتل، بل حتى حواجيز الجوار نجدهم يتوسلون بحاجوز تكساس أن لا ينسحب قبل إعادة الكراسي إلى مواضعها.. ومنهم من ذهب بعيداً، قائلاً؛ أن على المحتل أن لا ينسحب حتى يعود المتكاونون ويشربون الشاي مع بعض على نفس الطاولات التي انطلقوا منهم في البدء..!! إذن نحن أمام حاجوز استثنائي يا جماعة الخير وعلى معاهد الشفافية العالمية أن تقوم بدراسة تجربته الفريدة دراسة معمقة.. !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب