الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكة 2 ... جنيف 2 ... ومآل المصداقية السياسية

رشيد قويدر

2007 / 11 / 13
القضية الفلسطينية


الشفافية الغائبة هي أكثر ما تحتاجه الحياة السياسية الفلسطينية، خاصة في الجهود المبذولة لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، والخروج من عنق الحالة الانقسامية الراهنة. وغيابها يعني الغموض والمناورة والتأرجح بين المعاني، التي تمنع التطور الديمقراطي الحقيقي للنظام السياسي الفلسطيني، وحين يقع الانقسام والتجزئة فإن الجميع يردد حقيقة تاريخية قديمة مستمرة تقول بأن التفتيت منهجية الاستعمار والصهيونية. وإن وقعت في قطاع غزة من أجل الزعامة والإمارة الإيديولوجية المنشودة، حتى لو كانت إسقاطاً لكل قيم ومبادئ المقاومة، فالهدف الرئيسي هو السلطة والإمارة.
لعل البعض ينسى واقع الخصوصية الفلسطينية، التي أملت نشوء السلطة قبل الدولة، بل لقد نشأت دون أن تكون هناك دولة أو سيادة أو قدرات، فهي في العراء تحت الاحتلال يغيب عنها الوطن، وإن توفرت لها "غنائم ومغانم"، أليس هذا هو ما أبعد طرفيّها طويلاً عن خيار حكومة الوحدة الوطنية، عملاً ببرنامج الوحدة ـ وثيقة الوفاق الوطني (26 حزيران/ يونيو 2006)، ثم الولوج في نفق الأزمة السياسية الوطنية. وهذه المعادلة بالذات عرضت سلطة حماس في قطاع غزة لضغوط التخلي عن "الثوابت" التي لا تستطيع أن تقبلها إيديولوجياً، وبذات الوقت خضوعها لسطوة وشهوة السلطة، الأمر الذي وضعها في حالة عاجزة عن الانخراط في السياسة، وطالما أن الهدف الرئيسي هو السلطة.
لقد سبق أن دعا محمود الزهار وبشفافية تحت نشوة الانتصار؛ إثر الانقلاب العسكري الدموي في قطاع غزة، لإقامة دولة إسلامية في قطاع غزة، الذي جرى سلخه بوحشية عن الضفة الفلسطينية، وتشبيه ذلك الحدث بـ "فتح مكة"، مستعيداً في الذهن الفكر الشمولي "الإخواني" والعقلية الشمولية، التي لا تكتفي بتصفية الخصم، بل تشوه بـ "التكفير" والتخوين، مسارعاً إلى طمأنة "إسرائيل" بأن "لا هجمات بالصواريخ من قطاع غزة"، وهذا ما يفسر الاشتباكات اللاحقة مع حركة الجهاد ومقاومتها، فضلاً عن مقولات جرى ترديدها دونما توقف عن "تحريم الدم الفلسطيني" و"الدم الفلسطيني خط أحمر" و "الحرب الأهلية محرمة والتجزئة من فعل العدو"، وصولاً إلى ضرب المصلين بالساحات، كسراً لرائعة سعيد عقل في قصيدته "غنيت مكة" ... "أنا أينما صلى الأنام رأت عيني السماء تفتحت جودا" .. زيف الشعارات أمام إغراءات الإمارة، حين يكون المنتصر خاسراً، يخسر حرباً ضد نفسه، لأنه لم ينتصر عليها، وإنتاج سلطة أشبه بمجلس الحداد. هل نحن الآن أمام مكة2 ؟! ...
حملت صحيفة "الحياة" اللندنية يوم 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، خبراً تحت عنوان "أبو مرزوق هاتف دحلان لاستئناف الحوار"، ونسبته إلى مصادر موثوقة أوضحت أن "أجواء عدم الثقة بين الطرفين، حالت دون تجاوب دحلان معه ..." يحاورون من كفّروا وخوّنوا، والأجدى العودة إلى "وثيقة الوفاق الوطني" وجملة المبادرات الداعية إلى عودة حماس للتراجع عن انقلابها العسكري، بإعادة الأمور في قطاع غزة إلى وضعها الطبيعي، الوطن الواحد بأنظمته ومواثيقه وقوانينه وآلياته الداخلية، كشرط ضروري لاستعادة الحوار الوطني الشامل، والمقدمة لإعادة بناء وترتيب البيت الوطني الفلسطيني، ونظامه السياسي، ونسيجه الاجتماعي على قاعدة الاتفاقات الوطنية "وثيقة الوفاق الوطني ـ إعلان القاهرة"، هنا حجر الرحى وجوهر الأزمة، وكيف يمكن تجاوزها بعد أن أصابت العقل والوجدان بالصدمة، وأصابت أضراراً بالقضية الفلسطينية على نحوٍ غير مسبوق، والشفافية هي أكثر ما تحتاجه الحياة السياسية الفلسطينية لدى طرفي الاحتكار الثنائي.
على الضفة الأخرى من ثنائية الانقسام، تستعاد الأقنعة طالما يغيب "النقد والنقد الذاتي"، ويمكن تحديد القناع المناسب لكل المناسبة مع رموزها حين تسحب من الأدراج والرفوف. منها الآن على أمل ذكرى "تفاهمات جنيف"، إطار العمل غير الرسمي الذي وقعه مفاوضون فلسطينيون وإسرائيليون عام 2002، وبمثابة رؤية لحل الصراع وفقاً لمبادئ تلك التفاهمات، والتي سميت بـ "وثيقة عبد ربه ـ بيلين"، التي تنازلت عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ووطنهم، ويتقدم هذا التنازل في وثيقة صيغت نتاجاً لسلسلة لقاءات سرية بين يوسي بيلين ومقربي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لمثل هذه المهمات، وعلى رأسهم ياسر عبد ربه "معاريف 5/11/2007". "من أوري يبلونكا، تحت عنوان "قبل أنابوليس وثيقة تفاهم بين بيلين وعبد ربه" تناولت "الاستعداد للتنازل عن حق العودة، شارك في صياغتها أيضاً مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وأكدت الصحيفة "وبحسب مصدر ضالع في الاتصالات، أن رئيس فريق المحادثات الفلسطيني أبو علاء، يعرف هذه الورقة ويصادق على مبادئها الأساس".
كما أوردت بحسب الوثيقة التي وضعت قبل لقاء أنابوليس تحت عنوان "اتفاق أساس" النص التالي: "يعرب الفلسطينيون عن استعدادهم الإعلان منذ اليوم عن أن اللاجئين الفلسطينيين لن يسمح لهم بالعودة بجموعهم إلا إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية، وليس إلى الأراضي الإسرائيلية، أما اللاجئون الذين يفضلون عدم السكن في الدولة الفلسطينية، فستعالج أمورهم آلية دولية، في إطارها تستوعب الدول المختلفة وليس بالذات إسرائيل اللاجئين". وعلى الدوام بحسب الوثيقة؛ إذا ما تم تبني مثل هذا الترتيب من قبل إسرائيل، فإن الفلسطينيين سيعلنون بأنهم يتخلون عن مطلبهم التاريخي بشأن تطبيق قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 194، والذي يفرض على إسرائيل المسؤولية لحل مشكلة اللاجئين، أي بالعودة إلى ديارهم ووطنهم.
في مسألة القدس، نصت الوثيقة على صيغ غامضة، وهو موضوع لا يوجد عليه أي اتفاق في "إسرائيل"، في مسألة الحدود الدائمة، في حين تقرر الوثيقة أن إسرائيل ستوافق على الانسحاب إلى حدود 1967، "مع تعديلات طفيفة ومتبادلة متفق عليها بنسبة 1%، وأشارت الصحيفة أن نسخة من الاتفاق المكتوب سلمت إلى وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، ولمحافل سياسية دولية في القدس ورام الله.
حتى الآن لا يوجد أي تعليق من رأس السلطة الفلسطينية، ويرفض كلاً من عباس وبيلين التعليق على ما ورد بالصحيفة، لكن مدير عام "مبادرة جنيف" غادي بلتيانسكي أكد التفاصيل الواردة بالقول "مقتنعون بإمكانية الوصول إلى اتفاق في أنابوليس، وهذه الورقة (الوثيقة) هي نوع من الإثبات على ذلك.
بعد هذا كله، وفي غياب الشفافية والمصداقية، فإن ما يجري يهدد مصير القضية الوطنية للشعب بأفدح الأخطار إن تم السكوت عليها، ستصل إلى نهايتها بشكل أو بآخر بلحظة سوداء قادمة، شبيهة بتلك اللحظة ـ وربما أفدح، التي وقعت بها القيادة المتنفذة اتفاق أوسلو بعيداً عن أعين الشعب، وقواه الحيّة الوطنية. وبالعودة إلى حالة الانقسام الفلسطيني القائمة، فهي تستهدف إغراق الفلسطينيين تحت الاحتلال في اليأس والاستسلام، في الوقت الذي لن تسمح القوى الوطنية والديمقراطية، والقوى المجتمعية الحيّة بدوام الحال الشاذة، أو تمرير اتفاقات قذرة تعيدنا إلى أوسلو السيئ الذكر، والذي تهاوى أمام التضحيات الفلسطينية في المسيرة النضالية الطويلة، والوقوف بوجه احتكارية الحركتين فتح وحماس من اختزالهما متطلبات التحرر الوطني، ومن طرح برامج نضالية وطنية موحدة "وثيقة الوفاق الوطني" للمرحلة المقبلة في مواجهة الاحتلال، وبناء مؤسسات وطنية جامعة بدلاً من حسابات سلطوية.
في نقطة سالفة من الزمن كان هناك "جنيف1" يعاد استنساخه مجدداً، نسجه إيديولوجيو اقتصاد "البقشيش" على حساب الوطن، بعضهم مرتدين من يساريي الأمس، وبعضهم من "يغنم" من هذه الميزة الاقتصادية لاقتصاد البقشيش، على حساب الشفافية والصدقية في الخطاب والفعل السياسي، في مزيجٍ لمآل الفساد السياسي، فالصدقية الوطنية لا تباع أو تشترى، بينما ثمة بشر تُباع وتشترى، ليتسوقوا السياسة في "اقتصاد بيع الخدمات" السياسية، عبر "البقشيش" والمعونات "النزيهة"، وبالتأكيد فإن هذا هو ما يفصلهم عن الناس، وعن حال الوطن والدنيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أضواء قطبية -مذهلة- تنير السماء بفعل عاصفة شمسية -تاريخية-


.. النيابة العامة في تونس تمدد الاحتفاظ ببرهان بسيس ومراد الزغي




.. الجيش الإسرائيلي يعلن تكبده خسائر بشرية على الجبهة الشمالية


.. الحرب تشتعل من جديد في جباليا.. ونزوح جديد للغزيين




.. بعد الزلزال.. غضب في تركيا و-مفاجآت سارة- في المغرب