الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حنين إلى حفلة
حمزة الحسن
2003 / 11 / 9الادب والفن
جلادي القديم ورغم كل شيء فأنا حزين من أجل اطفالك في الأقل. لم تكن تعرف ان نوبات جلدك كانت نوبات نفي لأيام قادمات. وهذا الوطن الكبير الذي رفضت أن نكون شركاء فيه، صرت أنت الآن غريبا ومنفيا ومطاردا فيه فضاق عليك كما ضيقت علينا. أنت الآن في مخبأ أو جحر ونحن في منفى. قد لا تستطيع اليوم ان تشارك في حفل دفن موتاك. قد لا تستطيع أن تفتح فمك في مكان عام لم تتعلم الدرس لا أنت دورة انتاج جديدة للموت والخوف ربما لا تدري أنك موجود اليوم على أجساد ضحاياك حتى الذين لم تجلدهم بعصاك شوهتهم على نحو مكشوف وسري هم حملوك في داخلهم كما يحمل مسافر هارب حقيبة يختبئ فيها عقرب قاتل في مكان ما. تسللت إلى أرواحهم كما يتسلل لص عبر نافذة أو كوة في جدار. وهنا خطورتك. هم يعتقدون أنهم نجوا منك أنت حاضر في طراز العيش وفي عقلية الحذف والالغاء والمحاكم الفورية وأنت أيضا وقعت في الخطأ المكلف حين تصورت أنك تخلصت منهم الشيء الذي دمرك أكثر ودمرهم أكثر انت لم تفرق بينهم وبين وجودهم على أرض هذا الوطن. وهذا ما سيقع فيه ضحاياك كذلك من بعد هناك تواقيع سرية فظيعة تركتها على نفوس ضحاياك وارتحلت معهم مثل ظلال الظهيرة بكل خفوت وكتمان. والعجيب أنهم يفعلون ذلك أنت كنت تجلد بلا دليل وعلى النية هم يتحدثون عن الحرية والثورة والقانون والعدل والتعددية والدستور ولا ينقصهم غير شيء واحد هو أنهم لا يصدقون ما يقولون ولا يؤمنون به لأنه ليس جزءا عضويا من بنية العقل بل هو ملصوق بصمغ مغشوش لصقا. وان هذا للتمشدق والكتابة ليس إلا. علامتهم الوحيدة هي أنهم يحملون توقيعك السري. وعقابه الوحيد هو القبر وضحاياك ليسو غير قادرين على قيادة مشروع ثورة فحسب أنت طبال حتى في غرفة تعذيبك نوع من تبادل الخبرة والأسلحة والأرواح. فالنفوس المشوهة تحوّر من شكل أجمل الأمكنة أنت مازلت تشكل مشهدا من الحدث على صور كثيرة وهؤلاء فقدوا قدرة الاستمتاع الطيب بجمال الفصول وكل شيء صار ديكورا أفرغتهم من صلابة الروح في انتظار جوابك أنا أعيش في مسلخ يسمى منفى
أخيرا تساوينا أنا وأنت في كل شيء
فلم تعد انت تملك وطنا كما لم اعد أملكه.
طردتني منه وطردوك منه.
وكان يجب أن تعرف ان هذا سيقع يوما لأن مبدأ الشراكة في الوطن يقوم ليس على أساس توزيع جزمتك على ظهورنا كتوقيع رسمي، بل على أساس المشاركة في كل شيء.
أشعر اليوم بنوبة حنين إلى حفلة تعذيب.
لم تكن تعرف أنك في ذلك الارهاب الوحشي كنت تقربهم كل لحظة من هذا القدر المخيف اليوم.
تساوينا في القبور أيضا.
كما كنت تفعل معنا.
كما كنت تفعل معنا.
ولا الذين كانوا قبلك
ولا الذين جاؤوا بعدك.
كأننا مصنع تفريخ للرعب.
القدامى
وعلى أرواحهم.
ويبدو أن عصاك لم تكن تجلد الجسد
بل تشوه الروح.
جلدتهم بنظرتك
وغاراتك اليومية على أسرتهم
أو على حيطان جيرانهم
أو في (حفلات) الإعدامات في الشوارع.
وشوهوك أيضا.
وكانت أرواحهم هشة وقابلة للسطو.
لا مناعة منك لأنك لم تعد جلادا عاديا
بل تشكيلة قيم ومعايير وطريقة تفكير من التكرار وطول الزمن.
كما اعتقدت أنت انك تخلصت منهم.
كلاكما وقع في الخطأ الرهيب نفسه.
هم يمارسون نفس أساليبك بمهارة من يحمل مرضا قاتلا دون أن يدري
لأن طبيعتك الوبائية هي الكمون والسرية والانتقال مع الضحايا أينما ارتحلوا مثل عقرب اصفر في حقيبة سفر أو خرج بدوي.
لأنهم جزء من ذاكرة عامة ومبدأ الشراكة في وطن وتاريخ ومصير وأمل.
هو أنكما تجهلان
ان الآخر هو وجه مشترك.
ولم تكن تفهم أن حذفهم الجسدي لا يلغي حقهم التاريخي في الأرض ولا حق نسلهم.
لأن وحشيتك كانت مدرسة سياسية ونفسية وعقلية وأنت دربتهم
أكثر مما عذبتهم
أو كان تعذيبك تدريبا لهم على سلطة يوم قادم
يكونون هم فيه كما كنت أنت حارسا للنوايا
وشرطيا على الأصابع
وتوقيعا بالحذاء على ظهر أو قلب.
غير تواقيعك اليومية بالحذاء على الأجساد والنفوس
تركت فيهم شهوة الافتراس والكلبية ونزعة الاستئصال والوصم والجهل
والجهل كما يقول الحكماء لا يعني عدم المعرفة بل يعني المعرفة الحقيرة .
(إنه نوع من العلم)
تحت ذات الشعارات التي كنت تضعها على باب غرفة التعذيب: من أجل الجماهير والحقيقة والوطن.
وهم يفعلون ذلك.
وأنت كنت تعتقد أن هذا الوطن مفصل لك وحدك
وهم أيضا يعتقدون.
وانت كنت مؤمنا ان جزمتك هي القانون
وهم كذلك.
واذا كنت تريد الدليل
طالع ( سفر البعورة) الجديد على شكل مقالات
هنا وهناك
وستعرف أن( العبرانيين) الجدد
هم ليسوا البدو الرحل (التوراتيين)
بل هم على مستوى جيد من الذكاء ويعرفون فرويد وشكسبير وبودلير والمتنبي
ويسمعون تشايكوفسكي وموزارت وباخ وبتهوفن وعبد الوهاب وغيرهم.
ويسبحون بالمايو في بحيرة ماء
أو بحيرة دم.
لأن لغة الكتابة هي لغة كتب
وهي مجلوبة من منطقة تفكير مختلفة
وهم لا يفكرون بل يستعيرون.
هؤلاء يكتبون قراءاتهم لا أفكارهم.
لذلك سرعان ما ينسون كل شيء خارج الورقة وخارج الكتابة.
وهذا التوقيع الرهيب لا يزول بكل أنواع المساحيق والمراهم والعقاقير بل حتى لا ينفع معه الحرق أو الجراحة ولا تقلعه بلدوزرات شارون التي التهمت نصف غابات الزيتون.
والأجيال
والتاريخ.
وثورة في العقول والأرواح.
بل غير قادرين على قيادة قطيع فئران أو اباعر.
لكنهم قادرون على قيادة فرقة موسيقية للدربكة والربابة في الأفراح الشعبية وعلى النقر الفوري على (طبل الصفيح)
مع الاعتذار للروائي الألماني غونتر غراس.
وخلقت في نفوس ضحاياك صداك وشكلك.
زرعت فيهم الوهم
كما زرعوا فيك الوهم: كلاكما خدع الآخر
كلاكما حكم الآخر
كلاكما نفى الآخر
انت نفيتهم من وطن
وهم نفوك من ذاكرة
لذلك عشت فيهم.
كما عاشوا فيك في منتهى السر، في منتهى الكتمان، في منتهى الصمت.
والطبل الذي كنت تضرب فيه أنت في وطن
صاروا هم الآن أكثر خبرة منك في ضربه في منفى
وليس مهما أنهم اليوم بلا وطن أو في منافي
فكل شيء في العصاب والكلبية يتحول إلى زنزانة تعذيب لأن الذهن المشوه يحوّل غرفة نوم الأطفال
إلى زنزانة تعذيب
ويحول المنفى الديمقراطي
إلى قبو أمني أو مخابراتي
ويحول حديقة عامة على بحيرة
إلى ساحة حرب
كما يحول الصحيفة أو المحطة أو الموقع
إلى ميدان إعدام.
وأرقى المؤسسات
وأعذب الأنهار
وأصفى الينابيع
وأيضا تحت نفس شعارات كنت تضعها أنت على باب غرفة التعذيب: الجماهير، والحقيقية، والوطن، والقانون..
اسمع صديقي
ولا أخجل من مناداتك صديقي فأنت رغم كل شيء ابن وطني ولا فرار لي منك
رغم أنك طلبت منا نحن ضحاياك في قبو تعذيب يوما
ونحن عراة
وخرقة قماش قذرة على العيون أن نكون نسخة منك
وحين رفضنا
وعشنا المر بعدها
ملاحقة وتشهيرا وعزلا
عاقبتنا بحملاتك كما هو حاصل في كل تاريخ الارهاب في العالم.
كما لا فرار لك منا
وهذه المعادلة لم نفهمها معا في مبدأ الشراكة البسيط جدا والعظيم جدا الذي تفهمه النملة والعصفور والسمكة والحوت والجرذان.
ففقدنا الوطن
وفقدنا أنفسنا.
أنا لا أريد منك الآن سوى معرفة
سر هذا الختم
على نفوس ضحاياك
الذين صاروا يحملون دون وعي ولا رغبة وجهك على قمصانهم
وأقلامهم
ونفوسهم
وصرت أنت تخرج من كتاباتهم كدخان مدخنة
فوق بيوت الثلج.
أو دخان قطار قديم من بعد عدة أميال في صحراء.
فبدل فصل الشتاء صار عندهم فصل الربابة
وبدل الربيع صار عندهم فصل المصحات العقلية
وبدل الصيف حل محله فصل الردح من فرق الخشابة الجدد على غرار المحافظين الجدد
وفصل الخريف صار عندنا فصل النعل حيث كل واحد منا يلبس الآخر احتراما واعتزازا وتقديرا وتكريما.
بما في ذلك نجوم السماء والغيوم والريح
والطرق والمدن والأيام
لأنك أفرغتهم من المعنى
وعبأتهم بأجراس الخوف
حتى صاروا يقرعون حالا ويصابون من نوبة هلع من كلمة عابرة
تقال على بحر البلطيق أو حافة القطب أو في خيمة في صحراء
أو على أسرة النوم وعلى حافات الأرض.
وحولتهم إلى ريشة في مهب الريح:
يرتعبون من ضحكة أو عطسة أو فكرة أو رواية أو علاقة حب أو برئ واحد
كأن عقدا بيننا ألا يوجد في عالمنا
ظاهرة واحدة نقية أو غيمة ماطرة أو عصفور يغرد خارج السرب ولا ضحكة عفوية أو مصافحة نظيفة أو صباح الخير تقال لوجه الله أو أي وجه آخر.
ولا شك أنك تعرف عنواني
لكن عنوانك الذي كان بحجم الوطن
لم يعد موجودا عندي ولا عندك.
ربما في الانتربول أو سلطة الاحتلال.
وأنت لا أعرف في أي مرعى تعيش
وحين تسمن جيدا
تعال معي
كلانا بالهوى سوى اليوم
كلانا يصلح وجبة عشاء لضبع ليبرالي
بفعل تعاليم حزبك الثوري
التي تشبه حافظات الأطفال!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا
.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل
.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل
.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا
.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي