الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس هذا ما يحدث في اتحاد الشغل !

محمد عمامي

2007 / 11 / 14
الحركة العمالية والنقابية


ردا على مقال ماذا يحدث في اتحاد الشغل؟ بصحيفة مواطنون عدد30
ليس هذا ما يحدث في اتحاد الشغل !

محمد عمامي

في مقالات سابقة، لمت المعارضة الديموقراطية عن حيادها في ما يخص الصراعات الدائرة في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل بين قواعد نقابية تتفاقم أوضاعها الاجتماعية يوما بعد يوم، وجهاز بيروقراطي يصر على استبعاد ممثلي القطاعات في المفاوضات الخاصة بها، ويفرض عليها اتفاقات تفرط في مصالحها حفاظا على تصاعد أرباح الأعراف المحليين والعالميين.

ولكي يفكك نضالاتها، يفرض البيروقراطيون على مجمل الهياكل والقطاعات النقابية هيمنة مطلقة للمكتب التنفيذي يطلق بموجبها أيدي أجهزته القمعية كي تنكل بالمعارضين لهذا النهج التفريطي. وتتكامل تلك الحملة مع حملة أجهزة القمع البوليسي والردع الإداري.

ولكون الديموقراطية النقابية هي شرط بديهي وأولي للديموقراطية ككل، فإن الانتصار لها ضد البيروقراطيين المرتشين هو انتصار للحريات الديموقراطية التي تزعم المعارضة الديموقراطية النضال من أجلها وتأكد على أنها مبرر وجودها. وكما لا يخفى على أحد، فأن هيمنة البوليس على مجمل الحياة السياسية تمر أساسا من بوابة هيمنة البيروقراطية على القواعد النقابية وربط سياسة الاتحاد بسياسات السلطة.

ومن هذا المنطلق، ليس من خارق الذكاء أن نلاحظ أن الهجمة المزدوجة (سلطة/بيروقراطية) على النقابيين الناشطين في قطاعات التعليم الثلاثة والصحة وغيرها، يندرج ضمن سياق حملة تطهيرية تسبق التحضير لانتخابات 2009 من جهة، وتهدف إلى إعادة صياغة علاقة تبعية الاتحاد تجاه السلطة والأعراف من جهة أخرى في ظل الهواجس التي يفرضها عجز الفريق البيروقراطي إلى حد الآن على الإنقلاب على مبدإ التداول الديموقراطي لقيادة الاتحاد (تسقبف الحق في الترشح بدورتين) المقرّ في مؤتمر جربة والمثبت في مؤتمر المنستير.

ولكن وبعد اطلاعي على سلسلة المقالات الصادرة بصحيفة "مواطنون" تمنيت صمت بعض "الديموقراطيين" على تدخلهم، فهو أرحم بضحايا القمع المتزامن من قبل موظفي البوليس والإتحاد. وكون مثل هؤلاء "الديموقراطيين" لا ينفصلون عن وهم متأصل يصوّر لهم الديموقراطية بوصفها أرثا خاصا، نذر لهم دون غيرهم، لا يرون تناقضا بين عويلهم اليومي وتظلمهم أمام بطش الحاكم بهم وبين مساندة بطش أعوانه وعرّابيه بغيرهم!

وسأدلل على هذا التناقض من خلال ردي على إحدى تلك النصوص المشحونة غيظا والمثقلة افتراء على النقابيين المكافحين من أجل حقهم في الحياة وفي الفعل وحرية القول. ويتعلق الأمر بمقابلة مع عضو مزعوم للجنة النظام الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل (عدد 30 ليوم 3 أكتوبر 2007) أخفى، هو الآخر، هويته جريا على سنة بعض النقابيين الذين يتوارون وراء أسماء مزيفة خوفا من انتقام آلة القهر البيروقراطية؛ والتي يمثل هو نفسه أحد أدواتها. إن مجرد التخفي يبرز إلى أي مدى تطورت حالة الردع البيروقراطي المعمم حتى أصبح خدمهم أنفسهم لا يأمنون على أرزاقهم وأبدانهم. وهو انعكاس مباشر لوضع البلاد ككل المتسم بعربدة النظام البوليسي السائد.

"تجمع غير مرخص فيه"

يبرّر المسؤول النقابي المتخفي إيقاف عديد النقابيين من قطاع التعليم عن النشاط النقابي بكونهم عقدوا "تجمعا غير مرخص فيه"! وهو من قبيل رب عذر أقبح من ذنب. إذ يبين إلى أي مدى انحطت ذهنية البيروقراطي فأصبح لا يميز بين المنطق البوليسي ومنطق المنظمات الجماهيرية.

فمتى كان عقد التجمعات في فضاءات الاتحاد يتطلب ترخيصا وممّن يجب الاسترخاص؟ فهل ورث المكتب التنفيذي ساحة محمد علي، أم أن نقابات مثل التعليم الأساسي (أكبر نقابة على الإطلاق في صلب الاتحاد) لا حق لها فيها؟

كيف تجرؤ كمشة من العضاريط المباعين على ادعاء الصلاحية في إعطاء وحجب الحق النقابي على هواهم؟ وكذلك الاستيلاء على مفاتيح مقرات الإتحاد وإقفال قاعاته أمام الهياكل النقابية التي لا يمكنها عقد الاجتماعات العامة سوى بإمرتهم، كما لا يمكنها استدعاء الهيئات الإدارية والمجالس القطاعية بدون تزكيتهم؟

لماذا التحرك

يدور الحديث خاصة حول تجمع نظمته نقابة التعليم الأساسي في ساحة محمد علي في 20 جوان 2007 احتجاجا على استهزاء الوزارة بالهياكل الممثلة للقطاع وتراجعها في اتفاقات كانت عقدتها معها من ذلك حركة المعلمين ورفضها الاستجابة لمطالب حيوية ناضل من أجلها المعلمون منذ سنوات. ولقد كان هذا التعنت بتواطئ من المكتتب التنفيذي الذي ضغط على النقابة وأراد تركيعها وجعلها تقبل بالأمر الواقع. فمنعها من استدعاء هيئة إدارية ورفض الإعتراف بقرارات ممثلي الجهات و تصدى لنضالاتها وناور لإجبارها على إمضاء اتفاقية مخزية، وهو ما اضطر النقابة إلى خوض نضالات طوال الصيف في ظل حملة شرسة تظافرت فيها جهود البوليس والإدارة من جهة والمكتب التنفيذي ولجنة نظامه من جهة أخرى. وهو أمر لم تقع الإشارة إليه ولو من بعيد في المقالات المسمومة التي أتحفتنا بها صحيفة "مواطنون"، ربما توهما من القائمين عليها أن أحد أبطال الحملة، علي رمضان، لا يزال من ذويهم، وهو الذي رمى بكل ذوي القربى لينجو بنفسه ولسان حاله يردد: "يا روح ما بعدك روح!".

إن تعنت السلطة لم يقف عند حد التعليم الأساسي بل تعداه إلى التعليم الثانوي والعالي والصحة وغيرها من القطاعات التي عنف مناضلوها أو طردوا من العمل أو نقلوا تعسفا أو فرضت عليهم قرارات فوقية دون اعتبار نقاباتهم.

ولقد اضطر المكتب التنفيذي أخيرا إلى التململ في بيانين توسل فيهما وزارة التربية والتكوين الالتزام باتفاقاتها معه وتشكى من استخفافها بالنقابيين بما في ذلك أعضاء من المكتب التنفيذي ومن ثمّ أقر بأن النضالات تطورت حول مطالب قطاعية فعلية. وهو اعتراف ضمني بافتراء بارونات الجهاز البيروقراطي وخدمهم، ومنهم المتخفي، حول "الأركسترا" أو المؤامرة التي تدبّر ضد المكتب التنفيذي من قبل أقلية لا شغل لها سوى السعي إلى "الانقلاب على الشرعية" وخدمة أطراف معينة داخل وخارج السلطة!.

هنا يصبح التخفي مبررا. لأن من يطلق اتهامات بهذا الحجم في وجه الآلاف المؤلفة من المعلمين والأساتذة المضربين والمعتصمين في جهات عديدة والذين اضطروا في بعض الأحيان إلى مواجهات عنيفة مع البوليس الذي يحاصرهم أينما كانوا، يجب أن يخفي نفسه.

المسار الديموقراطي وخطر الفوضى

يقول المتخفي "المسألة تفاقمت أكثر وأصبحت تهدد عمق المسار الديموقراطي..." ونحن نسأل عن أي مسار ديموقراطي يتحدث؟ هل هو ذلك المسار الديموقراطي الذي طالما سمعنا عنه ولم نر منه غير السراب؟ ذلك المسار المعلول الذي يصاب بالعطب الآلي لمجرد ممارسة ديموقراطية بسيطة؟ إن من مفارقات ذلك المسار هو أنه يأبى التحقق لأنه يفزع من ممارسة الديموقراطية. إنه في حالة كمون أزلي، لأن في تحققه تتحقق الفوضى عافانا وعافاكم الله. ألا يستحي هؤلاء الديموقراطيون من ترديد حجج البوليس لوأد الديموقراطية تعميقا "لمسارها"؟ !!

ومن خصائص الديموقراطية البيروقراطية (مفارقة؟ لا يهم فنحن في بلاد المفارقات!) أنها تمارس فقط في "الأطر" ولا توجد خارجها. يقول المتخفي: "وجاء في الفصل 75 من القانون الأساسي: (حرية التعبير على الرأي خلال المداولات داخل الهيئات النقابية مضمونة طبقا لمبادئ وتوجهات الاتحاد العام التونسي للشغل)". وهو يستنتج من ذلك أن تلك الحرية لا يمكن، إذن، أن تمارس خارج الهيئات والمداولات لأنها تصبح فوضى. وهكذا يستثنى من الديموقراطية بصفة طبيعية كل من ليس عضوا في هيئة نقابية وحتى الأعضاء مستثنون من الديموقراطية حين يكونون خارج "المداولات" أي خارج اجتماع رسمي. إنها ديموقراطية لا ترى النور ولا تتعدى الجدران. وطالما أن المكتب التنفيذي يتحكم في كل الاجتماعات ومن ثم المداولات فيكفيه رفضها حتى تصبح غير شرعية ولا ديموقراطية ! أما غبار القوم ممن لا مداولات لهم فلا يصح الحديث عن حقهم في حرية التعبير.

خاتمة

إن الاتحاد العام التونسي للشغل يعيش منذ سنوات أزمة هيمنة البيروقراطية في صلبه. فهي لم تعد تستطيع أن تسود بواسطة آليات التأطير والرقابة الذاتية، من رشوة وانضباط وزجر مخفف ومناورات خبيثة... إن تصلب السلطة تجاه المطالب الحيوية للشغالين وانحيازها الكامل إزاء الأعراف وهجومها الشامل على لقمة العيش ضيق من هامش اللعب على التوازنات الذي دأبت البيروقراطية النقابية على التشبث به باعتباره أحسن وضع تستطيع عبره مراقبة قاعدتها وتأمن فيه على نفسها من ردة فعل كل من القاعدة النقابية من جهة والسلطة من جهة أخرى، التي يبدو أنها تدرس كل الاحتمالات في علاقة بالآجال السياسية القادمة بما في ذلك تفكيك الإتحاد في صورة عجز القيادة على كبح جماح النضالات الاجتماعية التي من شأنها أن تربك مخططاتها إن على المستوى المحلي (انتخابات 2009) أو الإقليمي والدولي (آجال الشراكة 2008-2010...)

إن هذا الوضع هو ما يدفع البيروقراطية نحو المغامرة بحملة تطهيرية قبل فوات الأوان. وما انخراط "مواطنون" في هذه الحملة إلا دليل آخر على يتم الديموقراطية في بلادنا وامتهانها من قبل بعض الديموقراطيين أنفسهم. كان يمكن لـ"مواطنون" أن تداري تأييدها للبيروقراطية النقابية وأن تبدي حدا أدنى من الموضوعية والحرفية وذلك بإجراء تحقيق ميداني في الأمر أو استدعاء ممثلين عن كل أطراف الصراع وتنظيم حوار مباشر وشفاف بينهم أو أن تصمت مثل غيرها، وهو أضعف الإيمان.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: فرق الإطفاء تستمر في إخماد حريق اندلع بمأوى للمشردين ف


.. كلمة أخيرة - كيف استفادت الحكومة من تجربة التأمين الصحي الشا




.. كلمة أخيرة - بعض الناس عايزين يقاطعوا اللحوم والبيض زي الأسم


.. كلمة أخيرة - اختيار مستشفيات التأمين الصحي بعناية شديدة.. شو




.. كلمة أخيرة - متحدث وزارة الصحة: المواطن من حقه اختيار مكان ا