الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة ترفض حكم العصابات

محمد أبو مهادي

2007 / 11 / 14
القضية الفلسطينية


لا يمكن المرور بصمت أمام ما جري في غزة من سلسة الجرائم التي ارتكبتها حركة حماس ومليشياتها المسلحة المنتشرة في شوارع قطاع غزة وفوق أسطح المباني المرتفعة بهدف إعاقة وإفشال مهرجان إحياء الذكري الثالثة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات.

المشهد مختلف تماماً عما نقلته قناة الجزيرة الفضائية وبعض القنوات الأخرى المحسوبة علي المنهج الظلامي، والتي كرست جلّ بثّها في تزوير حقائق مؤلمة تحدث في قطاع غزة، وفي تجميل الوجه البشع لممارسات حركة حماس التي استباحت كل المحرمات وأغرقت كل الخطوط الحمراء في دماء الأبرياء الذين سقطوا ضحايا للانقلاب الدامي منذ بداياته الأولي انتهاءاً باقتحام اكبر تجمع بشري سلمي يحدث علي ارض غزة بعد رحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر.

هذا التجمع الضخم من الشباب والشيوخ والنساء والأطفال والذي خلا من السلاح، ولم يكن فيه أي مقاتلين تابعين لحركة فتح كما زعمت الجزيرة ومليشيا حماس له دلالات كثيرة وان كان تحت شعار إحياء الذكري الثالثة لاستشهاد القائد ياسر عرفات كثيرة، أهم هذه الدلالات أن الشعب الفلسطيني قد ضاق ذرعاً من حكم مليشيات خارجة عن القانون في أسوأ نظام استبدادي عرفه الشعب الفلسطيني، وان فوهات البنادق لن تقيم نظام حكم عادل يستند إلى العدل والقانون، ولن تحدث سوي المزيد من التمرد علي مختلف أشكال القمع للحريات والتنكيل بالمواطنين، وان هذا الشعب لم يفقد تجاربه الرائعة في مواجه الظلم الذي يقع عليه مهما بلغت قسوة الظالمين.

لم يكن اقتحام المهرجان وارتكاب جرائم القتل العمد في صفوف المدنيين هو الحدث الوحيد، ولكنه كان الأبرز في سلسلة من عمليات الملاحقة والتنكيل والاختطاف ونصب الحواجز علي الطرقات ومنع وسائل النقل من نقل المواطنين استمرت لعدة أيام طالت طلاب وطالبات من المدارس الثانوية والإعدادية وعدد من الكوادر القيادية في حركة فتح تمهيداً لإحداث المجزرة علي ارض الكتيبة بمدينة غزة.

حركة حماس استمرأت بقوة مليشياتها، وزودت هذه المليشيات بالسلاح والفتاوى اللازمة لارتكاب ما هو أفظع من هذه المجزرة، وتلحفت بغطاء إعلامي فضائي واسع، إضافة إلي غطاء ديني وفرّه لها مجموعة ممن باتوا يعرفون (برابطة علماء فلسطين) مرتبطة بمجموعات دينية أخري ابتعدت كثيراً عن جوهر الدين لتجعله مطواعاً في أيديها لإعادة إنتاج الجهل والجاهلية، وإذكاء نار الفتنة والتطرف والنزعات العدوانية، وهي بالمقدار الذي ابتعدت فيه عن جوهر الدين السمح فإنها ابتعدت عن الأهداف الوطنية التحررية للشعب الفلسطيني، وأصبح أحد أهم أهدافها هو الصلاة في مقر المقاطعة في مدينة رام الله، بعد أن مساجد غزة قد ضاقت بصلواتهم!!!

تصرفات حركة حماس خطيرة جداً لا تبشر خيراً ولا تحتمل التأويل أو التبرير، ولم تعد بيانات الشجب والاستنكار تكفي لمنع مجموعات مؤدلجة بالحقد من ارتكاب المزيد من المجازر والانتهاكات، ولم تعد أصوات بعض العقلاء داخل حماس مسموعة بعد خطاب السيد إسماعيل هنية الذي أعطي مؤشراً واضحاً علي حجم الكارثة واليأس الذي يسكن منهج وتصرفات حماس والتراجع في التفكير العقلاني، وسقوط الرهان علي موقف آخر العقلاء فيها.

الشعب الفلسطيني باستمرار يؤدي واجباته اتجاه نفسه وقضاياه وقد اثبت مراراً قدرته علي استباق قادته في ابتكار أشكال متعددة من الكفاح الشعبي، الذي يعد الانجح والأكثر نجاعة من الانقلابات والتفجيرات أو النعيق من فوق منابر التكفير والتخوين، وهو قادر علي مواصلة هذا المسلك الحيوي الواعي، ولكنه بحاجة الآن لوقفة جادة من كل قوي التحرر والفكر التنويري والإعلام الصادق دون خوف أو خجل لتعلن جميعها انحيازها الواضح للمشروع التحرري الديمقراطي الحقيقي، ولتعلن وقفتها ضد العودة إلي مرحلة ما قبل الحقوق، هذه الحقوق التي جري انتزاعها بكفاح البشرية جمعاء.

إن حرية الرأي والتعبير والتظاهر والعبادة هي مكاسب فلسطينية وعالمية ويعد انهيارها في قطاع غزة انتكاسة قد تلقي بظلالها علي دول الجوار علي الأقل، إضافة إلي الأذى والعار الذي قد يحل علي المجتمعات العربية والإسلامية جراء نزعات التطرف التي أصابت عقول من أباحوا ارتكاب الجرائم من خلف عباءات الإفتاء الديني، فأساءوا للدين وللوطن والمواطن ووقعوا في المحظور، وشوهوا صورة حضارية رسمت للشعب الفلسطيني بتضحيات جسام علي مدار تاريخه الوطني وسجله الحافل بالنضال.

لقد بات ضرورياً اتخاذ موقفاً جديا ً فاصلاً من رجال الدين اتجاه ما يجري في قطاع غزة، وفي نفس الوقت إعلان واضح من حركات الإسلام السياسي حول ما يدور من مجازر يرتكبها ممثلوهم في فلسطين، وموقف رجال الدين والإسلام السياسي في هذا الشأن لن يكون وحده مهماً الآن فقط، بل موقف من الحكومات التي ترعي مثل هذه الحركات وتساعدها في نشاطها وتوفر لها حاضنة لإنتاج مثل هذا المنهج من المناهج التي أكل عليها الدهر وشرب.

ما يحصل في قطاع غزة من قمع للحريات وتعدي علي الحرمات وإزهاق لأرواح الأبرياء هو مسؤولية جماعية عالمية، تبدأ أولاً من صمت العالم علي احتلال ظالم حاصر الشعب الفلسطيني واضعف قيادته التاريخية وساهم في تحديد خيارات الناس ونمط تفكيرهم، وتنتهي عند قوي التحرر الديمقراطية والمفكرين ورجال الدين ووسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، التي استهانت أو بررت أو تعاطفت أو تحالفت مع هذا الاتجاه الذي يقود الشعوب إلي كوارث محققة تحت شعارات مختلفة.

إن الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي وانتزاع الحقوق الوطنية وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني لن يتحقق من خلال جلد الشعب وإراقة الدماء في شوارع غزة، ولن يأتي من خلال تشكيل حكومة (عسكرتاريا) همّها الأساس إحكام قبضتها علي الشارع الفلسطيني أو الصلاة في مقر المقاطعة، وإفشال مؤامرات تشبه تلك التي صنع (الدون كيشوت) دون أن تقدم إجابات منطقية لأسألة كثيرة يبحث عن إجاباتها الشعب الفلسطيني تتعلق بمستقبله السياسي والمعيشي والأمني، ويتساءل هذا الشعب حصاد ما قدمه من تضحيات فاقت حتى الآن الخمسة آلاف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة الأردنية تقر نظاما يحد من مدة الإجازات بدون راتب لمو


.. حرب غزة.. هل يجد ما ورد في خطاب بايدن طريقه إلى التطبيق العم




.. حملة ترامب تجمع 53 مليون دولار من التبرعات عقب قرار إدانته ف


.. علاء #مبارك يهاجم #محمد_صلاح بسبب #غزة #سوشال_سكاي




.. عبر الخريطة التفاعلية.. كيف وقع كمين جباليا؟