الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل شيء صاخب ودام ٍ على الجبهات الوطنية والقومية - 1

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 11 / 14
الادب والفن


الثيمة الغالبة في رواية " كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" تتمحور حول الجرائم الفظيعة التي تستوجبها الحروب. . وقد كانت الروايات التي كتبت قبل " كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" للكاتب الألماني أريك ماريا ريمارك تنزع إلى مقاربات حماسية ، والتأكيد على الأمجاد و الشرف للأمم التي تحارب باسمها الجيوش والحكومات ، و تكشف عن الواجبات الوطنية والبطولات في سوح الوغى، و تصور كذلك " كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" الحرب مثلما جربها في الحقيقة الجنود في الجبهة، بدون أن تسجل بيانات الحكومتين الألمانية والفرنسية ، و شعارات المجد و مشاهد البطولات ، كما تقوم الرواية بشكل أساس باطلاع القارئ على صور الرعب غير الرومانسية ، والعبثية والمذابح البشرية.

وكانت الحرب العالمية الأولى تتمثل في هذه الصور الفظيعة أكثر من أية حرب اندلعت من قبل، بل إنها غيرت تغييرا حاسما كل الإدراك الإنساني عن الصراع المسلح ، و مستوياته الكارثية من مجازر و عنف ،و معاركها الفرعية التي استمرت لشهور ، و التقدم التقني الحديث الرهيب ( مثل اختراع الرشاشات الأوتوماتيكية،و الغازات السامة، و الخنادق والمتاريس) ، ما جعل القتل أسهل ، وغير شخصي( أي ّ لم يعد المقاتل يشخص كقاتل شخصي بل جيشه وحكومته هما القاتلان ، أي أن عصور المبارزة و البطولات الرومانسية لأبطال معينين قد انتهت) مما كان قبل التقدم التقني الذي وصلت إليه البلدان الغربية إبان الحرب العالمية الأولى. إن رواية ريمارك تُمسرح هذه الجوانب من الحرب العالمية الأولى ، وتصور الإرهاب المخدِّر للذاكرة ووحشية الحرب بالإضافة إلى التركيز المكثف على الأضرار النفسية و السيكولوجية التي يعاني منها الجنود سواء أثناء الحرب أو بعد انتهائها في نهاية الرواية، وان أغلب الشخصيات الرئيسية للرواية يُقتلون ، حيث تركز الرواية على تصوير التأثير المدمر للحرب والسياسة العدوانية للأنظمة الحاكمة على جيل الشباب من الرجال الذين يجبرون على القتال.


و لأن " كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" كتبت عن جنود يقاتلون في الجبهة، فأهم موضوعة من موضوعاتها هي التركيز على التأثير المدمر للحرب على الجنود المقاتلين. هؤلاء الرجال معرضون دوما لمخاطر نفسية،في الوقت الذي يتعرضون إلى خطر التحول إلى أشلاء في أية لحظة. فهذا الخطر النفسي الداهم ينتاب بشكل متواصل الأعصاب، و يضطر الجنود على إثره لمواجهة الرعب البدائي و الغريزي دوما، بالإضافة إلى أن الجنود مضطرون إلى العيش في ظروف مزرية – في الوساخات و خنادق امتلأت بالماء الآسن و الجرذان و الجثث المتفسخة، و القمل. و تتكرر عندهم حالات انقطاع الأرزاق والغذاء، و الحرمان من النوم، و خلق الثياب وتمزقها، انعدام الرعاية الصحية. كما إنهم مجبرون أكثر فأكثر على التعايش حتى درجة الإدمان مع الموت الفجائي لأقرب أصدقائهم و رفاقهم.
و يصور ريمارك التأثير الشامل لهذه الظروف على الجندي وكأنه حمل مشلول هلعا و يأسا وإحباطا. وإن الطريقة الوحيدة أمام الجنود للبقاء هي الانفصال عن مشاعرهم، وكبح أحاسيسهم و القبول بهذه الظروف المزرية كنمط جديد للحياة وأمر واقع.

في نظر ريمارك أن لهذا الانفصال النهائي عن المشاعر له تأثيره التدميري على إنسانية الجنود، فمثلا باول، يتحول إلى كائن لا يمكنه تصور مستقبل البشر بدون حروب ، وهو غير قادر على استذكار كيف عاش في الماضي.و كذلك يفقد القدرة على التحدث إلى أهله ومعاشرتهم . ولم يعد الجنود يندبون أصدقاءهم ورفاقهم القتلى، و حين يحتضر " كيمرخ" على سرير الموت ، في بداية الرواية، يكون السؤال الملح بين أصدقائه من الذي سوف يرث حذاءه من رفاقه الجنود الأحياء ، و يصف ريمارك، الرابطة الحميمة للوفاء والصداقة التي تتلاشى نتيجة المعايشة المشتركة للحرب والقتال في الجبهة.
هذا الشعور هو العنصر الرومانسي الوحيد للرواية، بل هو الشعور الوحيد يضفي الذي على الجنود شيئا من الصفات الإنسانية.

القومية و السلطات السياسية:

إن ما عجل في اندلاع الحرب العالمية الأولى هو النزعة القومية، و فكرة أن الدول القومية المتصارعة هي من المقومات الأساسية للوجود البشري، كذلك بدعة وجوب وفاء الفرد للأمة، و كذبة أن الهوية القومية للفرد هي العنصر الأولي للشخصية القومية.
لم تكن الأخلاق القومية شيئا جديدا في التاريخ، لكنها وصلت ذرى جديدة في كثافتها في القرن التاسع عشر، و ظلت كالجمر تحت الرماد حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
في وصفها لفظاعة الحرب، تقدم رواية " كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" نقدا لاذعا لفكرة القومية، مبينة إياها كأيديولوجية فارغة ، ومضللة و ريائية، و أداة بيد أصحاب السلطة للسيطرة على جماهير الأمة.

باول وأصدقاؤه تغرر بهم الأفكار القومية للانخراط في القوات المسلحة ، لكن التجربة سرعان ما تكشف لهم تفاهة القومية بعد معايشتهم الحرب و فظائعها و إحساسهم بأنها جردتهم من الروح الإنسانية و حولتهم إلى وحوش على شكل البشر.
تعليمات الأساتذة الوطنيين والقوميين من أمثال كانتورك و هيملستوس تتحول إلى أحقاد تافهة وأفكار مهجورة فارغة ولن تصمد أمام فتك الأسلحة الحديثة الصنع. ويوضح ريمارك أن الجنود في الجبهة لا يقاتلون في سبيل أمجاد الأمة ، بل غالبا يقتلون لكي لا يُقتلوا ويبقوا على الحياة. باول ورفاقه لا يعتبرون الجنود في الجبهة المواجهة لهم أعداء الحقيقيين، بل يعتبرون الرجال الذين يملكون زمام الحكم والسلطة والمال من أبناء أمتهم وشعبهم ، أعداءهم الحقيقيين ، الذين يضحون بهم في جبهات الحرب ويجبرونهم علة مقاتلة ناس أبرياء في سبيل السلطة والجاه والمال.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع