الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاعر الأحاسيس

ياسين النصير

2007 / 11 / 15
الادب والفن


1
محنة الشعر أنه بحاجة إلى شعراء مفكرين وفلاسفة وإلى موقف من العالم والحياة، هكذا قرأنا إليوت وعزرا باوند ومايكوفسكي وماندلشتام واكتفيو باز وأدونيس، شعراء لا تربطهم حواسهم إلى مرابط خيل الشعر، ولا تجددهم الحياة بما تفرزه شجرة أو طير،الشعر هو الحرية الذي يمنهجون به رؤيتهم للعالم،. فطوال عقود من كتابة القصيدة الحديثة لدى شعراء الحواس، لم نجد عندهم تنظيراً يرافقها،ولا فكراً يكشف عن مستوياتها، ولا نقداً يصاحبها، ولا مشروعاً فكرياً تنهل منه، ولا موقفاً من العالم يكسب مشروعية. وما عدا نازك الملائكة، لم نجد من رواد الحداثة من نظّر لتيار الحداثة الشعرية، وما عدا كتب النقد الغربية لشعراء ونقاد لم نجد ما نتكئ عليه في معاينة تجربة الشعر الحديث. السياب ليس منظراً للشعر، ونثره يدل على بؤس القلم،لكنه نآي بقصيدته عن الأحاسيس اليومية، وأركن شاعريته في المثيولوجي والذاتي والوطني، فأبقى على ريادة حية تصب وتنبع من معين التجربة. الجواهري ليس ناثراً جيداً،ويومياته تستبطن الشعر،لكن عموده إحتوى أغراضه الحديثة فكانت قصيدته جامعة بين قضايا وحياة منفتجة على التجربة. البياتي تجره الأسئلة للحديث عن الشعر، وأحاديثه بلا نظرية أو فكر، لكنه إكتشف مبكراً المقولات الشعرية الكبيرة، فجعل منها نافذة على التفلسف، سعدي يوسف لا نثر له، وما يكتبه سقط متاع الشعر،وقصائده منذ 51 قصيدة وحتى اليوم مهدت لنوى الحركة الثانية للحداثة، لكنها أبقت نفسها ضمن سياق نثرية الحياة، لتتخمر لاحقاً بأحاسيس رجل لا يرى في الشعر غير ما يلامسه، وليس ما يلمسه. فكان أن لجأ إلى النثر السياسي تحشية لفراغ الفكر. بلند لا يكتب النثر بل يجيد مقالة في الفنون، وهي إجادة مقتصرة على القليل النقدي، البريكان ليس له نثرمهم يعتد به،وقل ذلك بصدد عدد من الشعراء. وأستثني خمسة أو ستة شعراء من حركة الحداثة الثانية، يوسف الصائغ،الذي مزج بين الدراما والعمود والفكرة الشعرية والقصيدة، سامي مهدي، الذي يعي تماماً أين يضع قدمه وفكرهفكتب عن الحداثة برؤية شاعر يعرف أدواته، و فاضل العزاوي، الذي يقود نفسه لمجاهل التفكير الحديث بطاقة التجربة والأفكار، وفوزي كريم، الذي يتغلب نثره على شعره لزحمة الأفكار ومشروع التحديث عنده، وعبد الكريم كاصد، الذي يجمع بين خبرة القصيدة وخبرة المقالة، تنظيره موازياً لشعريته، وياسين طه حافظ الذي كتب القصيدة وهي يعرف ما خلفها من ثقافة المعايشة والمواقف، وعلي جعفر العلاق الذي نظر للقصيدة وكتب في الشعر ما يوازي تجربته الشعرية.وكاظم جهاد، الذي أغنته ملاحظة الفكر في القصيدة فتشبع به حد التنصت لنأمة الإنسان المعذب عبر التاريخ، وسركون بولص الذي يقول القصيدة الفكر والباحث عن الإيقاع الكوني في قصيدة النثر.ولي ملاحظات عن كل واحد منهم ساقولها في موضع آخر.
ما يهمني من الشعراء كلهم هو شاعر الأحاسيس،الذي يعتمد على حواسه في إكتشاف العالم وما حوله، تستدر عاطفته حمامة مكسورة الجناح فيوطنها رسالة، وتستبرد يده ملمس ورقة فيدخل برودتها لفؤاده فيكتب وهومغمض العينين، وتطيب له جلسة بمقابل جسرأو حديقة، فيتشبه بمرآها ثم يكتب أحاسيسه عنها، وتعيد عليه حكاية قديمة فيها أنثى من أناث ألف ليلة وليلة، فيصدق ما قالته شهرزاد في الحكاية المليون فيكتب قصيدة إيروتيكا بالنيابة. شاعر الأحاسيس أفقر الشعراء فكراً،وأكثرهم ثرثرة يومية عن: عينيه المتجولتين ، وأصابعه المطلقة،وذاكرته المحجوزة في الكتب والمسافات،وأنفه الذي يدسه حتى في المزابل. وباطنيته التي تجرده من المشاركة الجماعية. وأقرأ معي قصائد شعراء الحواس، فلن تجد فيها موقفاً فكرياً بالرغم من جمالها الآني الذي يطرب،ولا فلسفة تقف وراءها لتفسير العالم أو المشاركة لما يحدث فيه، كل ما فيها جمالها اللفظي، ولحظتها المرآوية الأفلة، هم الشعراء التكرار، الذين تجد لهم في اليوم الواحد قصائد عدة.
2
قبل أن أدخل تفاصيل هذه الفكرة، أعرج على شاعر مثل أدونيس، الذي يقود يراع التجديد منذ أربعين سنة شعرأ وفكراً. نظّر للحداثة بمقالات كشف فيها عن رؤية كونية للشعر، وكتب في ثابت الثقافة العربية ومتحولها،فكشف عن الفكرة المهيمنة على الثقافة عبر عصورها،وكشف عن العلاقة بين الشعرية والصوفية،فالوجدان ليس فكرة شخص مفرد، بل هو علاقة بين الله والشاعر والشيطان، وقرأ التراث الشعري العربي القديم ليستخرج منه إضمامة هائلة من المختارات،تعد أفضل قراءة لمتراكمات الشعر العربي، ويكتب نثرأ في الصحافة ممتلئاً بالماء، لافقراً في جملته الشعرية ولا قافية عنده تركب على أخرى.فهو شاعر لا يعتمد في الكتابة على ثقافة يديه، أوعينيه، أوأنفه، أوفراش العشيقة، بل هو شاعر المكان، والمواقف، والتراث، والمثيولوجيا، والنظرية، والمشروع، والوطنية. وثمة شاعر كبير آخر، هو صلاح عبد الصبور، الذي حول الحداثة الشعرية من القصيدة الحرة إلى الدراما،ومن القراءة إلى التمثيل، ومن تتبع حياة شخصية إلى تتبع مسار شعب، ومن قول مفرد إلى تعددية الأصوات. ومسرحياته الشعرية أفكار كبيرة.والإثنان معا إلى جوار السياب ونازك والجيل الثاني لحركة الحداثة لم نجد للشعر نظرية، ولا موقفاً فلسفياً.
3
ببساطة نتعرف على شاعر الأحاسيس، عندما لا تتبع قصيدته فكرة كبيرة، وعندما لا يكون ثمة مشروع فكري ينهل منه،وعندما تصطف قصائده في تجربة تعمق مشروعاً فردياً ، وعندما لايكون له موقف في القضايا الإنسانية، إلا عندما يكتب نثراً. قصيدة شاعر الأحاسيس فقيرة الصورة، آنية الطباخة، لا تستقر على معرفة، كل ما فيها تطريب وجو من الكلمات المشتركة. فالأفكار الكبيرة تهرب عن أحاسيس الأيدي والأعين والذاكرة والإدراك وشم العطر وطراوة الملمس،لا تجد شاعر الأحاسيس مشاركاً بقضايا إجتماعية إلا بمواقف مضطربة تقوده الحال إليه دون رؤية. لا يمتلك شاعر الحواس حكمة الشعراء في فهم التاريخ، فتراه ينزوي عن الجماعة، خائفاً من نقدها،موشحاً بدثار العمر أو القبيلة، يكتري عربة كارو صغيرة فيعدها مركبة فضاء، ويحتذي لغة متسول عجوز،فيعدها فتحا في الغيب، ويقول عن إمرأة ما، كما لو كانت كل النساء، فقير العبارة، قليل الماء، بعيد عن الإحالات، لا تحفظ من شعره شيئاً، حيث لا قمقماً يختزن الحكايات، ولا مواقف تغني الإستشهاد بها.. شاعر الأحاسيس نبّالة أطفال، تسرع في الدوران كلما سحب الطفل الخيط بقوة. لم يكتشف شاعر الأحاسيس طمي التجارب، أصابعه خشب،ونار بروموثيوس غادرت موقده.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??