الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باكستان:الجنرال والعزلة

محمد سيد رصاص

2007 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يروي سلمان رشدي ،في روايته "العار"،بأن الجنرال ضياء الحق قد صلى ركعتين شكراً لله لما سمع بنبأ الغزو السوفياتي لأفغانستان،الذي كان فاتحة لنهاية عزلته الدولية ،بعد ثلاثين شهراً على انقلابه العسكري(5تموز1977)،وبداية لزيادة وزن باكستان في الاستراتيجية الأميركية المجابهة للسوفييت زمن الحرب الباردة.
عانى الجنرال برويز مشرَف من عزلة مماثلة طوال سنتين من انقلابه العسكري حتى أتى حدث(11أيلول2001)،ليجعل حكمه ضرورياً لواشنطن في مواجهة "القاعدة"واسلاميي باكستان الذين مالوا ضد الجنرال بعد ضرب البرجين وغزو واشنطن لأفغانستان،وماأدى إليه هذا الغزو،الحاصل بعد أسابيع من ذلك الحدث،من افقاد باكستان النفوذ في تلك البلاد لصالح قوى أفغانية مضادة لإسلام آباد،لينضاف هذا لماحصل جنوباً لما أصبحت الهند منذ انتهاء الحرب الباردة حليفاً رئيسياً لواشنطن وهو ماجرَد باكستان عنصراً رئيسياً من وزنها عند الأميركان لما كانت موازناً عندهم لنيودلهي الحليفة للسوفييت.
أدى هذا إلى جعل أهمية الجنرال مشرَف لاتأتي من عوامل اقليمية،كماكان الأمر في زمن الجنرال ضياء الحق،وإنما داخلية،تتعلق بخوف الأميركان من وصول الاسلاميين للسلطة في اسلام آباد وتحكمهم بأزرار السلاح النووي الباكستاني،مايمكن أن يخلق مشكلات ومعضلات لواشنطن تتجاوز بكثير ماولدته"الدول الممانعة"في المنطقة الممتدة بين كابول ومنطقة شرق المتوسط في السنوات القليلة الماضية .
إلاأن الجنرال الباكستاني ،الذي أتقن فن البقاء في السنوات الثمان من حكمه،لم يستطع منع توازي زيادة أهميته الدولية(وربما الإقليمية عند بعض دول اقليم الشرق الأوسط)مع نقصان قاعدته الداخلية خلال السنوات الست المنصرمة:فإضافة إلى فقدانه تأييد الاسلاميين،الذين وقفوا معه بين انقلابه و(11أيلول)،ضد القوى الليبرالية،الممثلة في نواز شريف وبنازير بوتو،فإنه لم يستطع كسب أحد هذين الرقمين الكبيرين في الساحة السياسية الباكستانية،رغم كل المحاولات المبذولة من أطراف دولية واقليمية في سبيل ذلك وبالذات تجاه السيدة بوتو،فيما خسر تأييد زعماء القبائل التقليديين في اقليم وزيرستان والإقليم الشمالي الغربي(= بيشاور)الذين مالوا بوضوح نحو الاسلاميين في السنتين الأخيرتين،ليبقى مستنداً على تأييد المؤسسة العسكرية وفئة رجال الأعمال وأغلب الطبقة الوسطى في اقليمي البنجاب والسند،وهم لايمكن،كما أثبتت تجربتا 1969و1977مع الجنرال أيوب خان وذوالفقار علي بوتو،أن يظلوا طويلاً مع وضع مضطرب داخلياً لايستطيع المتولي لزمام الأمور ضبطه.
هنا،كانت المناورات المعقدة والكثيفة التي لجأ لها الجنرال مشرَف في الشهرين ،السابقان لفرض حالة الطوارىء في 3تشرين الثاني،تعبيراً عن محاولات لفك العزلة المستحكمة حوله،حيث حاول عبر التلويح بخلع البذلة العسكرية ،ليصبح رئيساً مدنياً،جذب السيدة بوتو إلى شراكة "ما"،هي مرغوبة في الوسطين الدولي والاقليمي المؤيدان للجنرال بعد تناقص ثقتهما بقدرته على الصمود منفرداً أمام الضغوط الداخلية المترامية الأطراف،فيماكان ذلك أيضاً محاولة لإسترضاء قاعدة مؤيديه الباقية في المجتمع الباكستاني،التي يعبر عنها حزب الرابطة الاسلامية المنشق عن حزب نواز شريف،الذين أيدوا ذلك من دون "الشراكة" مع السيدة بوتو،حيث أفشلوا(اتفاق لندن)المعقود بين الجنرال والسيدة بوتو قبيل أيام من انتخابات الرئاسة في يوم 6 تشرين الأول.
خلال الأسابيع الأربع ،الفاصلة بين انتخابات الرئاسة وفرض حالة الطوارىء،وصلت مناورات الجنرال الباكستاني إلى الطريق المسدود:ازدياد معارضة الاسلاميين قوةً؛عدم القدرة على كسب مؤيدين جدد مدوا له اليد عبر السيدة بوتو ضد خصومها التقليديين(وخصومه)الممثلين في الاسلاميين وفي حزب نواز شريف؛ فيما أصبح واضحاً أن"القاعدة"قد أصبحت عبر امتداداتها الباكستانية رقماً محلياً قوياً وهو ماأعطت أحداث المسجد الأحمر بالصيف الماضي مؤشرات أولى عليه.
كان فرض حالة الطوارىء ناتجاً عن احساس حاكم عسكري بأن ظهره إلى الحائط ،وعن محاولة اللعب بورقة القيام بإجراء جذري داخلي،يقلب الطاولة القائمة أوتلك المفترضة،مع حساب عدم قدرة مؤيديه ،الداخليين والخارجيين،على الممانعة أوالرفض الكلي،انطلاقاً من أن البدائل إما غير متوفرة،في"الإيجاب"،أوأنها أسوأ بالنسبة لهم لوسقط الجنرال،كما أتى ذلك من تقدير الجنرال بأن خصومه(المنقسمون بين ثلاثة أجنحة معارضة:الاسلاميون بقيادة"الجماعة الاسلامية"،حزب"الرابطة الاسلامية"بزعامة نواز شريف،وحزب السيدة بوتو) لايملكون القوة الكافية لتقويض مترتبات ونتائج اجراء كهذا في المدى القصير المنظورنتيجة عدم قدرتهم على التلاقي والعمل المشترك.
إلى متى سيستمر الجنرال برويز مشرَف في ممارسة فن البقاء وسط بحر العزلة؟.........
===================================================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة