الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات لا بُدّ منها في الذكرى السنوية لرحيل القائد الرمز ياسر عرفات

احمد سعد

2007 / 11 / 15
القضية الفلسطينية


أمس الأول الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، صادفت الذكرى السنوية الثالثة المشؤومة، لرحيل القائد الرمز لحركة التحرر الوطني الفلسطينية الرئيس الفلسطيني الشهيد خالد الذكر ياسر عرفات "أبو عمّار". وأهمية الرئيس الراحل الشهيد التاريخية، أنه عبّر أحسن تعبير وجسّد أفضل تجسيد، أماني وطموحات وأهداف الكفاح الوطني التحرري الفلسطيني عبر جميع مراحل الصراع والتطور. فحمل مع شعبه "دمه على كفه" مواجهًا معارك الصراع التي يفرضها أعداء الحقوق الوطنية الفلسطينية، من اسرائيليين وسندهم الأمريكي وتواطؤ بعض أنظمة ذوي القربى، بتمسّكه بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، بحق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، حسب قرارات الشرعية الدولية. وعظمة ياسر عرفات كانت تكمن في قدرته على الحسم واتخاذ القرار مهما كان صعبًا، وفي حرصه على وحدة منظمة التحرير الفلسطينية، وحل الخلافات التي تنشأ مع بعض مركباتها، لما فيه المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وأهمية التلاحم العضوي بين القيادة وجماهير الشعب الفلسطيني، في المناطق المحتلة والشتات القسري.
ومن خلال التجارب المخّضبة بدماء الضحايا، استطاعت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة رئيسها ياسر عرفات أن تطور آلياتها الدفاعية، فمن زرع بذرة حركة التحرير الفلسطينية عندما كان ابو عمار ورفاقه طلاب جامعة الى الطور الجنيني في مقاومة الاحتلال، من خلال العمل الفدائي واللجوء احيانًا الى أعمال مغامرة من بعض الفصائل الفلسطينية، باختطاف الطائرات أو استهداف مدنيين اسرائيليين من الناس الابرياء من خلال أعمال تفجيرية كان ضررها أكثر من فائدتها، بالنسبة للكفاح الفلسطيني العادل، دفاعًا عن حقوقه الوطنية المسلوبة ظلمًا وعدوانًا. وقد أدرك الرئيس ياسر عرفات وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ان الكفاح الفلسطيني المسلح إن لم يكن ممهورًا ببرنامج سياسي واضح المعالم، يأخذ بالاعتبار انجاز ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية في ظروف الواقع المتغير على ساحة التطور، فإنه لن يجند التضامن الدولي المطلوب لنصرة الحق الفلسطيني المشروع. وقد كان للحزب الشيوعي الاسرائيلي وغيره من الأحزاب الشيوعية، وخاصة الحزب الشيوعي الاردني، لقاءات تداول ونقاش كثيرة مع الرئيس ياسر عرفات وقادة منظمة التحرير الفلسطينية، حول برنامج منظمة التحرير الفلسطينية السياسي وطريق الخروج من دوامة الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني – العربي. جرت مناقشتهم حول ان برنامج اقامة الدولة الفلسطينية الدمقراطية التي يعيش فيها العرب واليهود على قدم المساواة، قد استنفد دوره التاريخي في المرحلة الراهنة من الصراع، خاصة بعد قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني من العام 1947 في الامم المتحدة. وان المدلول السياسي للدولة الدمقراطية العلمانية هو عدم الاعتراف باسرائيل. ومن ناحية أخرى ومنذ النكبة الفلسطينية وقيام اسرائيل، يناضل الحزب الشيوعي الاسرائيلي ومن خلال جميع المنابر البرلمانية والشعبية محذرًا حكام اسرائيل من مغبة سياستهم العدوانية، سياسة الاحتلال الاستيطاني الغاشم والتنكر لحق الشعب الفلسطيني الوطني، بالدولة السيادية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحق اللاجئين في العودة. وتحذير حكومة الاجرام الاسرائيلية من ان القضية الفلسطينية من حيث جوهرها ومدلولها الحقيقي هي قضية سياسية من الدرجة الاولى، ولهذا فان حل هذه القضية لا يمكن ان يكون الا حلا سياسيًا، ولا يمكن أبدًا حسم الصراع عسكريًا حتى لو جندت اسرائيل لجيشها كل الترسانة العسكرية الامريكية. كما انه في ظروف الصراع في عالمنا لا يمكن التسليم بحل أرض اسرائيل الكبرى على جثة ودفن الحقوق الوطنية الفلسطينية. والعكس هو الصحيح، لا يمكن التسليم بحل أرض فلسطين الكبرى، بمعنى شطب حق اسرائيل في الوجود. ونحن على ثقة انه لا توجد عدالة مطلقة تنصف صاحب الحق الشرعي بإعطائه كل حقوقه، إذ تتدخل في الأمر عدة عوامل مؤثرة، موضوعية وذاتية مثل التوازنات المتعددة على ساحات الصراع المختلفة، مدى جاهزية صاحب الحق المسلوب واستعداده للتضحية دفاعًا عن حقوقه الوطنية، لدى فاعلية العمق الاستراتيجي المساند لصاحب الحقوق المسلوبة، جبهة الاعداء وتناقضاتها..
ان أخذ هذه الأمور وغيرها بعين الاعتبار وانطلاقًا من أهمية تخليص الشعب الفلسطيني من براثن الاحتلال الاسرائيلي ومختلف الذئاب المفترسة من اعدائه، وانجاز حقه في تقرير مصيره بالتحرر والاستقلال الوطني فقد بادر الحزب الشيوعي وجبهته الدمقراطية للسلام والمساواة في طرح برنامجه السياسي للخروج من دوامة الصراع المخضّب بالدماء وانجاز السلام العادل نسبيًا، على أساس شعار "دولتين للشعبين"، والأصح دولتين متجاورتين اسرائيل وفلسطين، وتكون حدود الرابع من حزيران السبعة والستين حدود السلام والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194 الذي اتخذته الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وحقيقة هي أن برنامج الحزب الشيوعي والجبهة للتسوية السياسية تبنته الأسرة الدولية وغالبية الرأي العام العالمي، والأهم من كل ذلك ان الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام (1987)، تبنت هذا المخرج، كما تبناه الرئيس ياسر عرفات والمجلس الوطني الفلسطيني في دورة الجزائر في شهر تشرين الثاني (1988). الجهة الوحيدة التي بقيت على موقفها المعادي للتسوية السياسية المدعومة بقرارات الشرعية الدولية هي تحالف العدوان الاستراتيجي الاسرائيلي – الأمريكي. وفي هذا السياق نرى من الأهمية بمكان التذكير انه في عز الانتفاضة الاولى والمقاومة للمحتلين شعبيًا في ثورة الحجارة نشأت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) بتشجيع من المحتل الاسرائيلي، وعلى أمل أن تكون بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية ولمشروعها بإقامة الدولة الوطنية الفلسطينية. فحركة حماس منذ قيامها وحتى يومنا هذا ترفض الدخول في منظمة التحرير الفلسطينية، كما ترفض البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
والمحتل الاسرائيلي، وقوى الرفض الاسرائيلية المختلفة، أسهل لها التعامل مع مزاودين مغامرين لا رصيد لهم في دفن الحقوق الوطنية الفلسطينية تحت راية محاربة الارهاب المزيفة.
لقد ذهب ياسر عرفات الى اوسلو ووقع اتفاقيات اوسلو للحل المرحلي، خاصة بعد انهيار سنده الاستراتيجي الاتحاد السوفييتي والأنظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية، وقناعته انه لا يمكن الاعتماد على أنظمة الدواجن العربية، وعلى أمل انجاز ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، في الحل النهائي الثابت سنة 1995! وعندما اقترب من كان يكسر عظام الفلسطينيين بالأمس، رئيس الحكومة الاسرائيلية يتسحاق رابين من القناعة انه لا يمكن حل القضية الفلسطينية عسكريًا، ولا مفر من حل سياسي يحترم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، عندما اقترب من هذا الموقف اغتالته رصاصات الفاشيين العنصريين. وعندما تمسك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالتسوية السياسية على أساس الدولتين في حدود الرابع من حزيران 67 مع ضمان ثوابت الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف (الدولة، القدس، العودة والمياه) ورفض الضغوطات الشرسة في قمة "كامب ديفيد" من الرئيس الامريكي كلينتون ورئيس حكومة الاحتلال ايهود براك، عندئذ قام تحالف المجرمين الاسرائيليين الامريكيين بمجزرة القدس والأقصى في 28/10/2000 وبمجازر جنين وطولكرم وفرض الحصار العسكري والاقتصادي على الرئيس الفلسطيني في المقاطعة برام الله ووصمه بالارهاب وانه ليس بذي شأن وليس ندًا للتفاوض حسب ادعاء زعيمَي الارهاب المنظم، ايهود براك وجورج دبليو بوش، ولم يخرج الرئيس ياسر عرفات من المقاطعة الا في التابوت ومحمولا على الاكتاف، وسيكشف التاريخ يومًا إذا قتله المجرمون بالسم كما تروج الروايات. وأمثال هذا القائد الرمز يبقى الى الأبد في وجدان شعبه الذي قاد مسيرته التحررية في أصعب الأوقات، ولم يتنازل يومًا عن أي ثابتة من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعرف بحنكة الحكماء كيف يسير بين النقط وفي حقول الألغام يمسك بمختلف الخيوط، ويحرص كل الحرص على الوحدة الوطنية لمختلف ألوان طيف شعبه.
لقد حرصنا نحن الشيوعيين على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي فصيل او تيار من فصائل وتيارات الثورة والمقاومة الفلسطينية او الانحياز الى جانب أي فصيل، كنا ولا نزال منحازين الى جانب الحقوق الوطنية الشرعية لشعبنا، الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الوحيد والشرعي لهذا الشعب، وكان إذا حصل أي خلاف، وكان يحدث مرارًا، واذكر خلافًا وقع بين الرئيس عرفات وقادة حماس، فكنا نعمل على اصلاح ذات البين، فالاحتلال الاسرائيلي يبقى العدو الرئيسي للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية وبغض النظر عن هوية الانتماء الفصائلي، ولكن وللأسف، ما قامت به حركة حماس بانقلابها العسكري على الشرعية الفلسطينية في شهر حزيران الماضي لا يندرج في اطار مجرد خلاف مع حركة فتح وسلطة الرئيس محمود عباس، انه انقلاب على كل المسيرة الوطنية التحررية التي قادها ياسر عرفات، وخنجر مسموم في خاصرة وقلب الهدف المركزي للنضال التحرري الفلسطيني، النضال من أجل الوطن الفلسطيني الحر والمستقل.
وقد جاء توقيت الانقلاب العسكري لحركة حماس في قطاع غزة في ظروف دولية ومنطقية، تعيد الى الأذهان معاهدة سايكس بيكو الاستعمارية ووعد بلفور المشؤوم والنكبة الفلسطينية في الثمانية والأربعين. ارتكبت حماس جريمتها في وقت أشرس هجمة لاستراتيجية الهيمنة الامريكية لتمزيق أوصال الوحدة الوطنية والاقليمية لأوطان العرب في العراق والسودان ولبنان وغيرها. وفلسطين مستهدفة في اطار استراتيجية تمزيق أوصال الوحدة الاقليمية، فإذا كان المدلول السياسي لوعد وزير خارجية الاستعمار البريطاني نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده ومصادرة حقه في الوطن المستقل حتى يومنا هذا، فإن وعد بوش للمحتل الاسرائيلي الذي قدمه لأريئيل شارون في العشرين من شهر أيلول/ سبتمبر ألفين وأربعة يقضي باقامة "دولة المستوطنات اليهودية" على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ السبعة والستين وضم هذه "الدولة" – كتل الاستيطان التي تؤلف أكثر من أربعين في المئة من مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل، وما تبقى يكون كيانًا من كنتونات فلسطينية يربط فيما بينها أنفاق تحت الأرض وطرق التفافية وأبعد ما يكون عن دولة طبيعية قابلة للحياة. وهذا ما يحاول التحالف الاسرا-أمريكي تسويقه للوفد الفلسطيني في مؤتمر "انابوليس" إذا ما عُقد. هذا عوضًا عن الرفض الاسرائيلي – الامريكي لحق العودة للاجئين الفلسطينيين وعدم الالتزام بجدول زمني لانهاء محادثات الحل الدائم.
لقد أدّى الرئيس الفلسطيني محمود عباس القسَم الوطني على ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات بأنه يواصل طريق أبو عمار، ولنا كل الثقة بأن الرئيس أبو مازن لن يتنازل عن أي ثابتة من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية. ومهمة الساعة - عُقد مؤتمر أنابوليس أو عمره ما يعقد - فنحن لا نتوخى منه أي خير، مهمة الساعة اعادة ترتيب البيت الفلسطيني بتراجع حماس عن غيها والغاء جميع الاجراءات غير الشرعية التي اتخذتها، لخلق ظروف مؤاتية لصقل الوحدة الوطنية الكفاحية المتمسكة بثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية، ومواصلة حمل الراية التي رفعها ياسر عرفات.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز