الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة، المتوسطية، والشرق أوسطية

ناجح شاهين

2003 / 11 / 10
العولمة وتطورات العالم المعاصر


نود أن نلاحظ في البداية أن مصطلح الشرق الأوسط يأتي في سياق تعميم الثقافة الاستعمارية التي كانت ترى إلى العالم بوصفه شرقاً أدنى وأوسط وأقصى. وقد سقطت " الأدنى " من حساب السرايا بحكم ظهور شرق أوروبا الشيوعي الذي جعل المفردة غير ذات معنى بسبب دخول المنطقة المعنية في نطاق ما عرف بالدول الاشتراكية التي تغير موقعها السياسي والاقتصادي كثيراً عن سابق عهده عندما كانت في جزء كبير منها تعود إلى ممتلكات رجل أوربا المريض.
ومع انتهاء عصر الحرب الباردة برز المشرق العربي نقطة أشد أهمية من السابق باعتبار أن " الخطر الأحمر " قد زال من الوجود مما سمح لزعامة " العالم الحر " في التفكير بأريحية تامة في تعزيز قبضتها على العالم، مثلما تشديد عمليات النهب عبر فرض السيطرة المطلقة على الثروات، ومحاور السطوة الاقتصادية باحتكار ثروة النفط الفائقة الأهمية، والتي تعززت حصة المنطقة العربية منها بعد اكتشاف المزيد من الاحتياط الهائل خصوصاً في العراق أواخر القرن المنصرم. هكذا غدا الشرق شرقاً وحيداً هو الأوسط. ومن جهة الأوروبيين يتم النظر له بوصفه منطقة المتوسط شرقاً وجنوباً. وهو ما يدفع للقول بمصالح حيوية للأوروبيين، بل ومشروعة تماماً في هذه المنطقة التي يستطيعون إذا رغبوا أن يدعوا الانتماء لها حتى لو كان ذلك الانتماء انتماء العدو والخصم أو المنافس على أقل تعديل وذلك على مدار التاريخ منذ جولات الكنعانيين ثم الفرس جنوب أوروبا، ومنذ حملات الاسكندر في المقابل، وحتى الاستعمار الحديث الذي شمل كافة أصقاع المنطقة العربية على الرغم من ترامي أطرافها.
لا بد أن الموقف الأوروبي لا يتماهى بالمطلق مع نظيره الأمريكي. والحق أن اختلافاً بين قطبي الأطلسي قائم بالفعل منذ ما أيام الحرب الباردة ذاتها. ولا يستطيع أحد أن ينسى تلك الأيام الغابرة التي قام فيها شارل ديغول وخليفته جورج بومبيدو بفصل أنفسهم بوضوح تام عن عالم الأنكل سام في محاولة صريحة لتكوين أوروبا مستقلة عن الولايات المتحدة. ولعل زوال مخاطر الشيوعية قد عزز الرأي الفرنسي وضم إليه الموقف الألماني، وهو ما اتضح بقوة في الحرب الأمريكية على العراق التي انتهت كما هو معلوم باحتلاله.
لعل الصورة المقتضبة التي حاولنا رسمها فيما سبق تسمح لنا بالقول أن الطبعة العولمية الأمريكية لمنطقتنا ترى إليها بوصفها الشرق الأوسط.  وهو يشير فيما نزعم أساساً إلى المنطقة العربية، ولكن الهدف من تغيير الاسم هو تغيير هوية المنطقة العروبية كيما تجد اسرائيل مكانها فيها. وليس أدل على مركزية اسرائيل في القصة كلها من أن دول المنطقة غير العربية تتغير هويتها " الشرق أوسطية " بسهولة كبيرة.  ومن ذلك على سبيل المثال أن تركيا اليوم شرق أوسطية أكثر من إيران، بينما إيران الشاه كانت ركناً لا غنى عنه عند الحديث عن أي شكل من أشكال الشرق أوسطية.
إذا كانت هذه هي القراءة الأقرب للصحة لواقع المنطقة، فإننا نظن أن أوروبا لن تستفيد كثيراً من هذا الشكل من البناء السياسي على حدودها لأنه ببساطة سوف يحرمها من منطقة نفوذها الحيوي، ويضعها تحت رحمة الولايات المتحدة تماماً. ومن هذه الناحية نظن أن الأوروبيين يعون هذه المخاطر ربما أكثر من زعماء الدول العربية أنفسهم.
لا بد عند الفحص عن أصول الفكرة من تتبع الدور الإسرائيلي.  فقد سعت الدولة العبرية بعد ازدياد ثقتها بنفسها إثر حرب 1967 إلى دور أهم من دور رأس الحربة، ودور الجيش الذي " يمتلك " دولة.  ربما أنها فكرت في أن تكون دولة قيادية إقليمياً، ولا يخفى اليوم أنهم يسعون إلى أداء دور مركز عولمي إقليمي في انسجام وتكامل غير مسبوق مع المخطط أو على الأقل الرؤية الأمريكية لعالمنا الراهن.
وهنا يمكن القول إنه لا فرق على محك الواقع بين الأحزاب الإسرائيلية، إذ أنها جميعاً تحمل نفس اللاءات والثوابت " الوطنية ". ومنها على سبيل المثال لا الحصر رفض حق العودة للفلسطينيين المهجرين من أرضهم.  وذلك بالطبع لا يعني غياب الفروق الكمية التي لا تؤدي إلى فروق كيفية أو نوعية بأي حال من الأحوال.  في هذا السياق نلمح تياراً " حداثياً " في إسرائيل يعلن مصلحته في فتح أسواق العرب.  وهذا يعبر بطبيعة الحال عن مصالح اقتصادية ضخمة في قطاعات التقانة وثورة المعلومات وما إليها.  هؤلاء يظهرون رغبة شديدة في الانضمام لشرق أوسط جديد، بل إنهم لن يترددوا في طلب الانضمام إلى الجامعة العربية حتى وإن رفضت التخلي عن اسمهما وعنوانها العربيين، وهو ما تتمسك به حتى اللحظة.  في المقابل وهنا يتضح التماثل الجوهري بين الأحزاب الإسرائيلية لا يأخذ هذا التيار أي موقف متمايز فيما يخص علاقة الأمة بالدين، ولا يتقدم أحد لمناقشة كيف يتم الإصرار على تأسيس الأمة على الدين في زمن ما بعد القوميات التي هي إحدى مسلمات إديولوجيا العولمة، التي طرحت نفسها ناقضاً ونقيضاً لكل أشكال الإديولوجيا بعد أن أنهت زحف التاريخ البشري بامبراطورية رأس المال.
المهم يلخصه شمعون بيرس في " الشرق الأوسط الجديد " فهو يطالب بدمج اقتصاديات المنطقة، وكذلك ربط طلاب مختلف دولها بحاسوب تعليمي يوحد عقولهم ويحررهم من الماضي وأحقاده.  وللإنصاف فإن الرجل لا يترك أمراً صغيراً أو كبيراً دون أن يهتم به.  ربما يسهو عن ذكر الاحتلال الذي يمارسه لأرض فلسطين كلها: فهو مهتم بالفقر والديمقراطية ونمو الصناعة والزراعة والصحة والتعليم، لكن لا يجد متسعاً من الورق لحل مشكلة شعب فلسطين الذي أصبح في أغلبيته المثال للدياسبورا التي سبق لليهود أن جسدوها.
لا نستغرب أن غريم بيرس اللدود أعطية الله (= نتانياهو) يفكر في فتح مراكز في مناطق منزوعة السيادة لتدريب الأطباء والممرضين العرب، وهو بذلك يبين أن اليمينية واليسارية مفاهيم نسبية في عالمنا الحالي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر باليمين أو اليسار الصهيونيين.
أما الولايات المتحدة فمهما قيل عن ماضيها الذي بدأ منذ الستينات يشهد شهر عسل لا ينقطع مع الدولة العبرية فإن زمناً آخر قد حل بالفعل منذ مجيء حكومة الجمهوريين سيئة الصيت بقيادة جورج بشوش الابن.  لقد وصل جورج بوش حد الجنون المطبق عندما أوضح أثناء مجزرة جنين أن أرئيل شارون رجل سلام بالفعل.  ولا بد أن شارون قد استغرب من وقاحة صديقه في مضمار الكذب الذي فاق كل التوقعات.  في هذه اللحظة التي يقود اليمين المسيحي الصهيوني فيها الولايات المتحدة والعالم كله، ويسيطر الليكود على السلطة في إسرائيل، يبدو للرائي أن سباقاً محموماً على ملعبي العراق وفلسطين يدور على أعلى مستوى بين أمريكا وإسرائيل في فنون السيطرة على العرب وقمعهم ونهبهم وفرض عالم عربي جديد يتفق مع معطيات العولمة الرهيبة.
لقد بدأت الفكرة إسرائيلياً في مطلع السبعينات على الأرجح، ثم تبعها الأمريكان، ومع انتهاء الحرب الأولى على العراق عام 1991 أعلن جون كيلي معاون وزير الخارجية الأمريكية في تلك الحقبة: "لا تتحدثوا بعد اليوم عن العرب والعروبة وإنما عن مصريين وسوريين..الخ يعيشون في الشرق الأوسط."  ربما أن هذا هو بالضبط ما تصبو إليه إسرائيل.  فبين بذاته أن تفكيك العرب وإضعافهم واحتجاز تطورهم هي أمور مشتركة بعمق بين الحليفين العتيدين.
لا بد أن الأمن العربي الذي يشمل حماية دول المنطقة بعضها من بعض سوف يصبح مسؤولية أمريكية – إسرائيلية وهكذا سيتم منع أي تعاون عربي، حتى وإن كان من نوع أضعف الإيمان الذي ساد أيام الحرب الباردة.  وإسرائيل ُتمنح امتياز قيادة المنطقة، بينما يتراجع العرب إنتاجياً في الزراعة والصناعة والقاعدة العلمية، وتتناقص قدرة الاستهلاك الشعبي والمدخرات الوطنية، وتتراجع فاعلية العلم والتنمية.  وبكلمة واحدة: يحل الخراب.
إذن تتحقق الشرق أوسطية فقط على حساب التكامل العربي اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وحتى ثقافياً.  ألم يصل طموح بيرس درجة ربط التلاميذ بحاسوبه العجيب؟ فما العمل على حد تعبير سؤال لينين الشهير؟
نذهب للقول بأن الجزء العربي من مشروع مقاومة العولمة ربما يتجلى بشكل ملموس في مقاومة الشرق الأوسطية، وذلك بمقاومة التطبيع وإجهاض نجاحات المشروع الصهيوني.  ومن هذه الناحية نرى أنه ليس لنا ولا علينا أن نقلق لخطر العولمة على جموع البشر في كافة أنحاء المعمورة.  وما نظن قدرة الآخرين على المقاومة أضعف من قدرتنا في هذا المجال وربما –للأسف – أن العكس هو الصحيح.  ولكن ذلك لا يعني أن المشروع في بلادنا يسير على خير ما تشتهي سفنه لأن هناك عدداً من المنغصات، نذكر منها:
1. استمرار مقاومة بعض الأنظمة ذات الصبغة القومية مثل سوريا ولبنان.
2. تصاعد المقاومة المسلحة في العراق، واستمرارها في فلسطين وجنوب لبنان.
3. غطرسة النظام العولمي ذاته ورغبته في إملاء شروطه بالتفصيل الممل على كافة الدول والأنظمة العربية بما فيها " الحليفة " والعميلة الأمر الذي بدأ يؤسس لجماعات معارضة في أكثر الدول ولاء وطاعة من شاكلة المملكة العربية السعودية.
4. الرفض الواسع شعبياً وإن يكن صامتاً أو غير فاعل حتى اللحظة، فإن بالإمكان أن يتطور إلى حالة مقاومة واسعة ومؤثرة.
نتوهم أن بالإمكان التفكير في مخرج يعتمد العمل في المستويين الشعبي والرسمي في حقول الثقافة والسياسة من أجل التأثير في الاقتصاد ومنع خرابه. خصوصاً أننا لا نتبنى أكذوبة تضبيط السوق للإقتصاد التي ركلها اليانكي الذي يرددها طوال الوقت بقدمه عارية وعلى رؤوس الأشهاد. هل يمكن أن تقوم أوروبا بدور يدعم التحرر والفكاك العربي من العولمة وطبعتها المحلية المعنونة بالشرق أوسطية؟ نحن نظن أن مصلحة أوروبا هي في ذلك.  ومن جانبنا نظن أن عالماً متعدد الأقطاب يصب في مصلحة الأمة العربية. ومن هنا فإن دوراً فعلياً لأوروبا هو أمر حيوي لنا، لكننا ندرك أن علينا أن نساهم في إيقاظ أوروبا من أحلام الماضي الاستعماري لتفكر في أن عالماً بمصالح متوازنة وقائمة على حد من احترام الغير هو أمر ممكن.  لكن في كل الأحوال تلك قصة أوروبية في مجملها، وليس هنا مكان مناقشتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل مؤلمة! | نادين الراسي


.. قصف عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نحو عشرة ملايين تونسي مدعوون للتصويت في انتخابات رئاسية تبدو


.. تساؤلات عن مصير قاآني.. هل قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس




.. بتقنية -تايم لابس-.. توثيق لضربات إسرائيلية عنيفة على بيروت