الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استعادة عرفات رمزا ...

مهند عبد الحميد

2007 / 11 / 17
القضية الفلسطينية


بعد ثلاثة أعوام من استشهاده استنهض شعبه فعلا وقولا، هذا ما قالته مسيرات الضفة والقطاع. صحيح ان الحشد اصبح يصنع، غير ان هذا النوع من الحشد ارتبط بحرارة واستجابة المحتشدين الخاصة، لقد بدا الحشد الكبير وكأنه يعبر عن حاجة الناس لشيء مفتقد. الناس الذين يشعرون بالقلق على مصيرهم ومستقبلهم، يحاولون استعادة رموزهم والاستقواء بها كشكل دفاعي. الاستفراد الاسرائيلي بالمفاوض الفلسطيني الآن قاد الناس الى الاستقواء بعرفات مفاوض الامس في كامب ديفيد، وللاستقواء وظيفة هي مطالبة مفاوض اليوم التمسك بالثوابت الوطنية بدون تأتأة.
فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية الان، دفع الناس الى الاستقواء بعرفات الذي حقق الوحدة الوطنية وصانها طوال الوقت، فخرجوا في الضفة واحتشدوا بأعداد ضخمة في القطاع ليؤكدوا على أهمية الوحدة، وجاءت الذكرى هنا لتوحدهم.
الاحتفال الجماهيري الضخم في القطاع كان ملفتا للنظر وذا مغزى كبير، فمن جهة جاء احتجاجاً على الحصار الخانق، وجاء ينشد الوحدة المفتقدة بين شطري الوطن من الجهة الاخرى، ثم جاء بصيغة اعتراض على الانقلاب والتسلط.
في يوم 12/11 صوت المواطنون ضد "حماس" وسياستها الانقسامية وتهديدها للديمقراطية وتقويضها للشرعية الفلسطينية، صوتوا ضد سياسة الحزب الواحد والتعدي على الحريات العامة، صوتوا ضد الخطاب التخويني التكفيري، وضد السياسة الهوجاء التي تقدم الذرائع لسلطات الاحتلال العنصري.
مئات الالاف نساء ورجالا وأطفالا خرجوا في الذكرى الثالثة لرحيل عرفات وقدموا الرسالة غير الملتبسة الى قيادة "حماس"، وكأنهم يحثونها على مراجعة مواقفها وسياساتها والاستجابة لارادة الشعب بالعودة الى الوحدة الوطنية والشرعية الفلسطينية، وكأنهم يدعونها الى رص الصفوف في مواجهة الاحتلال والحصار والمفاوض الاسرائيلي والانحياز الاميركي.
لم تكن "حماس" مستعدة لسماع صرخة الشعب الواحد، فحاولت منع الحشد والتضييق عليه وافشاله، لكن الحشود فرضت حضورها، قالت كلمتها وقدمت رسالتها اخيرا.فماذا كان الرد؟ ردت "حماس" عليها بلغة الرصاص، كانت الاصابع خفيفة على الزناد، فسال الدم الغالي هذه المرة بنيران صديقة، ألا يكفي ما يسفكه العدوان الاسرائيلي من دمائنا يوميا! للاسف لم تكن المرة الاولى ولا الخطأ الاول والثاني والثالث، فما اسهل إطلاق النيران لدى أناس عاهدوا وأقسموا أن لا يحيد رصاصهم عن هدفه!.
برر هؤلاء إطلاق النار على إخوة السلاح والإعدامات الميدانية بأن المستهدفين كانوا عملاء للاحتلال وانهم لن يستهدفوا غير الضالعين بالتعاون مع المحتلين والمتهمين بقتل عناصر من "حماس"، لكن رصاصهم حصد مجندين اغرارا وعناصر التحقت بالاجهزة الامنية من أجل لقمة الخبز، وسرعان ما وصل رصاصهم هذا اليوم الى الاطفال وكبار السن والابرياء والمواطنين بشكل عام. قالوا انهم ذهبوا للسيطرة على مقرات الاجهزة التي تنسق مع قوات الاحتلال لضرب المقاومين او لمنعهم من مقاومة الاحتلال بيد انهم لم يتوانوا عن السيطرة على مراكز ومحطات الاذاعة والتلفزيون والنقابات والمؤسسات الصحية والمدنية والمساجد التي لا تخضع لسيطرتهم وصولا الى الساحات العامة. اتدرون لماذا استعدوا نصف الشعب أولا وثلثي الشعب راهناً إضافة لكل الفصائل الوطنية؟ لأن خطابهم يخوّن ويكفر كل من يخالفهم الرأي. ومن السهل بعدئذ اطلاق النار وتكسير أقدام كل هؤلاء. من يجرؤ على وضع أغلبية شعبه في موقع العداء والعقاب؟ من عاقب شعبه غير بول بوت كمبوديا ونيرون روما وطالبان افغانستان؟.
الى اين نحن ذاهبون؟ ما جرى في قطاع غزة جد خطير، والخطر ينبع من وجود طرف لا يحترم التعددية السياسية ولا الشرعية وتمثيلها، والاخطر ان هذا الطرف لا يحترم إرادة الشعب ولا مطالبه المشروعة. اطلاق النار وسقوط قتلى وجرحى يوم 12/11 يعني ان "حماس" لا تحترم ارادة مئات الالاف من المواطنين. يعني انها وضعت الديمقراطية في الادراج واكدت المقولة الشهيرة: "ان الاسلاميين يحتاجون الانتخابات لمرة واحدة فقط".
عندما لا يتم الاعتراف بالاخطاء وتسدل الستارة على الديمقراطية نكون بصدد شمولية منفصلة عن الحركة السياسية واكثرية الشعب. ان الشمولية كأكثرية مشكلة وتحولها الى اقلية مشكلة ايضا. فهي لا تحترم الاقلية في التعبير عن رأيها ولا تمنحها الحرية من جهة، وهي لا تحترم رأي الاكثرية في الجهة الاخرى وتعطي لنفسها حق النقض والتخريب على سياسة الاكثرية. هل هذا الوضع الشائك يحتمل الرد على الشمولية بالقمع كما حدث في الجزائر مثلا؟ انه الوجه الاخر للشمولية، الوجه الذي يؤدي الى قبر الديمقراطية وسيادة ديكتاتورية البيروقراطية. لا بديل عن الديمقراطية وكسب ثقة الناس من خلال إجراءات وممارسات مقنعة وملموسة.
كسب ثقة المزيد والمزيد من الناس هو الذي سيضع الشمولية في موقع ضعيف، موقع يتيح للقوى الديمقراطية القدرة على الزامها بالعملية الديمقراطية. وكسب الثقة لا يتأتى من خلال أخطاء وممارسات الشموليين وحسب بل وعبر عملية الاصلاح الحقيقية لمؤسسات السلطة والمنظمة والمجتمع، وعبر إدخال التعديل الجدي في بنيتها التنظيمية والادارية والمالية.
الاصلاح هو نصف العملية الديمقراطية، الفساد اول من سدد اللكمات المؤلمة للديمقراطية، ثم جاءت الشمولية لتكمل تسديد اللكمات القاتلة، واستعادة الديمقراطية وتعزيزها يأتي عبر الاصلاح وعزل الشمولية على قاعدة النضال المتصاعد لانهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟