الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الباحث المغربي محمد سعيد الريحاني حول كتابه -الإسم المغربي وإرادة التفرد-، أول دراسة سيميائية للإسم الفردي العربي

محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)

2003 / 11 / 11
مقابلات و حوارات


البحث عن الخصوصية في الإسم الفردي
أجرى الحوار : ذ. عبد الرؤوف الزكري
* أصدرتم مؤخرا أول عمل لكم تحت عنوان:" الاسم المغربي وإرادة التفرد "، وهو عنوان يبين اهتماما واحتفالية خاصتين بالجزئي: الاسم، في وقت تطفو فيه مناقشة وبحث الكل: حداثة، عولمة، قضايا محلية… لماذا اخترتم البحث في الجزئي عوض الاهتمام بالقضايا الكبرى؟
 
في تمييزه بين الفلسفة والعلم، لاحظ " نيتشه" أن روح الفلسفة في الكل وروح العلم في الجزء. أعتقد أن تخلي الإنسان عن النزعة الإنسانية، نزعة الثقافة العامة، سيفسح المجال واسعا أمام ثقافة جديدة: ثقافة التخصص والعلمية والوقوف عند الجزئي، أو التفصيل باستعارة معجم " رولان بارث".
 
 *لقد اخترتم الخوض في مجال رمزي بامتياز، هلا رصدتم أصول هذه الرمزية؟
 
أعتقد أن الاسم ظهر لأول مرة مع ظهور الملكية وتقسيم الأدوار ومع البدايات الأولى للتجزيء… وهذا الرأي يوافق ما كتبه مرة الميلودي شغموم:" الأسماء طريقة لترتيب العالم وتقسيمه"،  كما  يوافق  قوله تعالى  في سورة النجم: " إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وأبائكم". وربرتوا ر الأغنية  الإنسانية يزخر بالعديد  من  الأمثلة  في  الموضوع  كرائعة  بوب دايلن      BOB DYLAN "الإنسان هو  الذي  أعطى الأسماء   لكل   الحيوانات"
Man Gave Names To All The Animals…
وهكذا ارتبط الاسم منذ الأول بالملكية (امتلاك الأبناء…)، وممارسة السلطة (سلطة التسمية … )، توزيع الأدوار … إن إطلاق الأسماء على البشر والأشياء والأماكن هي أولى رموز السيطرة على هؤلاء جميعا…
 
إذن، السلطة تبدأ دائما بإطلاق أسماء جديدة على مسميات قديمة. أليس هناك من ضرورة أخرى لتسمية الأشياء غير الرغبة في السيطرة خصوصا إذا استحضرنا الكثير من المسميات لا نستطيع السيطرة عليها كأسماء الكوارث الطبيعية التي نكتفي بمعالجة أثارها؟
 
        لنأخذ فلسطين، فلنا فيها المثل الواضح، فإبادة الشعب الفلسطيني لم تكتف بالمذابح والاغتيالات و النفي و الاعتقال … بل رافقها دائما عملية ممنهجة لمسح الإسم العربي الذي يرمز للوجود العربي الفلسطيني و هكذا تغيرت القدس  الى Jerusalem ، والخليل الى Hebron  ، والضفة الغربية وقطاع غزة إلى يهودا والسامرة.. نفس الشيء حدث إبان الإكتشافات الكبرى لعصر النهضة الأروروبية، حيث كان المستكشفون الأوروبيون يطلقون الأسماء على الأراضي التي اكتشفوها: مكسيكو، تشيلي. . . يعطونها أسماء و كأنهم هم الذين أوجدوا تلك الأراضي من أمريكا اللاتينية. مع العلم أن حضارات المايا و الأزطيك و الأنكا لم تبلغها لا هولندا ولا البرتغال، و لا إسبانيا قبل عصر النهضة، بل هي حضارات سابقة للوجود الهولندي و الإسباني و البرتغالي ذاته . . .
 
 * الى أي حد تتجلى حاجة الثقافة المغربية الى دراسات اسمية،  دراسات أنتروبونيمية ؟
 
الثقافة المغربية حديثة العهد بهذا التوجه نحو الجزئي ، وهي لازالت تراكم التجارب و الدراسات و التاريخ وحده سيحدد الأصلح.
الحاجة الى دراسات أنثروبونيمية هي ضرورة ملحة. نحن نتحدث عن الموضوعية، عن الوضوح، عن تسمية الأشياء بمسمياتها . . . و مع ذلك ليست لدينا دراسات حول هذه المسميات و بالتالي ليس لنا وعي بأهمية الاسم في حياتنا اليومية و المهنية و الثقافية . . .
 
 *ما هي علاقة الموضوعية بالدراسات الانتروبونيمية ؟
 
 التحليل الموضوعي له أدوات عمل إذا شغلت كانت فعاليته أقوى، وهذه الأدوات أربعة:
- أولا، تقديم الحقائق / الأحداث
- ثانيا، تحديد الزمن / التاريخ
-  ثالثا، تحديد الأسماء ( أسماء الشخوص ، أسماء الأمكنة... )
-  رابعا، الإحصائيات.
 
* هل تعتقدون أن الاسم مكون ضروري للخطاب الموضوعي؟
 
ليس ضروريا، لكنه خطير للغاية، و أن استعمال الاسم في الحياة الإنسانية ليس مجانيا، بل وظيفيا، ولذلك لا مجال للحديث عن إطلاقيات في الموضوع، السياق هو الذي يحدد وظيفة الاسم: جرأة، نميمة … .
 
 
* ما هي العلاقة التي تقيمونها بين الاسم و الشخصية؟
 
الاسم هو الصورة الأولى للشخصية، من خلالها نحدد علاقتنا مع حاملها و من خلالها أيضا يتربى الفرد و يتطابق مع هويته أو على الأقل يقترب منها و يستأنس بها. الاسم هو شخصيتنا، حياتنا، بدون اسم من نكون؟
 
* هل هناك فرع معرفي خاص بدراسة الأسماء؟
 
نعم: L’onomastique  و هي دراسة الاسم العلم وتتفرع الى فرعين L’anthroponymie  و هي دراسة أسماء البشر، La toponymie و هي دراسة أسمـاء الأمكنـة . . .
 
* ما هي منظورات الأنتروبونيميا؟ ما هي زوايا النظر الممكنة في البحوث الأنتروبونيمية؟
 
نعم هناك مناهج ومقاربات تختلف حسب مشارب الباحث و مرجعياته. فالباحث الفلكي سيتناول دراسته الاسمية من منظور Numerologique ، و رجل القانون من منظور قانوني أو حقوقي، والباحث في علم النفس من منظور نفسي، والباحث في الديموغرافيا من منظور إحصائي والباحث في السوسيولوجيا من منظور سوسيولوجي … .
 
 * كل دراسة مهما توخت العملية، هي دراسة قصدية/غائية. ما هي رهانات الدراسات الاسمية ؟
 
أعتقد أن الدراسات الأنتروبونيمية تتقصد رصد تطور الوعي الثقافي و الاجتماعي  والسياسي و الاقتصادي لمجموعة لغوية معينة من خلال دراسة الاسم، كما تسمح بتتبع طموح هذه المجموعة اللغوية خلال مرحلة أو مراحل محددة من حياتنا.
 
 *كيف ينطبق هذا، أقصد رصد الوعي الثقافي و غيره لمجموعة لغوية من خلال أسمائها، على التحول الاجتماعي الموازي له؟
 
صاحب الاستقلال السياسي للمغرب انفتاح على الذات بعدما كان هذا الانفتاح مؤجلا نظرا لوجود خطر خارجي يستأثر كل الاهتمام و يتمثل في وجود الاستعمار.
هذا الانفتاح على الذات فسح المجال للتعددية السياسية و اختلاف المرجعيات الثقافية … و قد عكس الاسم الفردي هذا التحول بانفتاحه على معاجم اسمية مشرقية خاصة بعد سفريات الطلبة الى الجامعات المشرقية و تدفق السياح و الأفلام العربية على المغرب.
و في السبعينات تلاحظ غيتة خياط في كتابها:
قاموس الأسماء العربية/Le livre des prenoms du monde  Arabe
أن اليهود المغاربة كانوا يتسمون بأسماء مغربية من قبيل: ميمون، أفريحة، سعدة، يمنا… لكنهم بعد حرب الأيام الست  و حرب أكتوبر 1967 أصبحت أسمائهم أكثر أجنبية تمييزا عن باقي المغاربة: جوناتان، جوانا، مايكل…
أما ابتداء من أواخر الثمانينيات، و مع موضة الأفلام المكسيكية، بدأ الغزو الغربي للمعجم الإسمية المغربية،  تحديدا على مستوى الإناث. و هكذا دخلت مكاتب الحالة المدنية المغربية أسماء مثل: صوفيا، كامليا ، ماريا، ليندا، صونيا، نادين، ديانا… و هي الأسماء التي سحبت مؤخرا. أما ابتداء من أواخر التسعينات، في بلاد المهجر خصوصا، فلقد التحق المغاربة الذكور بالموجة لحمل أسماء غربية. فقد قرأت على صفحات جريدة العلم (11 غشت 2001 ) مقالا يقول فيه كاتبه أن المغاربة في أرض المهجر يتعرضون للمضايقة و التهميش و الإقصاء بل حتى الاعتداء لمجرد كونهم يحملون أسماء مغربية، وأن هناك موجة لتغيير المغاربة لأسمائهم عند مصالح القنصليات المغربية بالخارج بناء على الاسم المغربي المحمول و الاسم الغربي المطلوب مثل: مصطفى “Estephane” ، فريد “Alfred” … رغبة في الاندماج الاجتماعي تماما كما فعل الأفرو ـ أمريكان في الولايات المتحدة و اليهود إبان العهد النازي….
 
 * نقرأ في عنوان الكتاب " الاسم المغربي " ، التركيز إذن منصب على الإسم المغربي دون المشرقي. هل هذا انسياق مع نزعة ثقافية مغربية تهدف للتمايز عن الثقافة العربية المشرقية؟
 
أود أن أؤكد أن البحث عن الثقافة العربية هو عموما بحث فقط في " المشترك" بين الثقافات العربية، وهذا البحث في المشترك الثقافي العربي، هو في الآن ذاته تهميش للمختلف فيه بين الثقافات العربية : أي تهميش للخصوصية، للمحلية، للتنوع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك مركزية المشرق العربي  و ثقافته كمصدر للحقيقة بالنسبة لباقي الثقافات العربية الأخرى، خاصة المغاربية، وهذه الهيمنة هي التي أدت بالمفكرين و المثقفين المغاربة لاحقا الى تبني إيديولوجية ثقافية مغربية ترفض ديلية الحضور الثقافي المغربي و هامشيته و تناضل من أجل فرض الثقافة المغربية كمكون أساسي و مختلف في نفس الوقت للثقافة العربية. و قد أطر فكريا هذه الأيديولوجية الدكتور محمد عابد الجابري خلال فثرة السبعينات مؤسسا طرحه على التمايزالتاريخي  بينالمدرسة الفكرية المشرقية والمدرسة الفكرية المغربية وأن هدا التمايز بين المدرستين وصل حد  القطيعة الإبستمولوجية.
 ولقد شهد قراء مجلة اليوم  السابع خلال  الثمانينيات حوارا عاصفا على  حلقات  بين  المفكر المغربي  الجابري و المفكر المصري حسن حنفي، ممثل المشرق الروحاني المغرب العقلاني … إن الاهتمام بالثقافة المغربية ليس من باب التفوق على نظيرتها المشرقية و لكن من باب عدم التواطؤ لكبت الخصوصية والمحلية و الاختلاف الثقافي، وأنا شخصيا لما أنصت لبرنامج إذاعي مغربي أو أقرأ مقالة مغربية حول الأسماء لا أسمع أو أقرأ الواقع المغربي بل متخيل المحدثين: فالضيف الإذاعي أو الكاتب ، رغم مغربيته، فهو حين يتحدث عن الإسم المغربي فهو يضعه في كفة واحدة مع الإسم العماني و الاسم الصومالي بحجة أن الإسم المغربي هو اسم عربي أولا وأخيرا، ومن هنا جاءت فكرة الكتاب:
 
البحث عن الخصوصية في الإسم المغربي.
 
 * عود على بدء. لماذا الجزئي كاستراتيجية في التحليل؟ و ما هو دوركم كمثقف؟
 
أعتقد أن وظيفة المثقف هي مساءلة المألوف ، هذا اليومي المهمش.  دور المثقف هو التحليل المتخصص الجزئيات والعادات و المؤسسات … أما التحريض و تشكيل المواقف السياسية للغير فتلك مهمة الواعظين و الدعاة “Propagandists”  الذين يمتلكون الحقيقة و هذا هو الفرق بين الثقافة و غير الثقافة،  بين دور المثقف و دور غيره.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ