الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشق اللبلاب

عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)

2007 / 11 / 19
الادب والفن


علاقته مع المحيط تتشردم، تتقاطع عبر لحظة الصمت مع الأشياء والناس، ففي الوقت الذي أحس فيه بضرورة وضع نظارته الرخيصة فوق عينيه، أصبحت الأشياء تتلاشى.. إنها جداره للصمت والغياب.. ورقة احتفال توجه ضد إيحاءات المواضيع التي كانت سابقا تتسربل بذاكرته..المدينة التائهة في أعين الناس والمتهالكة على فنون القول والرقص والبغاء..هكذا كان يقول دون أسف..: تحريك النسائم يولد العاصفة... ومن يود التسلق عليه أن يتحمل الانجراف...
إن هذا الزهد في الماضي خليق بأن يرسم وداعا سهلا وعاديا حين توصله بخطة اللبلاب الماكرة.. هذا النبات الذي يتسلق غيره ليصير شجرة... ويدعي أنه يصد عنها هوج الرياح...
أتذكر أنه مر وقت طويل قبل أن أربط معه صداقة من النوع السطحي.. أما الآن فهو يحاول إعادة النظر في إنتاج الأشياء والأشكال ولطالما سمعته يقول: أطول رحلة تبدأ بخطوة، إن له عشقا خاصا بهذا المثل الصيني حتى الجنون.. بدأ يخلخل علاقاته السابقة قبل الرحيل، حتى يبعد عن نفسه الخراب الذي تحدثه إيحاءات هذه الأشياء الفاجرة، وتأثيرات الوقائع الممسوخة على حافة اللحظات التي قضاها (هنا.. ومعهم في البيضاء).. إنه يفر من الذكريات..
كان دائم الصراع ضد قوة المعادلة الرياضية (عدو صديقي عدوي) لقد انخرط كم مرة في هستيريا تغيير هذه المعادلة بأخرى لا تفرض بالضرورة نفس النتيجة.. إن كل نتيجة تتجاوز دائرة معادلته الاجتماعية يصفها بالتخلف والبَغْلنة.
لقد جمع كل مواقف الوضوح المكثف لبداية جديدة ، بعد أن وضع لمدة خمسة شهور ذاكرته على حبل الغسيل.
لم يكن ليجيب ذات يوم عن الكثير من تساؤلاتي حتّى ختم الحديث: إن قرار القلب لا يخطئ، كلنا عابر... الحقيقة السِّندبادية هي الباقية في ملف العبور... وهذه الآذان تتهافت بشغف حول من لا يلح بالأسئلة المتواصلة على وحشة الدَّرب..على الوحوش المدربة...وعلى من لا يحرك مستنقعهم المتراكم...
كل المواقف الآن لا تعني شيئا..إنهم فقط يضعون مبررات تمتص الأناشيد ليستسيغوا غيابك...
كان وجهه محايدا أخرس وكنت أنا من خلق فيه هذا الحياد كلما انفجر بداخلي بركان من رد الفعل، حتّى أنّي قيَّمتُ يوما حصيلة ما استفدت من التدريس لأجد أنني فقط أخرج من القسم بالصمت إلى الحياة حتّى يغطي الصَّمَمُ الحزن والقلق.
أما هو فكان يشحذ ذخيرته الكلامية في إصغائي حتى تكومت لديه مرافعة من الانسحاب العاجل وقد تجاوز لحظة الوداع الصعبة...تجاوز معانقة اللبلاب...
ـــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل