الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلندع الثأر يأتى كاملا

رجائى موسى

2007 / 11 / 20
الادب والفن


مشهد أول

امرأة فقيرة من الدلتا، تؤمن بالقضاء والقدر وبما هو مكتوب كما تؤمن بعسف السلطة وتكبرها وجبروتها، تأتيها الشرطة بولدها ميتا، (كأنهم وجدوه ميتا). تعلن الأم بأن ابنها لم يمت، بل قتل وترفض العزاء، وتطالب بعودته من القبر وتشريحه من جديد.

مشهد ثان
هناك... فى قسم شرطة يتم خلع ثيابه عنه، ويضعون مرهما ويثبتون عصا فى مؤخرته. عندما سمع الأب بما حدث لابنه قرر أن يموت، لم يحتمل، أن يرى ابنه الممتلىء بقيم الذكورة، ماشيا وخلفه عصا فى مؤخرته تتبعه أينما يمضى والجميع يرونها؛ فى موقف الباص وفى اليوتيوبyou tube ، فقرر، عماد الكبير، أن ينزع العصا ويشهرها فى وجه ومؤخرة السلطة، وصار عليها ان تتخفى هى وتسترعورتها.

مشهد ثالث
سرت شائعة بموت الرئيس أو ذهابه للموت فى إحدى مستشفيات أوروبا، وراحت أقلاما تكتب عن؛ صحة الرئيس، وفراغ السلطة، وماذا سيحدث لو بالفعل حدث مكروها، ومن سيخلفه، وكيف تنتقل السلطة، وأخذ البعض على عاتقه بالدعوة لإنتقال سلمى للسلطة خوفا من الفوضى الممكنة، وفتاوى تصدر وتصريحات بأن حالته جيدة وفى تمام نشاطه. وفى خضم هذا المشهد كان هناك من يسأل سؤالاً واحداً أكثر ادهاشاً، سؤالاً عارياً ووقحاً:هل سيموت موتا طبيعيا، "هايموت موتة رب؟"

تعقيب لا ضرورة منه
ثمة طيف يلوح فى الأفق، أو شبح يطلع من شقوق الأجساد التى خربتها السلطة وعسفت بها، لو اجتمع بضع أفراد معا سوف يرونه طالعاً، نافراً، ومسخا، إنه الثأر.
كان على الأم الثكلى من قبل أن تذهب إلى ضريح لكى تضمد جراحها وترفع شكوتها إلى العزيز القدير، الله هو المنتقم الجبار، وهو من يأخذ بثأرنا، وتذهب إلى فقرها لكى تموت فى كمد وفى صمت، وكان على "عماد الكبير" أن يخفى عاره ويلعق خزيه ويحرص على لقمة عيشه، وعليه أن يعرف أن ما حدث له سيحدث لأخته وأمه، وما خفى كان مهولا، على الناس أن تقبل بما سيمنحه لها النظام، وما هو معلوم بالطبع أفضل مما هو مجهول.
فما الذى حدث لهؤلاء الفقراء، الأميين، العاطلين، الجوعى،...الخ؟ إنه فعل السلطة فى الجانب الآخر، لقد انتجت السلطة فى مركزها، وفى نقاط شدتها، ثأرات منتشرة ومتمفصلة فى أماكن متفرقة على سطحها، ربما لا تتركز وحسب فى الحدود والتخوم ولكن أيضا فى قلبها أو فى الجانب الأعلى، فمن هم فى مركز السلطة لا يدرون إلى أى اتجاه يسيرون، وهم غير مطمئنين لما سيأتى، لذلك سيهربون، سيلتقطون ملابسهم وأموالهم، إنهم يخططون دائما للهرب. إن الثأر هو أيضا نتاج السلطة، فالأجساد التى تحملت عسف السلطة وثقلها وتجويعها بإمكانها تفجيرها وزعزعتها، إنه الانتقام الآتى.

من الذى يطالب بالثأر؟
عصا غليظة بفتحة شرج وجثة طفل لم يمت بعد، ورائحة تخرج من القبر أفزعت الشهود. إن الثأر يطالب بالذهاب إلى المقبرة، ومنها إلى الساحة، يخرج من قسم الشرطة، من غرفة المباحث المعتمة، إلى مواقف الباصات، إلى المدونات، إلى الفضائيات، وها هو الآن يطالب بالحضور فى الميدان/الساحة/النقاشات.
الثأر يأتى لكى يبدد هذا الحاضر الذى تنهشه السلطة وتخرب لمعانه. يأتى الثأر لكى يجعل الحاضر مقلقلا، لكى يصيبه بالخوف والارتعاش، لا يأتى لكى يتصالح مع حاضره، بل لكى يصفى حساباته مع هذا الحاضر المخرب بفعل السلطة. سيأتى الثأر دون حاجة إلى تمثيل، ودون سعى إلى محصول، سيأتى فى ذاته ولذاته. إن الحاضر مدين بثأرات متعددة ومتنوعة.

القبر/الرحم

كأن الإنسان يولد وينمو بين رحمين، رحم الأمwomb ورحم الأرضtomb . الرحم هو جيب فى بطن المرأة، والقبر حفر أو شق فى بطن الأرض. عندما ينقطع وصل الإنسان بالرحم الأول، يبدأ سعيه نحو الرحم الثانى. إن الرحم ينفتح إلى الخارج، بينما القبر ينغلق إلى الداخل، وفى القلب، عندما ينغلق الرحم إلى الداخل يحضر الموت، وعندما ينفتح القبر إلى الخارج تتهيأ الحياة، وهذا القلب هو استثناء، وفى الأساطير تنفتح القبور عن ساكنيها، وتستعاد من جديد الحياة. فهل عندما تطالب أم بجثة ابنها القتيل من القبر، من الرحم الثانى، فهى تطالب بولادة ثانية، برده إلى الحياة، أم كانت تطالب بتبديد الجثة، بوضعها على طاولة التشريح لتتحول إلى جثة الثأر، إلى وثيقة تحمل وجه القاتل وتدعو للانتقام؟

لقد راحت الأم تطلب من يقرأ الوثيقة/الجسد/الجثة، راحت تنشد فعل القراءة، القراءة التى تكشف عن علامات القاتل وملامحه، وتبرز شناعاته تخترق السطح، وإن كانت هى تعرف جسد ابنها الذى تعده للعرس أو للعمل، لكنها لا تعرف كيف تقرأ ما تخبئه جثة؟ وهنا لابد من اعادة النظر فى قراءة السلطة التى يقوم بها الطبيب الشرعى، هذا الممثل لكل أجهزة السلطة؛ القضائية والتنفيذية والتشريعية، كيف تقدر السلطة قراءة أثارها، وكيف تقرأ فعلها وكتابتها؟ لقد قرر الطبيب الشرعى أن الجثة لا تدعو للثأر، ولكنها تظهر إهمالا!

عصا الرعية والسادية

ذهب عماد الكبير إلى مسؤولين بالداخلية يروى لهم ما حدث بقسم الشرطة، مسؤول يسلمه لآخر، وبالنهاية تم سجنه تلاثة شهور لمقاومته السلطات. فهل كان عماد الكبير لا يعلم بانه يقاوم عصا الرعية؟ هذه العصا التى يحملها الحاكم اضطرارا لكى يهش ويؤدب بها من يشق عليه عصا الطاعة، فلكل رعية راع، ولكل راع عصا، وللراعى مطلق الحرية فى استخدامها وقتما يريد وأينما يشاء!

وفقا لعلم النفس الفرويدى، فإن السلطة فى هذه الحالة تعانى تثبيتا فى مرحلة "السادية الشرجية"، هذه المرحلة التى تظهر فى حياة الطفل ما قبل الجنسية، وفيها يعمل الطفل على الابقاء على فضلاته لأطول فترة ممكنة، أولا؛ خوفا من عقاب الوالدين، وثانيا؛ تمردا واحتجاجا على هذه السلطة، ثالثا؛ لأنه يجد لذة فى الألم الذى يصاحب خروج هذه الفضلات، ويذهب فرويد بان ميل الطفل إلى العدوان يظهر فى هذه المرحلة. لقد استطاع "عماد" أن يطعن هذا التنظيم السادى، ليس هذا وحسب ولكن أيضا أن يثأر هو من ذكورته، أى أن الثأر لم يوجه فقط إلى هذا التنظيم السادى، ولكنه ثأرا من ذكورته هو.

ربما على هذا النحو سيأتى الثأر، فهو لن يستثنى احدا، ولا يسعى إلى شىء، فقط ليبدد هذه الحاضر.
نشرت بجريدة البديل المصرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت