الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعيدا عن وعورة الحلول البائسة

يعقوب زامل الربيعي

2007 / 11 / 20
ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين


أحتلت القضية الفلسطينية في الملف السياسي العربي والعالمي ، موقعا يكاد يكون متفردا في حساسيته وتداخل خطوطه ، الأمر الذي يحتاج الى أنسجام فكري وأريحية معقولة في الخطاب السياسي المعلن للوصول الى خطوط أكثر توازنا لحل أشكالية سبل المتاهة التي رسمتها بعناية قوى عربية وعالية أحيانا ، واحيانا لجهل سبل القصد ، خصوصا العربي ، في طرح الأشكال ومنضومة الحلول .
وتوخيا لدقة التوصيف ، نجد ان المشكل الأساسي في وعورة القضية الفلسطينية متأتي من تداخل الرؤى العنصرية لكلا الفريقين الرسميين العربي والأسرائيلي من جانب ، ومن جانب آخر وقوع المؤسسات السياسية والاعلامية الرسمية والشعبية في كلا المعسكرين ، في فخ تلك الرؤى المتنابزة ، مما أخل بالتالي ميزان معادلة النتائج المتوخاة تسهيلا لمهمة الحلول وفك الأشتباك الحاصل .
ولو قرأنا خارطة ما حصل منذ بداياته الأولى ، وتتبعنا مسار تشكل العقد المتعاقبة فيه وما نتج عنها من حزم أكثر درامتيكية ، عما قبلها ، نجد ان ما نتج من حلول الأمر الواقع فيما بعد ، كانت حاصل تحصيل تنامي خطين أساسيين في لعبة الحدث . الأول هو وحدة وتنافرالهدفين والخطابين العربي والأسرائيلي ، كونهما كانا منطلقين من عقلية وسلوك ومنهجية عنصرية شوفينية واحدة وان أختلفت أتجاهاتهما وثقافاتهما وسبل التعبير عنهما . أما الثاني والذي كان أكثر اثارة لتعدد خياراته ، فقد أخذ خطــــا بيانيا متعرجا في موازاة الأول ، معتمدا الدقة في صناعة الفواصل وترتيب المقتربات، عبر قراءة ذكية لسيناريو متغيرات مسارات مياه الأضداد ، ليجعلهما تصب أخيرا في مجرى واحد ، من غير ان يلغي فجاجة مذاقهما برزخ العضال بينهما ، لعبت فيه عدة كوادر محلية وعربية وعالمية الدور الأساس في اخراجه على الوجه الأخير .
من غير المعقول ان نستشف بواطن الحدث الفلسطيني بعمق تدعياته ، دون النظر الى حقائق حصوله . تلك الحقائق التي حاكت عقده بالصورة المعروفة .
لايختلف أثنان من ان الأستعمارالأستيطاني الصهيوني لفلسطين، قد جدد أولى مراحل أستمرارية موتورية العلاقة اليهودية العربية ـ الاسلامية في التاريخ الحديث . فعلى أنقاض أطلال مراحل سابقة من صراعات فكرية وميدانية بين عرب ما قبل الاسلام وما بعده ، وبين يهود المنطقة ، الذين اطلق بلفور وعده باقامة أول كيان محدد و " موعود " لهم على أرض فلسطين .
كما ان فلســفة اقامة ذلك الكيــان لم تكن بعيدة في حيثياتها ، عن قناعة مؤسسيها داخل فلسطين وخارجهــا بأن تلك الأرض الموعودة لم تكن أشــد صلابة من أرض شاسـعة كانت وما زالت تحيطها تاريخيا وجغرافيا . كما لم تكن بعيدة أيضا ، عن ثقافة هي من نتاج أرث ديني ظل قلقا بين منظومتين مختلفتين عاشتا منذ تشكل المجتمع العربي على وسع تلك الأرض الهشة .
الوقع الثقيل لأستعمار أستيطاني هيأت له وباركته ماديا ومعنونيا قوى أستعمارية عالمية ، وما تركه من صدى، لم يكن بعيدا عن مسار تلك الثقافة الموتورة، وان جاء عزفه على وتر مختلف .
كلا الأمرين لم يكونا غريبين في توافقهما أو تسواقهما ، بقدرما حملا من غرابة تواترت هي الأخرى أثناء وقــوع الأســتيطان وبعده ، تلكم التي عبــر عنهما الخطابين السياسيين الرسميين العربي والأسرائيلي لتســويق طروحاتهما وأفكارهما حــول الموضوع ، وما خلفـه من لوثات وأيلامات كارثية على نصوص مسودات اعلامهما ــ خصوصا العربي ــ واللتان أجترتا نفس مفردات الثقافة العنصرية والشوفينية بقدمها وحداثتها .
ومع ان الخطاب الأسرائيلي كان ينزع لتعزيز أستعماره الجديد على وفق نظرية المسكنة التي تقدم تبريرات أستعمارها الأستيطاني المدجج بالسلاح لأرض الميعاد التوراتي ، تحت حجج تبدو منطقية لبعض العقول . من ان اليهود ، وكونهم أقلية داخل مجتمع عربي كبير محكوم بالبداوة والعداوة وحب الذات وعالم أكبر لا يحمل اليهم سوى المقت والأقصاء ، فأنهم ووفق جدلية ميتافيزقيا لاهوتية ، موعودون من الرب بأرض لابد لها من ان تلم شتاتهم وضياعهم الأبدي ، شأنهم شأن غيرهم من الأمم ، وان هذه الأرض ، التي لم تكن سوى فلسطين ، هي أولى محطات
لأرض مهبط رسالات أنبياء بني صهيون الممتدة من النيل الى الفرات .
في موازاة نهج وأساليب العقلية الصهيونية تلك ، كانت العقلية الرسمية والاعلامية العربية تنتهج ذات المسار العنصري في خطابها السياسي أثناء مناقشة أي من الملفات ذات الصلة بالقضية التي أعتبرها الجمع المؤسساتي العربي قضية مركز النضال العربي . من دون ان يختلف عما كان يشغل هموم العقلية الصهيونية بشأن رقي وأيثار خاصين ، يعتقد أي منهما علو كعبه على الآخر، وحتى على آخرين . الشي ء الوحيد الذي أختلف فيه الجانب العربي على غريمه ، والذي حسب عليه وليس له ، كما شكل في المستويين الخاص والعام أهم عناصر الأفشال الحتمي لتلك القضية " المركزية " نازعا من أيدي العرب والفلسطينيين بالذات أهم أسلحتهم المساندة المادية والمعتوية وحتى الأخلاقية المطلوبة من الرأي العام العالمي ، ذلك الشيء هو عنجهية الخطاب العربي الذي توعد فيه اليهود بـ "رميهم " في البحر او محوهم من الخارطة العالمية بقوة العسكر المدجج بصواريخ " الظافر " و " القاهر " أو بجيش القدس الذي صوره صدام من غير نهاية لبدايته ، وبعظمة الأمة التي هي " خير أمة أخرجت للناس " . في حين كان أسلوب الخطاب الآخر أكثر عقلانية ومكرا ، بل أكثر مدعاة للعطف والدعم العالميين ، عندما أنتهج سبيل المسكنة والضعف مطلقا على جيشه المسلح بأحدث الأسلحة ذات التقنية العالية ، صفة "جيش الدفاع " الأسرائيلي ، نافيا بذلك صفة العدوانية عنه ، وصفة الهجوم المدبر التي برع فيه على نحو فريد .
تلك مقدمة لابد ان نحتاجها لقراءة النتائج وسبل دراسة التداعيات وطرق الحلول الموافقة لظروف القضية من وجهة نظرموضوعية ، وبعقلية جديدة تحسب الأمور بحساب المنطق وتصور الحليم .
لا نحتاج الى أكثر من ألقاء نظرة سريعة لأدراك حجم وهول المعاناة المأساوية التي ألحقها النظام العربي واعلامه البائس بالقضية الفلسطينية ، كونها أحدى قضايا التحرر الوطني من جانب ، ومن جانب آخر ما سببهما من كوارث وأنتهاكات للشعوب العربية وقضاياها المصيرية الأخرى تحت يافطة مزايداتهما في التحرير المزعوم على مدار ستة قرون ثقيلة ، تلك الدعوة التي لم تكن أكثر من قميص عثمان لسترعورة أزماته وفساد وديكتاتورية منهجه وتسلطه ، شخوصا ومؤسسات ، مثل حاجتنا الى رؤية سليمة ونضوج مواقف لبلوغ سداد قرارات مكتملة الحلم ، بشان قضايا مصيرية عديدة ، في المقدمة منها القضية الفلسطينية .
مرور القضية الفلسطينية بمراحل متفاوتة ومتقلبة منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي ، كان بسبب غياب المنهج السياسي والعسكري العربي والمعبر عن رؤها التحررية ومنطلقاتها الفكرية المتساوقة مع مجموعة الأفكار والمنطلقات الأساسية لقضايا التحرر الوطني في العالم ، نتيجة أرتهانها برؤية النظام العربي والذي لم يكن بعيدا عن جرف نظرية المؤامرة والتكسب وعقدة الكبر القومية التي تنظر بقصور الى الآخر نظرة متدنية .
ولما كانت والحالة هذه في الموقع الغلط ، كان لابد ان تأخذ القرار السوفييتي من التقسيم ماخذ العداوة المطلقة التي اوقعها بالتالي في مسار خط الوهم في بحثها عن حلول غيرصبورة ، لايمكن تبرئة ساحتها يوم جرتها عقائد متذبذبة الى اطلاق شعارات بعيدة عن الواقع " فلسطين عربية ، فلتسقط الشيوعية " .
بعد مرحلة " الهزيمة " المتوقعة ، في حزيران عام 1967 وأنكشاف خطل الرهان على الموقف الرسمي العربي كلية ، وأنغلاق القضية الفلسطينية على مقدمات أيديولوجية ثبت بؤسها ، اطلق البعض ، داخل حركة المقاومة وخارجها شذرات افكار واقعية لتعويض خسارات الماضي . تلك الأفكار التي كان لها صدى عالمي في أروقة السياسة الدولية ، مثل الدعوة لقيام دولة الديمقراطية في فلسطين ، واقامة العلاقات مع معسكر التحرر الوطني العربي والعالمي ، وكذلك أنفتاح بعض القوى اليسارية الفلسطينية على الأفكارالماركسية اللينينية واليسار العالمي، بعد ان ساهمت
طويلا في محاربتها وتسفيه طروحاتها . كما أرتضت على الأنفتاح على أفكار اليسار الأسرائيلي في الدعوة لاقامة الدولة العلمانية على كامل الأرض الفلسطسنية .
البداية الصحيحة التي كان لابد تعميقها والنضال العنيد لترسيخها في مجرى النضال الفلسطيني ، بعيدا عن المزايدة السياسية والمراهقة القلقة لبعض المدعين .
ان جلوس بعض رجالات القرار الفلسطيني على طاولة حوار الذات ومناقشة ضرورة تبديل الرؤى ، كان سينقل القضية من محورها البائس الى أفق أكثر رحابة ، وأوسع تأييد لو لم يسمح الشعب الفلسطيني لقيادات المقاومة وعناصر التغيير فيها من جديد السقوط في مستنقع الأنغلاق الأكثر مأساوية من سابقه . مرتضيا تبديل العنصرية القومية بالسلفية الدينية في تعبيرها عن طموح الفلسطينيين في التحرر وتقريرالمصيرواقامة دولتهم الديمقراطية العلمانية التي تجمع فيها الشعبين على أرض الحقائق السليمة بعيدا عن العنصرية القومية والسلفية الدينية الاسلامية واليهودية الصهيونية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ